Share
  • Link copied

تحقيق: شبكة إجرامية تستعمل هويات مسروقة وحسابات “فيسبوكية” مُقرصنة للنصب على المغاربة.. والأدلة ترجّح تورط وكالة لتحويل الأموال

من خلف شاشات الهواتف والحواسيب، تنشط شبكة احتيالية محكمة التنظيم، تستهدف ضحاياها عبر الفضاء الأزرق، فتسلبهم أموالهم بـ”خفة وهدوء”، دون أن تترك خلفها سوى آثار رقمية خادعة وحسابات مخترقة، قبل أن تذوب في ظلمة الثغرات الأمنية والفراغات التشريعية، والتقاعسات المستمرة.

خيوط هذه الشبكة التي يرجح أن أنشطتها انطلقت قبل أكثر من سنة، بدأت تتضح تدريجيا، بعدما تكشفت تفاصيل عمليات نصب متكررة، كانت أغلبها تنطلق من أرقام هواتف مرتبطة بحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمر عبر عرض منتجات وهمية للبيع، وتنتهي في نقطة واحدة: وكالة تحويل الأموال “كاش بلوس”، بمدينة مراكش تحديدا.

تعددت القصص، وتشابهت السيناريوهات: حساب مألوف يتواصل مع الضحية، يطلب مبلغاً مالياً لصديق يمر بطارئ، أو يعرض منتجاً مغرياً بسعر رخيص، ثم يُطلب منه إرسال حوالة مالية عاجلة. لكن المفارقة الأبرز لم تكن في الأسلوب، بل في التكرار المرضي لمسار المال، وفي تماثل طرق السحب، وحتى في البطاقة الوطنية المستخدمة لاستلام المبالغ، والتي تعود – وفق ما وثقته “بناصا” – لشخص سبق أن أعلن عن فقدانها قبل أشهر.

هكذا يتجلى أمامنا مشهد معقد، لا يبدو عفوياً ولا فردياً، بل أقرب إلى “مصنع للنصب الإلكتروني”، يُنتج الاحتيال بطريقة شبه صناعية، ويعيد تدويره عبر أرقام هواتف وهمية، وهويات مسروقة، وواجهة مالية لا تتغير، وسط غياب أي تحركات فعالة من قبل المصالح الأمنية المختصة، بالرغم من كثرة الشكايات في الموضوع.

موضوع الشبكة التي كانت “بناصا” سباقة إلى الكشف عن بعض تفاصيل نشاطها، في تقرير نشر أول أمس الإثنين، تطرقت فيه إلى أحدث عمليات هذه العصابة، بات يتخذ منحى أكبر مما كان يبدو عليه، وسط شكوك متزايدة بشأن أن يكون المشتبه فيه الرئيسي مُجرد شجرة تخفي غابة كبيرة من الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم الإلكترونية.

المشتبه فيه يطلب إرسال مبالغ مالية إما إلى “الشباك الإلكتروني” أو نحو وكالة “Cash Plus” حصرا

وحسب الوثائق التي تتوفر عليها “بناصا”، فإن الشبكة المفترضة، التي يستعمل الشخصية الرئيسية فيها، بطاقة هوية تحمل اسم “Rachid Errajai”، استهدفت مؤخرا، حساباً فيسبوكيا قديماً لمواطن مغربي يقطن ببلجيكا، يدعى عبد الحفيظ لحسيني، وقامت بطلب أموال من أصدقائه، بذريعة وجود صديق يحتاج إلى المال بشكل عاجل.

وكشف لحسيني في تصريح لجريدة “بناصا”، أنه تفاجأ بأن حساباً قديماً له على “فيسبوك”، لم يعد يستعمله منذ سنوات، قد تعرض للاختراق، وأن مُخترقه، يستعمل يدعي أنه هو، ويطلب إرسال مبالغ مالية إما في “الشباك الإلكتروني”، أو نحو وكالة “Cash Plus” إلى اسم “Rachid Errajai”، الذي يحمل بطاقة وطنية تبتدئ بأحرف “BH”.

وأكد لحسيني أنه قدم شكاية على موقع “إبلاغ”، الذي خصصته المديرية العامة للأمن الوطني، لتلقي الشكايات والتبليغات بخصوص مختلف أنواع الجرائم الإلكترونية، تضمنت كافة المعلومات المتعلقة بطبيعة الجريمة، وبالهوية المُفترضة للمعني، كما أن والده، الذي يقطن بمدينة بركان، وضع شكاية أخرى لدى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية.

وقال لحسيني في تصريحه لـ”بناصا”، إن المتورط في هذه الجرائم، لم يتوقف عند قرصنة حسابه بـ”فيسبوك”، وطلب مبالغ مالية من أصدقائه، بل حاول تثبيت الهوية الجديدة التي انتحلها، من خلال نشر صور شخصية على ميزة “سطوري” لإيهام أصدقائه بالحساب “الفيسبوكي”، بأنه الشخص الحقيقي، لتسهيل عملية الإيقاع بهم.

وقامت “بناصا”، بالبحث عن اسم “Rachid Errajai” باستعمال أدوات البحث المتاحة على الإنترنت، ليتبين أن مواطنين آخرين من عدة مدن، تعرضوا للنصب والاحتيال من قبل الشخص الذي يستعمل هذه الهوية، والتي اتضح لاحقا أنها لا تبتدئ بأحرف “BH” كما أرسل المشتبه فيه للضحايا، بل بـ”JA”.

بطاقة وطنية مفقودة تحول ضحية إلى متهم

وبعد مواصلة “بناصا”، البحث في الموضوع، تبين أن صاحب الاسم الذي تم ربطه مباشرة بأكبر عدد من عمليات الاحتيال المرصودة، ويتعلق الأمر برشيد الراجعي “Rachid Errajai”، هو نفسه ضحية في هذا الملف، وليس الجاني كما راج في المنصات الاجتماعية، وكما ورد في شكايات بعض المتضررين، وذلك حسب زعمه.

تم إيقاف رشيد الراجعي من قبل المصالح الأمنية بعدد من المدن، منها أكادير في مناسبتين، ومثلهما في كلميم، ومرة بكل من مكناس ومراكش، حيث قضى حوالي 15 يوما، متفرقة، رهن تدبير الحراسة النظرية

وقال الراجعي، الذي يقطن بمدينة كلميم، إن بطاقته الوطنية ضاعت منه أواخر سنة 2023، ولم يتمكن حينها من إشعار السلطات الأمنية بفقدانها لأسباب وصفها بـ”الخاصة”، قبل أن يتفاجأ بعد أشهر قليلة، بتوالي الشكايات ضده، واستدعائه أكثر من مرة لمخافر الشرطة والمحكمة، بسبب تورطه المزعوم في قضايا تتعلق بالنصب.

وأكد الراجعي في تصريحه لـ”بناصا”، أنه وجد نفسه وسط دوامة من الاتهامات الخطيرة، بعدما تم استخدام اسمه لتلقي حوالات مالية، أرسلها ضحايا عمليات النصب والاحتيال، مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص عمدوا إلى استغلال بطاقة تعريفه الوطنية، في عمليات نصب ممنهجة، منتحلين هويته.

شكاية ضد شخص مجهول ينتحل هوية الغير

وأضاف أنه قام في شهر يونيو من سنة 2024، بوضع شكاية في الموضوع، ضد شخص مجهول يقوم بالنصب والاحتيال على الناس، بمواقع التواصل الاجتماعي، عبر إرسال صورة بطاقته الوطنية المفقودة، للضحايا، من أجل تلقي الأموال، غير أن المصالح المختصة، لم تتمكن من حلّ الملف إلى غاية الآن.

وأوضح الراجعي بأنه تعرّض بعد ذلك لحملة تشهير واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تداول العديد من المستخدمين من ضحايا هذه العمليات الاحتيالية، صوره واسمه مرفقين بالسب والشتم والقذف، ما أثر على حياته الخاصة، وأضر بنفسيته التي قال إنها لم تعد تتحمل المزيد.

توقيفات متكررة بسببات شكايات النصب والاحتيال

وإثر الشكايات العديدة ضده بسبب الجرائم الإلكترونية التي يؤكد أن لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، تم إيقاف رشيد الراجعي من قبل المصالح الأمنية بعدد من المدن، منها أكادير في مناسبتين، ومثلهما في كلميم، ومرة بكل من مكناس ومراكش، حيث قضى حوالي 15 يوما، متفرقة، رهن تدبير الحراسة النظرية.

عاد الراجعي لوضع شكاية ثانية، بسبب غياب أي تحرك من قبل المصالح القضائية والأمنية المختصة رغم مرور حوالي سنة على الشكاية الأولى

وفي شهر شتنبر من سنة 2024، وخلال توقيفه بكلميم بسبب الشكايات المذكورة، طلب قاضي التحقيق من الراجعي، إحضار نسخة من مآل الشكاية التي تقدم بها لدى المحكمة الابتدائية بكلميم، كحجة على وجود شخص آخر ينتحل هويته مستعملاً بطاقة التعريف الوطنية التي فقدها، وذلك من أجل إطلاق سراحه، وهو ما تم.

وبسبب استمرار المشتبه فيه الذي يرجح أنه ينتمي لشبكة تضم أعضاء آخرين، في استغلال بطاقة الهوية الوطنية القديمة، علماً أن المعني حصل على بطاقة هوية جديدة، وغياب أي تحرك من قبل المصالح القضائية والأمنية المختصة، رغم مرور حوالي سنة على الشكاية، عاد الراجعي لوضع شكاية ثانية.

تلجأ الشبكة لشراء أرقام هواتف مغربية بشكل عشوائي، ثم تجربتها على تطبيقات التواصل للتأكد مما إن كانت مرتبطة بحسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي

حسابات “فيسبوكية” تحتال على المواطنين دون عقاب

وفي الشكاية الجديدة التي تقدم بها شهر ماي الماضي، قال الراجعي إن شخصا يملك حسابا على “فيسبوك”، تحت اسم “Dawita Idawin”، يقوم بالصنب والاحتيال على الناس، مستغلاً بطاقة تعريفه الوطنية القديمىة التي ضاعت منه كما سبقت الإشارة، مؤكداً أن هذه الأفعال، تسببت له في أضرار نفسية ومعنوية.

واستغرب الراجعي من استمرار توقيفه إثر الشكايات التي يتقدم بها المواطنون، بالرغم من أن المصالح الأمنية بإمكانها التأكد من هوية الشخص الذي يستعمل هويته، عن طريق التواصل مع “كاش بلوس” وتحديد الوكالات التي سحبت منها بعض الحاولات التي توصل بها، ثم مراجعة كاميرا الوكالة.

شبكة إجرامية تستعمل عدة أساليب في عملياتها

ومن ضمن الأساليب التي تستعملها الشبكة، وفق المعطيات التي توصلت بها “بناصا”، هي شراء أرقام هواتف مغربية بشكل عشوائي، ثم تجربتها على تطبيقات التواصل للتأكد مما إن كانت مرتبطة بحسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حال النجاح، يتم الولوج إلى الحساب الشخصي المرتبط بالرقم، والشروع في التواصل مع لائحة أصدقاء الحساب، منتحلين هوية صاحبه، لطلب مبالغ مالية صغيرة عاجلة تحت ذريعة ظرف طارئ.

المشتبه فيه الرئيسي، يتلقى الأموال إما عن طريق تحويلات نحو شبابيك إلكترونية، أو عبر وكالة “كاش بلوس” دون غيرها

وتقوم الشبكة الإجرامية أيضا، التي تنشط عبر عدة حسابات على “فيسبوك” من ضمنها “عمران فاطمة”، و”Dawita Idawin”، بعرض منتجات للبيع على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل استدراج الضحايا، قبل أن تطلب إرسال مبالغ مالية، جزء كبير منها، إلى البطاقة الوطنية المفقودة لرشيد الراجعي، ليقوم أعضاؤها بحظر الضحايا مباشرة.

شكوك تحوم حول “كاش بلوس”.. وتكرار مراكش يحدد موقع المشتبه فيه

وحسب الوثائق التي توصلت “بناصا” بنسخ منها، فإن اللافت في الموضوع، هو أن المشتبه فيه الرئيسي، يتلقى الأموال إما عن طريق تحويلات نحو شبابيك إلكترونية، أو عبر وكالة “كاش بلوس” دون غيرها، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول فرضية وجود أعضاء آخرين ينشطون ضمن الشبكة.

ومن ضمن الأمور اللافتة أيضا في الملف، هو تكرار ورود اسم مراكش، التي يرجح أنها المدينة التي تنشط فيها هذه الشبكة المزعومة، إذ إن المتورط في تنفيذ هذه العمليات، والذي استهدف مؤخراً حسابا “فيسبوكيا” يعود لمواطن مغربي يقطن ببلجيكاً، يدعى عبد الحفيظ لحسيني، يطلب إرسال الحاولة نحو “المدينة الحمراء”.

المشتبه فيه الرئيسي في الملف يأخذ الأموال من وكالة أو وكالات “كاش بلوس” بمدينة مراكش

المدينة نفسها، ظهرت في إحداثيات الموقع الجغرافي لمحاولة الدخول إلى “فيسبوك”، بعدما حاول المعني اختراق الحساب الرئيسي للمواطن المغربي. كما أن المشتبه فيه الرئيسي، الذي يستعمل حاليا عدة حسابات “فيسبوكية” من ضمنها حساب للشخص المذكور، أخبر ضحاياه بأن له صديقاً يقطن بمراكش يحتاج لأموال طارئة.

وفي متابعة منها للموضوع، ربطت جريدة “بناصا” الاتصال بمصالح شركة “كاش بلوس”، من أجل الاستفسار عن المدينة التي سُحبت منها حوالة مالية أرسلها أحد الضحايا إلى المعني، حيث تبين أن المشتبه فيه الرئيسي في الملف، يأخذ الأموال من مراكش، وهي المدينة التي تكرّرت أكثر من مرة في الوثائق التي توصلت بها “بناصا”.

مصادر ترجح وجود عدة مُتورطين

ورجح خبير في الجرائم الإلكترونية، فرضية وجود عدة أشخاص بالشبكة، بما في ذلك شخص أو أكثر ممن يشتغلون في وكالة “كاش بلوس”، خصوصا أن المشتبه فيه الرئيسي يركز على إرسال التحويلات المالية بالشركة المذكورة تحديداً ودون غيرها، ما يرجح إمكانية وجود تواطؤ، أو أن المتورط الرئيسي نفسه؛ موظف بالشركة.

المشتبه فيه الرئيسي، الذي يستعمل البطاقة الوطنية القديمة للراجعي، أرسل بطاقتي تعريف على الأقل، تخص شخصين مختلفين من أجل تلقي الأموال فيهما

وأوضح الخبير نفسه، أن الوثائق المتوفرة تؤكد “تطور الجريمة الإلكترونية في المغرب نحو نمط شبه احترافي، يقوم على قرصنة الحسابات، واختراق الثقة الرقمية، ثم توجيه الضحايا نحو قنوات مالية محددة بعناية. الاقتصار على وكالة تحويل واحدة، وبمدينة واحدة، يكشف وجود نقطة مركزية لإعادة توزيع الأموال داخل الشبكة”.

واسترسل: “كما أن استعمال بطاقة هوية مفقودة أو صور لبطاقات أخرى، يُعدّ مؤشراً على استغلال ثغرات في أنظمة التحقق بالوكالات المالية، أو تواطؤ محتمل مع بعض الموظفين”، مردفاً أن “هذا النوع من الشبكات غالباً ما يعتمد على تكرار نفس السيناريو الإجرامي، والانتقال السريع من رقم لآخر ومن حساب لآخر، لتفادي التتبع”.

ونبه في هذا السياق، إلى أن تتبع مسار الأموال لتحديد المشتبه فيهم، “يبدأ من النقطة الأضعف: وكالة التحويل نفسها”، مشدداً على ضرورة تحرك السلطات الأمنية بشكل عاجل من أجل “تجفيف هذه البنية الاحتيالية التي تستغل غياب التكامل بين المنصات الرقمية ومؤسسات التحقق المالي”.

ليس الراجعي وحده.. المتورط يستعمل عدة بطاقات تعريف

والأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، إذ إن المشتبه فيه الرئيسي، الذي يستعمل البطاقة الوطنية القديمة للراجعي، أرسل بطاقتي تعريف على الأقل، تخص شخصين مختلفين من أجل تلقي الأموال فيهما، الأول يدعى محمد ايت سي لحسن من الدار البيضاء، والثاني يدعي السهلي خليفي، من مدين جرادة.

وتعزّز هذه المعطيات، فرضية وجود شبكة متخصصة في النصب والاحتيال الإلكتروني، وتستعمل عدة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن تركيز المشتبه فيه على شركة “كاش بلوس” لتلقي الأموال، واستمراره في عملياته دون أي توقف، رغم كثرة الشكايات، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول هوية المتورطين وصفاتهم.

Share
  • Link copied
المقال التالي