عملت السلطات العمومية على اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والتنظيمية للحد من أثار الطوارئ الصحية على النفقات العمومية، ومنها منشور رئيس الحكومة رقم 2020/05 بتاريخ 14 أبريل 2020 المتعلق بالتدبير الأمثل للالتزام بنفقات الدولة والمؤسسات العمومية، وعلى المستوى الترابي نجد دورية وزير الداخلية بتاريخ 1 أبريل 2020 حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020 والتي على إثرها تم تحديد النفقات الإجبارية والضرورية في هاته المرحلة التي تمر بها بلادنا والتي ما زالت تعرف انتشار فيروس كوفيد 19، ولمواكبة إعداد وتنفيذ النفقات العمومية، أصدر وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 2 أبريل 2020، قرار يرتبط بتبسط بعض المساطر المرتبطة بنفقات الدولة والجماعات الترابية.
وهاته التدابير المعلن عنها كان الغرض منها التدبير الأمثل للنفقات العمومية وضمان استمرارية المرافق العمومية، وضمان حرية الولوج إلى الطلبيات العمومية والمساواة بين المتنافسين، خاصة وأن مبدأ المنافسة في الصفقات العمومية هو مبدأ دستوري منصوص عليه في الفصل 36 والذي من بين ما ينص عليه هو أن ” القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي”.
وعلى وجه التخصيص نص المشرع في الفقرة الثانية من نفس الفصل، “على السلطات العمومية الوقاية طبقا للقانون، من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، وباستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وبإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات”، وفي إطار مرسوم الصفقات العمومية، تم التنصيص الصريح على هذا المبدأ لأهميته، ضمن المبادئ التي يخضع لها إبرام الصفقات العمومية وهي ضمانة مهمة لحقوق المتنافسين.
وفي الحقيقة أنه لا يمكن ضمان مبدأ المنافسة في معزل عن حماية وضمان باقي المبادئ الأخرى، فلا يمكن الحديث عن مبدأ المنافسة دون الحديث عن حرية الولوج إلى الطلبيات العمومية، ودون تحقيق الشفافية في اختيارات صاحب المشروع، وكذلك دون خضوع الصفقات العمومية لقواعد الحكامة.
من هذا المنطلق نتساءل عن الحدود والقيود الواردة على مبدأ المنافسة في حالة الطوارئ الصحية؟
وهاته الحدود أو القيود يمكن التطرق إليها من خلال محورين الأول يتعلق بإمكانية التعاقد بدون إعلان مسبق وبدون إجراء منافسة، والثاني يتعلق بأن الاعتماد على رقمنة الصفقات العمومية وبالأخص الإيداع الإلكتروني لملفات المتنافسين قيد وارد على مبدأ المنافسة.
أولا: إمكانية التعاقد بدون إجراء منافسة
بالرجوع إلى مرسوم الصفقات العمومية نجده ينص على إمكانية اللجوء إلى الصفقات التفاوضية وإلى سندات الطلب خاصة في حالة الطوارئ وفي حالة الاستعجال دون إعلان مسبق وبدون إجراء منافسة.
- اللجوء إلى الصفقات التفاوضية
من بين الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى الصفقات التفاوضية حسب المادة 86 من المرسوم السالف الذكر “الأعمال التي يجب إنجازها في حالة الاستعجال القصوى الناجمة عن ظروف غير متوقعة بالنسبة لصاحب المشروع وغير ناتجة عن عمل منه والتي لا تتلاءم مع الآجال التي يستلزمها إشهار وإجراء منافسة مسبقين.
ويكون موضوع هذه الأعمال على الخصوص مواجهة خصاص أو حدث فاجع مثل زلزال أو فيضانات أو مد بحري أو جفاف أو وباء أو جائحة …”.
وهنا نلاحظ في مثل هاته الحالات استحالة إجراء منافسة إن لم نقل انعدامها باعتبار أن المسطرة التفاوضية يمكن أن تقتصر على استشارة متنافس واحد فقط، ما يطرح مجموعة من الأسئلة عن كيفية اختيار المتنافس، وعن الشفافية في الاختيار، وهل هناك حالة تعارض المصالح أم لا، بالإضافة إلى الزبونية والمحسوبية في نيل هكذا صفقات.
ثم هناك إشكال آخر، هل كل النفقات المدرجة ضمن اللائحة المعدة من طرف الآمر بالصرف والمؤشر عليها من طرف الوالي أو العامل حسب الأحوال، هل كلها تدخل في نطاق الاستعجال والضرورة ومن ثم إمكانية إخضاعها للصفقات التفاوضية أم لا.
في حين أنه لم يتم إعداد لائحة تتعلق بنفقات الدولة ليومنا هذا نظرا لإمكانية اللجوء إلى قانون مالية تعديلي في الأسابيع القادمة، وعلى إثره يمكن إعادة النظر في الفرضيات المرتبطة بإعداد وتنفيذ النفقات العمومية.
- ثانيا: سندات الطلب
يلاحظ أن أغلب الجماعات الترابية إن لم نقل جلها تعتمد بشكل أساسي على سندات الطلب لتنفيذ النفقات العمومية، سواء تلك المتعلقة بالتسيير أو التجهيز، وما يمكن قوله هنا هو أن سندات الطلب طريق استنائي من طرق إبرام الصفقات العمومية، واللجوء إليها في حد ذاته يضرب في الصميم مبدأ المنافسة ويخل بمبدأ المساواة بين المتنافسين وتكافؤ الفرص بينهم، والحد من حرية الولوج إلى الطلبيات العمومية.
فحسب المادة 88 من مرسوم الصفقات العمومية فإن أهم شروط تطبيق سندات الطلب تتمثل في:
- أن لا يتجاوز مبلغها 200000.00 أو 500000.00 درهم حسب الأحوال مع احتساب الرسوم
- يجب تحديد مواصفات ومحتوى الأعمال وأجل التنفيذ، وتاريخ التسليم
- كل الأعمال موضوع سندات الطلب يجب أن تخضع للمنافسة المسبقة ما عدا في الحالات التي يستحيل فيها اللجوء إلى المنافسة أو كانت غير متلائمة مع العمل. ففي الحالة الأولى يستشير صاحب المشروع كتابة ثلاثة متنافسين على الأقل وأن يقدم ثلاثة بيانات مختلفة.
أما في الحالة الثانية التي يستحيل اللجوء فيها إلى المنافسة يستشير متنافس واحد مع تقديم مذكرة تبرر هذه الاستحالة وهو ما يطرح مجموعة من الملاحظات التي تؤثر على مبدأ المنافسة والتي يمكن إجمالها على الشكل التالي:
- غياب لجنة يعهد إليها بعملية الانتقاء واختيار المتنافس
- لا يتم احترام الشروط والشكليات المطلوبة، والتي من شأنها ضمان حد أدنى من المنافسة، وكذلك ضمان حصول الجودة والتكلفة المناسبة.
- يتم في الغالب تكليف نفس المقاول بتقديم البيانات وفي ظاهرها صادرة عن متنافسين آخرين.
- الاقتصار على فئة محددة من الموردين والمقاولين والخدماتيين، وهو ما يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص ولا المنافسة المنشودة
- تشطير النفقات العمومية على مراحل من أجل تفادي اللجوء إلى طلب العروض والذي يضمن التنافس والمساواة بين المشاركين.
ثانيا: رقمنة الصفقات العمومية قيد وارد على مبدأ المنافسة.
في إطار الإجراءات الرقمية المواكبة لحالة الطوارئ الصحية، تم تبسيط مجموعة من المساطر المتعلقة بإعداد وتنفيذ نفقات الدولة والجماعة الترابية استنادا إلى قرار وزير الاقتصاد والمالية الصادر في 2 أبريل 2020 المشار إليه أعلاه، وما يهمنا هو تلك الإجراءات المرتبطة بإعداد الصفقات ومنها: إمكانية الإيداع الإلكتروني لملفات وعروض المتنافسين، والسماح للأشخاص الذين لا يتوفرون على شهادة التصديق الإلكترونية من الصنف الثالث التي تسلم من طرف بريد المغرب بإمكانية إرسال ملفاتهم دون توقيعها إلكترونيا، فقط يجب توقيعها على حامل ورقي ونسخها وتحميلها إلكترونيا.
وهذا الإجراء يهدف إلى ضمان الولوج إلى الطلبيات العمومية والمساواة بين المتنافسين وضمان حقوقهم، في ظل صعوبة التنقل بين المدن. وهكذا فحالة الطوارئ الصحية خلقت صعوبة فيما يتعلق بإيداع أظرفه المتنافسين مقابل وصل في مكتب صاحب المشروع، أو إرسالها بواسطة البريد المضمون، لتبقى الطريقة المثلى والأسهل هي الإيداع الإلكتروني.
غير أن الإيداع الإلكتروني، أثار مجموعة من الإشكالات التي تؤثر على مبدأ المنافسة، خاصة وأن أغلب المتنافسين ليست لهم دراية كافية بكيفية الإيداع الإلكتروني بطريقة صحيحة، مما قد يؤدي إلى إقصائهم من المنافسة.
فمن الملاحظات التي يثيرها موضوع الإيداع الإلكتروني، هو قيام المتنافسين بإرسال ملفاتهم الإلكترونية على شكل الملفات التي تكون على حامل ورقي استنادا إلى المادة 29 من مرسوم الصفقات العمومية، في حين أن الإيداع الإلكتروني يخضع كذلك إلى قرار وزير الاقتصاد والمالية المتعلق بتجريد مساطر إبرام الصفقات العمومية من الصفة المادية.
فعلى الراغبين في المنافسة أو المشاركة بطريقة إلكترونية الأخذ بعين الاعتبار الشروط المنصوص عليها في المادة الثامنة والتي تنص على أنه” تجمع الوثائق التي يحتوي عليها كل غلاف من الأغلفة المنصوص عليها في المادة 29 من المرسوم رقم 2.12.349 المشار إليه أعلاه في ملف إلكتروني طبقا لشروط استعمال بوابة الصفقات العمومية.
يوقع إلكترونيا على الوثائق المبنية أعلاه كل واحدة على حدة من طرف المتنافس أو من يؤهله لتمثيله قبل إدراجها في الملف الإلكتروني”.
كما أن على الإدارة الالتزام بالضوابط القانونية والتنظيمية المتعلقة بمبدأ المنافسة، ضمانا لمساواة الجميع أمام القانون، وحماية للمال العام وحقوق المتنافسين ودرءا لكل نزاع قد ينشأ عن هاته الاختلالات.
دكتور في القانون العام والعلوم السياسيةإطار بوزارة الاقتصاد والمالية
شكرا لك أستاذي على هذه الدراسة والتقييم الناجح
شكرا سي أشرف على هذا المقال القيم الذي تفضلت بنشره ثم تقاسمت محتواه بوسائل التواصل ليطلع عليه من يهتم بالموضوع. فالمقال يتعرض للإخبار بالمستجدات القانونية والتنظيمية فيما يتعلق بحالة الطوارىء وهذا أمر مفيد لمن يتواجد خارج إدارة المالية، ثم طرح إشكالية كيفية التوازن بين تبسيط الإجراءات والتحقق من تطبيق مبدأي المنافسة وحق الولوج للطلبيات العمومية.
مقال في المستوى.موفق بإذن الله