في عالم عربي يزداد فيه منسوب التصعيد والرهانات الخاسرة، يبرز المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، كاستثناء دبلوماسي قائم على التوازن، والانفتاح، والبراغماتية الهادئة.
وفي مقال نشرته الصحافة الفرنسية بعنوان: “محمد السادس أو شجاعة الدبلوماسية المعتدلة”، سلط الخبير الجيوسياسي الفرنسي والمتخصص في العلاقات الدولية، فريدريك إنسيل الضوء على الدبلوماسية المغربية مشيدًا بما اعتبره نموذجًا نادرًا في فن إدارة النفوذ بهدوء وثبات في منطقة مضطربة.
ويصف إنسل دبلوماسية الرباط بأنها بعيدة عن “الرعونة السياسية” التي تميّز عدداً من قادة المنطقة، سواء في المشرق العربي أو إيران، حيث تغلب الخطابات النارية على الإنجازات الواقعية.
وفي المقابل، اعتمد المغرب بقيادة محمد السادس على مبدأ التراكم الهادئ للثقة الدولية، مستندًا إلى شبكة علاقات ممتدة مع أوروبا، إفريقيا، والولايات المتحدة، دون أن يُفرّط في استقلالية قراره السيادي.
فمن الملف الليبي إلى القضية الفلسطينية، ومن العلاقات مع تل أبيب إلى الانفتاح على إفريقيا جنوب الصحراء، حافظت الرباط على خيط رفيع بين المبادئ والمصالح، وبين الدعم الثابت للقضايا العادلة وعدم الانخراط في محور أو لعبة إقليمية ذات طابع عدائي.
ورغم ما قد يبدو من صمت أو تحفظ مغربي في بعض القضايا الساخنة، إلا أن إنسل يرى في هذا التوجه خيارًا استراتيجيًا أكثر منه تراجعًا.
فقد استطاع المغرب، وفق التحليل، أن يوازن بين قربه التاريخي من فرنسا وإسبانيا، وتحالفه المتنامي مع واشنطن، دون أن يغلق الأبواب أمام علاقات متزنة مع روسيا أو الصين.
وبينما كانت بعض الدول العربية تغرق في استقطابات حادة، حافظت الرباط على استقلاليتها، ونجحت في تجنيب نفسها تبعات “أحلاف اللحظة”، ما منحها هامش مناورة أوسع وقدرة أكبر على فرض مصالحها بهدوء.
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإنه لا يمكن الحديث عن دبلوماسية محمد السادس دون الإشارة إلى ثلاث أولويات بارزة في أجندته الخارجية: قضية الصحراء المغربية، ملف القدس، والانفتاح على إفريقيا.
وفي قضية الصحراء، تمكن المغرب من انتزاع اعترافات دولية متزايدة بسيادته على الأقاليم الجنوبية، دون الدخول في مواجهات عسكرية أو تصعيد إعلامي، بل عبر العمل المؤسساتي والضغط الدبلوماسي الصامت.
وفي ملف القدس، ورغم إعادة العلاقات مع إسرائيل، ظل الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، حريصًا على الحفاظ على الموقف التاريخي المغربي الداعم للقضية الفلسطينية، في توازن نادر يصعب تحقيقه إقليميًا.
أما على الساحة الإفريقية، فقد تحوّل المغرب إلى لاعب اقتصادي وسياسي مؤثر، من خلال استثمارات استراتيجية واتفاقيات تعاون تعزز حضوره جنوب الصحراء، وتفتح له نوافذ جديدة على الساحة الدولية.
ويختم فريدريك إنسل تحليله بالإشارة إلى أن “الملك محمد السادس يمثل أحد آخر صناع القرار في العالم العربي الذين يفضلون الفعل على القول، والنفوذ على الاستعراض، والمردودية السياسية على الشعارات”.
وأشار الخبير الجيوسياسي الفرنسي والمتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن العاهل المغربي نموذج دبلوماسي لا يُحدث ضجيجًا، لكنه يراكم نتائج، ويُظهر أن الاعتدال حين يكون واعيًا، قد يكون أكثر تأثيرًا من أقوى الصيحات.
تعليقات الزوار ( 0 )