اختار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قناة فرانس 24 الفرنسية ليبعث برسائل سياسية إلى المغرب ،رسائل بدأ البعض يهلل لها ويعتبرها مرحلة جديدة قادمة في العلاقات المغربية الجزائرية ،لكن في الواقع نحن أمام أحد أخطر حوارات الرئيس الجزائري منذ توليه السلطة ،تكشف عن الطريقة التي يُفكر بها ورثة بوتفليقة في المغرب.
خطير أن لايعلم تبون بوجود قواعد عسكرية على مقربة من الحدود المغربية
يجري عادة في الحوارات مع رؤساء الدول ترتيب الأسئلة ومحاور النقاش، لذلك لم يكن سؤال صحفي فرانس 24 تبون حول قواعد عسكرية جزائرية على مقربة من الحدود المغربية سؤالا مفاجئا ،لكن الخطير ليس في وجود القواعد العسكرية من عدمها ،لأن الجزائر شرعت منذ مدة في تفريخ قواعد كثيرة على مقربة من الحدود المغربية ،منها قاعدة قربة جدا في مسافة لاتتجاوز كيلو مترات قليلة ،وإنما الخطورة في عدم قدرة تبون على النفي أو التأكيد، فالأمر يكشف أن قرار إنشاء هذه القواعد يعود للقايد صالح وبعده شنقريحة ،واذا بحثنا جيدا في علاقات هاذين الجنرالين الخارجية سيصبح الأمر خطيرا، لأن الأمر سيكون مرتبطا بدولة أجنبية تدير هذه القواعد بشراكة مع جنرالات الجزائر ،فكل المعلومات التي كانت تروج حول اختراقات لجنرالات الجزائر تظهر الآن بوضوح لأننا أمام قواعد توجد فيها تجهيزات للتجسس ومضادات جوية ومواقع إطلاق ،وهنا المفترض الأخطر في هذه القواعد نظرا لوجود شركة دولة لها علاقات بجنرالات الجزائر قد تكون جهزت الجيش الجزائري بأسلحة أخرى تطرح إشكالات في المجتمع الدولي.
لذلك، فالرئيس تبون لم ينف ولم يؤكد لأنه لا علم له بما يجري بين شنقريحة ودولة أجنبية، ولا يمكنه منع ذلك ،فقيادة الأركان تبدو اليوم في الجزائر أكثر خطورة من أي مضى على الجزائريين والمحيط الإقليمي لكونها تدار بتوجيهات من دولة أجنبية ورطت جنرالات الجزائر ولم يعد بإمكانهم سوى تنفيذ الأوامر .
تبون يروج لخطاب خطير : ”المغاربة أشقاء ومؤسساتهم أعداء“
يحاول الرئيس تبون منذ صعوده استعمال خطاب خطير يفصل بين المغاربة ومؤسساتهم ،وهي استراتيجية ينهجها منذ وصوله إلى السلطة بمحاولة التمويه إلى أن المغاربة ”أشقاء“و مؤسساتهم ”أعداء ”،وهو خطاب موجه للداخل الجزائري لأنه لا أحد يمكنه أن يُصدق هذا النوع من الخطاب في المغرب ،مع الانتباه إلى أنه يكشف عن تحول بين مرحلة تبون وبوتفليقة ،بين بوتفليقة الذي كان يسمم الأجواء بين المغاربة والجزائريين ،ويكتب في الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية إلى المغرب رسائل حماسية وعاطفية تُعطي الانطباع لقارئها أن العلاقات توجد في درجة أكثر من الأخوية ،لذلك يبدو أن خليفة بوتفليقة عبدالمجيد تبون أختار استراتيجية أخرى وهي الفصل في خطابه بين المغاربة ومؤسساتهم.
لكن المثير هو أن يقدم تبون في حواره مع فرانس 24 الجزائر وكأنها بدون مشاكل مع المغرب ،والإشارة بطريقة فيها الكثير من التمويه إلى أن المشاكل هي من المغرب نحو الجزائر وليس العكس.
تبون يريد بناء مشروعيته على تجريب أسطورة ” طلب الاعتذار عن الإهانة ”من المغرب
يشعر الرئيس تبون الذي جاء به الجيش إلى الحكم أن مشروعيته ضعيفة ومهددة من طرف الحراك المتوقع عودته بقوة بعد نهاية جائحة كورونا ، لذلك يحاول تبون بناء مشروعيته انطلاقا من ملفات متعددة بدأها بليبيا التي ارتكب فيها خطئا، لكونه يميل نحو حفتر ثم يعود في اتجاه حكومة الوفاق ،في دور يبدو أنه اختار فيه الجزائريون دعم صالح عقيلة ومبادرة مصر ولعب دور لصالح فرنسا وروسيا.
ومقابل هذا الدور ساعدت فرنسا تبون ،الذي يعد الرئيس الأكثر تواصلا مع فرنسا بالنظر إلى فترة حكمه حيث وصلت الإتصالات الهاتفية بينه وبين ماكرون ثلاث مرات في شهر واحد ،وفرنسا التي عرض رئيسها في سنة 2018 إعادة جماجم قادة جزائريين اختارت هذا التوقيت الصعب من حكم تبون لتحقق له هذا الإنجاز وتحويله إلى ”محرر لجماجم ”قادة جزائريين بعد 170 من وجودهم في مخازن الإستعمار الفرنسي، وتساعد فرنسا بذلك الرئيس تبون على أن يبدو بمظهر ”البطل القومي ” وتعطيه وسيلة للحصول على مشروعية داخل الجزائر.
ويبدو أن تبون يبحث عن ملفات أخرى لبناء مشروعيته الداخلية مع الجزائريين انطلاقا من دول الجوار،وهي ليست فقط مشروعية الدعم المالي لتونس أو دعم موريتانيا ،وإنما محاولة بناء مشروعية أخرى يقلب فيها الأحداث بإعادة تقديم واقعة أطلس أسني الإرهابية في النقطة المتعلقة بإغلاق الحدود في سنة 1994 بكونها ”إهانة للجزائر“ ،فالحدث الإرهابي المتمثل في الهجوم على فندق أطلس أسني، الذي رتبته المخابرات الجزائرية بقيادة الجنرال توفيق مدين ،وفق الشهادة الموثقة بالحجج والأدلة التي أدلى بها ضابط مخابرات جزائري سابق بأن أزيد من خمسين شخصا تم تجنيدهم من طرف المخابرات الجزائرية نفذ منهم عشرون العملية من الإعداد إلى التنفيذ بواسطة ثلاثة ،كلها وقائع يريد الرئيس الجزائري تبون نفيها ويحول تورط المخابرات الجزائرية في عملية إرهابية إلى اسطورة ”اهانة ”مغربية للجزائر يقف فيها على قضية فرض التأشيرة وإغلاق الحدود في 1994.
ومن الواضح ،أن الرئيس تبون بلجوئه إلى قلب الوقائع يبحث عن مشروعية أخرى لتدعيم حكمه ،يوظف فيها أسطورة ويربطها بالمغرب ويبني عليها مطلبا خطيرا هو ”الإعتذار عن الإهانة“ في وقت يجب فيه على الجزائريين إعادة محاكمة الجنرال توفيق مدين ومجموعته عن الحادث الإرهابي لأطلس أسني.
بناء بوليساريو جديد وراء غياب موضوع الصحراء في حوار تبون مع فرانس 24
والمثير للانتباه، أن لايتناول تبون في حواره مع قناة فرانس 24 ملف الصحراء ،فخلال كل الحوارات والخطابات السابقة للرئيس الجزائري ،منذ بداية حملته الإنتخابية ،ظل ملف الصحراء حاضرا ،ووصل الأمر إلى درجة إصدار بلاغات جزائرية انفعالية وسحب سفراء جزائريين من دول إفريقية قامت بفتح قنصليات في المناطق الجنوبية المغربية.
ولم يكن ملف الصحراء حاضرا في الحوار المرتب مع فرانس 24، الشيء الذي يخفي أمرا ترتب له الجزائر في نزاع الصحراء الذي باتت فيه طرفا مباشرا بمقتضى قرارات الأمم المتحدة في الموائد المستديرة الأخيرة .
وبذلك ،يكشف سكوت تبون عن أشياء خطيرة تجري ،حيث أن الجزائريين بدؤوا في عملية صناعة بوليساريو جديد لما وصلوا إلى قناعة أن ابراهيم غالي عاجز عن إيقاف الاحتجاجات في المخيمات رغم انهم ساعدوه على التخلص من البخاري وخداد،والبوليساريو الذي يرثه تبون عن بوتفليقة والجنرالات يحتضر بينما يريد شنقريحة انقاذه عسكريا وتبون سياسيا ويسابق إسماعيل شرقي الزمن لترتيب مشهد خطير يخدم به الجزائر وصنيعتها البوليساريو انطلاقا من شمال مالي ،الذي يعول فيه على نشر قوات من الإتحاد الإفريقي ستكون قوات من الجيش الجزائري بعد تمرير تبون للمقتضيات الدستورية الجديدة الخاصة بنشر الجيش خارج حدود الجزائر .
لكل هذه الأسباب، تبدو رسائل تبون التي أطلقها عبر حواره مع فرانس 24 خطيرة جدا، بشكل تجعلنا أمام جزائر تتجه نحو منحى خطير لايقف عند حدود القواعد العسكرية الكثيرة التي أنشأتها على مقربة من الحدود المغربية ،فنظام تبون وشنقريحة يرتبا لأمر ما، ويستمران منذ شهور في شحن الجزائريين عبر بروباغندا إعلامية تقودها وكالة الأنباء الجزائرية التي تكاد تكون كل مواضيعها الدولية هجوما على المغرب ،لكن الخطير هو أن يلمح تبون في حواره مع فرانس 24 أنه ينتظر مبادرة من المغرب، وينسى مبادرة التعاون التي طرحها المغرب منذ سنتين ،وكأن تبون ،الذي يبني مشروعيته على التاريخ ،يقول بأنه لم تكن توجد دولة جزائرية قبل قدومه للحكم في دجنبر 2019،وإذا كان الأمر كذلك ،فإنه مطلوب من الرئيس تبون الإعتذار عن كل ماقام به الحاكمون السابقون للجزائر من جرائم ضد المغرب ،جريمة صناعة كيان وهمي يسمى البوليساريو ،وجريمة ترحيل مغاربة قسرا وسلبهم ممتلكاتهم وأموالهم ووضعهم على الحدود في سنة 1975، وجريمة أطلس أسني في سنة 1994 .
*رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني
تعليقات الزوار ( 0 )