دخلت الجزائر في مرحلة متقدمة لإعادة صياغة نظام الحكم فيها وإقرار إصلاح سياسي شامل، من خلال تعديل الدستور، عقب تولي عبدالمجيد تبون لسدة الحكم، تؤسس لما وصفه بـ”الجزائر الجديدة”.
وطرح تبون مسودة خاصة بالدستور الجديد على مجموعة من الخبراء لإثرائها ، والملفت للإنتباه فيها أنها تُقلّص من صلاحياته بصفته رئيسًا للجمهورية وتحدّد عهداته، وتعزّز الفصل بين السلطات والتمثيلية السياسية، استجابةً لحزمة من مطالب الحراك الشعبي وضرورات المرحلة القادمة.
ويرى مراقبون للشأن السياسي بالجزائر أن المسودّة الجديدة، تطرح تساؤلات عديدة تتعلّق بمسألة التعديلات “العميقة” التي ينادي بها الرئيس تبون، إذا ما كانت ستمسّ “روح الدستور”، أم أنّها ستكرّس منطق صياغة كل رئيس لدستور على مقاسه في حالة جزائرية بحتة تكرس علاقة طردية بين الرؤساء والدساتير.
ولعل أن ما سيشهده الدستور الجزائري من تعديلات، سواءً كانت بسيطة أو عميقة هي مسألة قانونية بحتة؛ تتعلق بإعادة النظر في بعض القوانين والمواد، تسببت في “مطبّات قانونية” وفق أزمات عديدة مرت بها البلاد لم تجد لها مخرجا سوى اعادة التكيف معها بفرض تعديل للدستور حسب الحاجة الملحة.
وشهد الدستور الجزائري تعديلات كثيرة، كانت ظرفية ولخدمة مصلحاتية لفائدة الرؤساء الذين تداولوا على حكم البلاد قاموا بهذا التعديل، وذلك منذ سنة 1996، بحسب مختصين في المجال القانون الدستوري.
وأصبحت الجزائر نموذجًا واضحًا لتكريس مبدأ “لكلّ رئيسٍ دستوره”، وذلك ما تطرّق له الرئيس الحالي تبون خلال حملته الانتخابية، إذ تعهد مرارًا وتكرارًا على أنه سيُجري تعديلاتٍ عميقة على الدستور الحالي، وتعديلات في القوانين التي تنظم الحياة السياسية.
وبات الدّستور في الجزائر وثيقة يُمكن أن تتغيّر مع تغيير الوضع السياسي القائم ومزاج أي رئيس، وكل المراحل السياسية تُشير إلى أنّ البلاد عرفت دساتيرًا على مقاس كل رئيس في فترة حكمه.
ويعتبر الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، من أكثر الرؤساء تعدّيًا على الدستور، ونسجه على مقاسه السياسي، علاوة عن الدساتير التي عرفتها الجزائر منذ الاستقلال في فترتين متّصلتين زمنيًا ومنفصلتين قانونيًا.
وعرفت المرحلة الأولى من 1962 إلى 1996 أربعة دساتير، إذ أقرّ الرئيس الراحل أحمد بن بلة دستور 1963، ثم دستور 1976 الذي أصدره الرئيس الراحل محمد بوخروبة (هواري بومدين)، ثم دستور ما بعد أحداث أكتوبر 1988، أصدره الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد سنة 1989، الذي أقرّ التعدّدية السياسية والإعلامية، ليأتي دستور 1996، في عهد الرئيس اليمين زروال، وتعقبها فترة حكم بوتفليقة لمدّة 20 سنة، وما تخلّلتها من تغيير في عديد المواد التي مكّنته من البقاء في السلطة لعقدين من الزمن.
ويجمع مهتمون ومختصون في القانون الدستوري على أن الوقت قد حان لفتح هذا الملف والتفكير جديًا في وضع دستور جديد يتماشى والمرحلة الجديدة، للتأسيس لنظام يهدف إليه الشعب الجزائري، نظيفًا، ويخدم تطلعاته المستقبلية .
وفي هذا الشأن يقول الدكتور والمحلل السياسي وعضو المجلس الدستوري السابق عامر رخيلة، لـ”بناصا” إن “الحقيقة الثابتة في الجزائر ومنذ 1963 انه كلما حدث تغيير في رأس السلطة الجزائرية إلا وكان للوافد الجديد وبصرف النظر عن طريقة وصوله لرئاسة البلد فإن أول مايقدم عليه وضع الدستور جانبا وعدم استناده في خطاباته لأي حكم دستوري أو التذكير به”.
وحسب رخيلة ينتهي كل وافد للرئاسة في آخر سنة من عهدته إلى الحديث عن قصور الدستور ووجوب تعديله أو تعديل بعض أحكامه. .وبمجرد توليه من جديد لمنصب الرئيس يطوي صفحات الدستور ولم يشذ عن هذا السلوك كل من تولى رئاسة الجمهورية في الجزائر لأكثر من عهدة.
ويتساءل رخيلة في حديثه لـ “بناصا”، بالقول “هل نحن في حاجة إلى دستور جديد؟” ويجيب قائلا “الواقع أن الدستور الموروث عن بوتفليقة دستور 96 يستوجب المراجعة الجذرية الكاملة لرسم توازنات السلطة والحسم الصريح”.
ويضيف عامر رخيلة “في مسألة مبدأ الفصل بين السلطات وتحديد طبيعة النظام السياسي وتحديد الطبيعة الاجتماعية للدولة هل هي دولة ناظمة اومتدخلة.
وتابع المتحدث نفسه قائلا “لازالة الثقل الذي عليه الدستور 218 مادة لابد من مراجعة مختلف فصول الدستور والعدول عن فكرة دسترة المجالس المتخصصة، فهذا من اختصاص القانون العادي أو العضو حسب أهمية المجلس الوطني ودوره في القطاع الذي انشيء من أجله”.
وحتى يكون التعديل الدستوري المرتقب ماذا يتوجب على رئيس الجمهورية القيام به فيقول رخيلة أنه يتوجب على الرئيس أن يف بتعهده بتقليص صلاحيته لأن دستور 96 جعل من الرئيس مؤسسة مهيمنة ولها تدخل في كل السلطات من خلال الصلاحيات المسندة لرئيس الجمهورية في السلطتين التشريعية والقضائية والهيمنة الكاملة على اختصاصات وصلاحيات السلطة التنفيذية فالوزير الأول يقتصر دوره على التنسيق بين الوزراء ولايملك صلاحيات تعيين أو إعفاء ليس الوزير فحسب بل مديرين في الوزارات والمؤسسات الوطنية.
ويختم رخيلة كلامه لـ”بناصا” بالقول إن “أرادت السلطة فعلا أحداث التغيير المنشود فيجب إعداد دستور للمجتمع لاللرئيس والا فإننا سنعيد إنتاج مايستهدف الحراك تغييره.
تعليقات الزوار ( 0 )