تشهد منطقة الساحل تطورات متسارعة وضعت موريتانيا في قلب معادلة أمنية معقدة، وذلك بعد إعلان مجموعة “فاغنر” الروسية، يوم الجمعة 6 يونيو 2025، انسحابها المفاجئ من مالي، وما صاحبه من تصاعد ملحوظ في تحركات جبهة البوليساريو قرب الحدود الشمالية لموريتانيا.
ويُنذر هذا الانسحاب، الذي وصفته “فاغنر” بأنه جاء بعد “إنجاز المهمة”، بإعادة رسم خارطة التوازنات الأمنية في منطقة تعاني هشاشة مزمنة، ويضع نواكشوط أمام تحديات ملحة لإعادة ضبط بوصلتها الدفاعية.
ورغم أن موسكو سارعت إلى طمأنة شركائها في المنطقة عبر الحديث عن “فيلق إفريقيا” – قوة شبه عسكرية جديدة تتبع رسميًا لوزارة الدفاع الروسية – فإن غياب “فاغنر” عن المشهد المالي يترك فجوة حقيقية في منطقة الوسط والشمال، حيث لا تزال الجماعات المتطرفة تنشط، وتستفيد من ضعف بنية الدولة المالية، ما يرفع منسوب التهديدات العابرة للحدود، خصوصًا على الشريط الحدودي الشرقي لموريتانيا.
أما على الجبهة الشمالية، فإن معطيات ميدانية تشير إلى تصاعد تحركات جبهة البوليساريو في مناطق قريبة من الحدود الموريتانية، في ظل توتر إقليمي متجدد مرتبط بملف الصحراء المغربية.
وتضع هذه الدينامية الجديدة القيادة الموريتانية أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا، تستدعي تعزيز اليقظة الاستخباراتية وتكثيف الجهود الدبلوماسية والأمنية.
وفي هذا السياق، يبدو أن موريتانيا مطالبة بإعادة قراءة توازناتها الإقليمية بدقة. فرغم تمسكها بسياسة الحياد في ملف الصحراء المغربية، فإن معطيات الواقع تفرض تعميق التنسيق الأمني مع المملكة المغربية، التي أثبتت خلال العقود الماضية أنها شريك موثوق في حماية الاستقرار الإقليمي.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن لموريتانيا التخلي عن التنسيق مع مالي، التي تبقى بوابتها الجنوبية وجزءًا لا يتجزأ من عمقها الأمني.
ويرى مراقبون أن نواكشوط تجد نفسها اليوم أمام لحظة اختبار حقيقية: هل تنجح في الحفاظ على حيادها التقليدي دون الوقوع في فخ الاصطفافات، أم تضطر لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا مع تسارع وتيرة التحولات في المنطقة؟
والرهان في النهاية، بحسب ما نشره موقع “أنباء انفو“، هو على قدرة موريتانيا على التوفيق بين الحذر الدبلوماسي والانخراط العملي في شراكات أمنية فعالة، سواء مع الجوار المغاربي أو العمق الإفريقي، لتظل واحة الاستقرار في منطقة تتغير معالمها الأمنية على نحو غير مسبوق.
تعليقات الزوار ( 0 )