تشميت العاطس، إرث ديني نجده في اليهودية و المسيحية و الإسلام، و كلهم يطلبون الرحمة للعاطس، ويسمى هذا تشميتا. وبجولة سريعة على المواقع الدينية لليهودية و المسيحية، وجدت أن تشميت العاطس عندهم مرتبط بتفاسير دينية.
في العصور القديمة ، اعتقد الناس أن العطس سيسمح للأرواح الشريرة بدخول جسمك ، قائلين “بارك الله فيك” منع هذه الأرواح الشريرة.
وفي التعاليم الدينية اليهودية، نجد أنه منذ خلق الإنسانية كان العطس يسبب الوفاة للعاطس بخروج روحه من أنفه. لكن سيدنا يعقوب عليه السلام طلب من الله أن لا ياخذ روحه حتى يكمل تعاليم رسالته. و من هذا العهد شرع اليهود في الدعاء بالرحمةل و البركة للعاطس، لان العطاس كان يؤدي للموت.
أما في المسيحية، فقد كان يُعتقد أن العطاس نذير أو تحذير من الآلهة. عندما كان الطاعون الأول الذي أضعف الإمبراطورية الرومانية المسيحية الآن حوالي عام 590 ، اعتقد البابا غريغوريوس الكبير أن العطس كان علامة تحذير مبكر للطاعون ، لذلك أمر المسيحيين بالرد على العطس بالمباركة و طلب الرحمة.
أما في الإسلام، فأننا نجد تشابها ملحوظا مع الديانات السماوية الأخرى في الحمد و طلب الصحة و البركة، لكن الرواية التي يستند عليها الاسلام تختلف تماما عن القصص التي تستند عليها اليهودية و المسيحية.
فقد روى النسائي وعبد الرزاق وغيرهما بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له فجلس فعطس فقال الحمد لله، فقال له ربه يرحمك الله .. ائت أولئك الملائكة فقل السلام عليكم فأتاهم فقال السلام عليكم فقالوا له وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه تعالى فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير بلفظ: لما نفخ في آدم الروح مارت وطارت فصارت في رأسه فعطس فقال الحمد لله رب العالمين فقال الله يرحمك الله.
و السؤال الجوهري، هو لماذا اهتمت الديانات السماوية منذ القدم بالعطاس وآدابه؟
خصصت كل الديانات للعطاس أساطير و روايات، و اتفق علماء المسلمين و الفقهاء على مشروعيته، واختلفوا في درجة المشروعية، فذهب الجمهور إلى أنه واجب، وذهب الشافعية إلى أنه سنة. كما جعلوا له صيغا جاهزة للرد اصطلحوا عليها “التشميت” فيتم الدعاء للمسلم بالرحمة و للكافر بالهداية. و في الوقت الذي يجعل الاسلام تاريخ العطاس يبدأ مع بداية خلق البشرية مع آدم، فإن اليهودية تؤكد أن الامراض لم تظهر منذ خلق الله السماوات و الارض، لكن العطاس ظهر بعد قرون و كان مفضيا للموت، كما شرحت أعلاه. و على الرغم من التناقض البين في الروايات، فإن كل المرجعيات الدينية تربط العطاس بالصحة دون تقديم تفسير علمي يبين أسباب العطاس و قوته سواء بإراحة الجسم أو بمساهمته في نشر الأمراض و الفيروسات.
و إذا كانت الكتب الدينية اهتمت بالاهمية الأدبية للعطاس، فإن العلماء و المتخصصين أجابوا بشكل علمي على أهمية و مخاطر العطاس و دوره في حفظ سلامة الجسم، أو في نشر الأمراض و الفيروسات المعدية.
أجمع العلماء و المتخصصون أن االعطاس هو استجابة فسيولوجية لتهيج بطانة الظهارة التنفسية للأنف. تبدأ العملية عادة بإطلاق مواد كيميائية مثل الهيستامين أو الليكوترين. و يتم تصنيع هذه المواد عن طريق الخلايا الالتهابية مثل الحمضات والخلايا البدينة الموجودة عادة في الغشاء المخاطي للأنف. يحدث الإطلاق الكيميائي بسبب التهابات الجهاز التنفسي الفيروسية ، والجسيمات المفلترة ، والمواد المسببة للحساسية (المواد التي تسبب تفاعلات الحساسية) أو المهيجات الجسدية مثل الدخان والتلوث والعطور والهواء البارد. تتطلب تفاعلات الحساسية مع الغشاء المخاطي للأنف وجود الأجسام المضادة للحساسية الخاصة بالحساسية. هذا يؤدي إلى تسرب السوائل من الأوعية الموجودة في الأنف ، مما يسبب أعراض الاحتقان والتقطير الأنفي. بالإضافة إلى ذلك ، يتم تحفيز النهايات العصبية ، مما يؤدي إلى الإحساس بالحكة.
في نهاية المطاف ، يؤدي تحفيز النهاية العصبية إلى تنشيط الانعكاس داخل الدماغ. ينتقل النبض العصبي إلى أعلى الأعصاب الحسية وإلى أسفل الأعصاب التي تتحكم في عضلات الرأس والعنق ، مما يؤدي إلى طرد سريع للهواء.
يتم تحقيق السرعة العالية لتدفق الهواء عن طريق تراكم الضغط داخل الصدر مع إغلاق الحبال الصوتية. يسمح الفتح المفاجئ للحبال للهواء المضغوط بالتدفق مرة أخرى إلى أعلى الجهاز التنفسي لطرد المهيجات. هذا يساعد على إزالة الجسيمات المسيئة في الأنف. ومع ذلك ، في الأفراد المصابين ، فإنه يسمح أيضًا بانتشار نزلات البرد ، بحيث أن كل قطرة من المخاط المطرود. يحتوي على عدد لا يحصى من الجسيمات الفيروسية.
ووجد الباحثون أن متوسط العطس يمكن أن يرسل حوالي 100.000 من الجراثيم المعدية في الهواء بسرعة تصل إلى 1600 متر في الساعة. و يمكن لهذه الجراثيم أن تحمل فيروسات و أمراض معدية، بحيث إن الحجم الصغير للقطرات يمنحها القدرة على اختراق أعمق في الرئة، لكون صغر حجم قطرات الأيروسول (قطر أقل من عرض شعرة الإنسان) ، و يمكن أن تظل معلقة في الهواء لفترات طويلة من ثانية إلى أسابيع”. و لذلك، وجب على العاطس تجنب العطس بشكل مباشر بوضع منديل أو وضع ذراعه على فمه.
و على الرغم من ذلك، فإن الأطباء لا ينصحون باحتواء العطاس بإغلاق الانف و الفم، لان هذا الانفجار التنفسي القوي، العنيف و المفاجيء قد يودي إلى مضاعفات خطيرة ، مثل احتباس الهواء في الصدر بين الرئتين) ، وثقب غشاء طبلة الأذن ، وحتى تمزق الأوعية الدموية الدماغية، و قد يؤدي تراكم الضغط من العطس المحاصر في تمزق أعلى في الحلق ، في البلعوم.
ومن هنا يتبين لنا أن الحكمة من تشميت العاطس في جميع الثقافات ليس فقط تصرفا لتهذيب السلوك و الأخلاق، بل هي نعمة لحفظ الصحة في طياتها نقمة يمكن تجنب آثارها السيئة باحترام الطرق السليمة للعطاس في الأماكن العامة للحد من انتشار الأمراض المعدية والفيروسات.
تعليقات الزوار ( 0 )