شارك المقال
  • تم النسخ

بين حالة الطوارئ الصحية وحالتي الاستثناء والحصار

إن أغلب دساتير الدول تمنح رئيس الدولة سلطات واسعة تمكنها من مواجهة بعض الأحداث غير العادية التي تهدد أمن واستقرار الدولة وسلامة أراضيها، وتؤدي إلى اختلال وتعطيل السير العادي للمؤسسات الدستورية، من حياة عادية إلى حياة استثنائية، أو ظهور بعض الاضطرابات الاجتماعية  أو السياسية أو الاقتصادية، أو أعمال مسلحة عنيفة تسعى إلى تغيير نظام الحكم بالقوة من خلال القيام بالتظاهر والعصيان، أو وقوع بعض الكوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات أو انتشار أوبئة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع وقد اختلفت دساتير الدول في تقدير تسميات تلك الوضعيات الاستثنائية، بين حالة الاستثناء وحالة الحصار وحالة الطوارئ.

بالعودة إلى دستور المملكة لسنة 2011، نلاحظ أنه تحدث عن حالتين تستأثر فيهما المؤسسة الملكية بصلاحيات استثنائية لممارسة السلطة في الظروف التي تخل بالسير العادي للمؤسسات السياسية، أو تهدد حوزة التراب الوطني، تستدعي تدخلها إما بناء على الفصل 59 لتأمين سير تلك المؤسسات واتخاذ الإجراءات الضرورية التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي لهذه المؤسسات وإما بناء على الفصل 74 الذي يعلن من خلاله على حالة الحصار إذا وقعت بعض الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية أو وقوع بعض الكوارث الطبيعية أو انتشار أوبئة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع.

في ظل الوضعية الاستثنائية التي تعرفها بلادنا إلى جانب غالبية دول العالم، نتيجة انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19” بسرعة فائقة وتخطيه حدود الأمم، وما خلفه من تداعيات خطيرة على صحة وسلامة البشرية، عجزت معه التجارب والبحوث العلمية لحدود الساعة عن إيجاد دواء مضاد من شأنه أن يوقف نزيف الأرواح، ناهيك عن تكاليفه الاقتصادية والمالية، حيث شلت الحركة الاقتصادية العالمية عبر اتخاذ الدول مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية لمحاصرة انتشار الوباء، كان المغرب من بينها حيث اتخذت السلطات الحكومية في إطار تنفيذ التعليمات الملكية، مجموعة من التدابير في خطوة استباقية عبر إغلاق حدوده البحرية والجوية والبرية تجاه حركة النقل، ثم إعلان حالة الطوارئ الصحية التي أثارت نقاشا فقهيا حول سندها القانوني، هذا النقاش الذي ستجيب عليه السلطة التنفيذية استنادا على الفصل 81 من الدستور، من خلال مصادقتها في مجلس الحكومة بتاريخ 22 مارس 2020 على مرسوم قانون يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حددت من خلاله تاريخ سريانها، ومجال تطبيقها إذ يمكن أن تشمل بعض المناطق، كما يمكن أن تشمل التراب الوطني ككل حسب سلطتها التقديرية كلما رأت تهديدا خطيرا ومباشرا لحياة الأشخاص وسلامتهم جراء انتشار أوبئة معدية، يستلزم تدخلها لاتخاذ تدابير استعجالية لحماية المواطنين والتصدي لانتشارها، كما حددت التدابير الممكن اتخاذها المواكبة، لتنزيل حالة الطوارئ على أرض الواقع وتطبيق جزاءات جنائية على المخالفين لأحكامها.

يمكن القول من خلال استقراء بنود مرسوم القانون رقم 2.20.292 على أن حالة الطوارئ الصحية هو إجراء استثنائي اتخذته السلطة الحكومية في ظل الظروف التي تشكل تهديدا حقيقيا لصحة وسلامة المواطنين، جراء انتشار أمراض وأوبئة خطيرة، مما يفرض اتخاذ تدابير تنظيمية لمواجهة هذا التهديد بصفة استثنائية وتجاوز تداعياته، وبذلك فإن إعلان حالة الطوارئ أصبحت تستند إلى مشروعية قانونية، عن طريق لجوء الحكومة إلى تطبيق مقتضيات الفصل 81 من الدستور، باستصدار مرسوم قانون، ومن تم لم ترق إلى حالتي الاستثناء أو الحصار، على أساس أن الحالتين يستندان إلى الفصلين 59 و74 من الدستور، ويختلفان من حيث الأسباب الموجبة لهما، أو من حيث السند الدستوري، أو من حيث السلطة التي تمتلك حق إعلانهما أو من حيث الشروط التي تستلزم ذلك. وعليه، سنحاول الوقوف على الحالتين لتمييز أوجه التشابه والاختلاف بينهما.

أولا: حالة الاستثناء

يعرف الأستاذ مصطفى قلوش حالة الاستثناء بأنها: “تلك الحالة التي يتناول فيها الملك اختصاصات واسعة لا يشترط فيها التطابق مع مبدأ المشروعية، وهي اختصاصات فوق العادة كلما رأى بناء على سلطته التقديرية تهديدا لحوزة التراب الوطني”[1]. كما عرفها الأستاذ عبد اللطيف بكور بأنها “وسيلة يحافظ بها رئيس الدولة على توازن المؤسسات الدستورية والسياسية، ويضمن بواسطتها الاستقرار الحكومي عبر انسجام المشاريع وفعالية التسيير، فهي تقنية يضبط بها رئيس الدولة الأوضاع السياسية ويحافظ من خلالها على سير المؤسسات السياسية والدستورية”[2].

تجدر الاشارة إلى أن التاريخ السياسي المغربي عرف إعلان حالة الاستثناء مرة واحدة بواسطة مرسوم ملكي[3] سنة 1965 استنادا على الفصل 35 من دستور 1962 وامتدت هذه الحالة إلى سنة 1970، مارس من خلالها الملك الراحل الحسن الثاني جميع السلط المتعلقة بتدبير الشأن الداخلي والخارجي. وتتعدد الأسباب التي يمكن استقراؤها وراء إعلان حالة الاستثناء في تلك الفترة، في توثر العلاقة بين نظام الحكم والمعارضة، وفي تداعيات الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية التي شهدها المغرب إبان فترة الستينات.

وعليه يمكن القول على أن حالة الاستثناء تعتبر قيدا يرد على مبدأ سمو الدستور، يستأثر فيها رئيس الدولة بسلطات مشروعة، وشاملة لكل المجالات على أساس أن الدستور نفسه يخول له حق اتخاذ كل التدابير الكفيلة بمواجهة كل خطر أو تهديد لأمن الدولة الداخلي والخارجي وحدودها واستقرارها السياسي. 

 إلا أن إعلان هذه الحالة بالمغرب تبعا للوثيقة الدستورية الجديدة، يتطلب احترام بعض الشروط الموضوعية والشكلية المنصوص عليها في الفصل59.

1: الشروط الموضوعية

لإعلان حالة الاستثناء بالمغرب، اشترط الفصل 59 من دستور2011 ضرورة تقيد المؤسسة الملكية ببعض الشروط الموضوعية التي تتجلى فيما يلي:

أولا: وجود تهديد حقيقي لحوزة التراب الوطني والشعور بالخطر، مثل التهديد بغزو خارجي للبلاد، أو وقوع بعض الأحداث الداخلية التي تهدد الاستقرار والأمن مثل الاضطرابات والاحتجاجات غير المتحكم بها…

ثانيا: وقوع بعض الأحداث التي من شأنها عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية.

والملاحظ أن الدستور المغربي لم يحدد حدود هذه الشروط وجسامتها، وإنما تركها للسلطة التقديرية للمؤسسة الملكية، وبذلك تتجاوز مبدأ السمو الدستوري، إذ أنه لم يحدد طبيعة ولائحة الأحداث التي تهدد حوزة التراب الوطني أو تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، بل جاءت بصيغة العمومية، مما يفسح المجال للمؤسسة الملكية بتقدير تلك الأحداث وتحديد حجم جسامتها الموجبة لإعلان حالة الاستثناء حسب سلطتها التقديرية.

2: الشروط الشكلية

رغم استيفاء الشروط الموضوعية الموجبة لإعلان حالة الاستثناء، فإن دستور2011 قيد مبادرة إعلانها من قبل المؤسسة الملكية ببعض الشروط الشكلية:

أولا: لا يمكن إعلان حالة الاستثناء إلا بمقتضى ظهير شريف، وبعد استشارة كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستوريةباعتبار الظهير الملكي آلية يمارس بها الملك صلاحياته الدستورية.

 السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هل استشارة تلك المؤسسات تشكل نوعا من الرقابة على سلطات رئيس الدولة أثناء إعلان حالة الاستثناء؟

ثانيا: لابد لإعلان حالة الاستثناء من توجيه الملك خطابا إلى الأمة يعبر فيه عن أسباب إعلان هذه الحالة.  

الأمر يخول له تجميع كل السلط بيده وصلاحية اتخاذه الإجراءات والتدابير الضرورية التي يفرضها الدفاع عن حوزة التراب الوطني، ويقتضيها الرجوع إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.

ورغم ممارسة السلطات الاستثنائية في هذه الحالة من قبل المؤسسة الملكية، فإن ذلك لا يؤدي إلى حل البرلمان الذي يظل يشتغل بصفة قانونية، ولا يمكن المساس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية التي يكفلها دستور المملكة في الفصل 59 منه، التي تظل مضمونة، لتظل بذلك مؤسسة البرلمان السلطة الوحيدة ذات الاختصاص في ممارسة الوظيفة التشريعية خلال هذه الفترة بعكس ما كان معمولا به في الدساتير السابقة.

كما أشار نفس الفصل إلى أن حالة الاستثناء ترفع بمجرد انتفاء الأسباب التي تؤدي إليها واتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها، حسب السلطة التقديرية للمؤسسة الملكية التي أعلنتها، ومن هنا يمكن القول بأن تقدير ظروف إعلان هذه الحالة وتقدير ظروف انتفاءها تدخل في المجال الخاص للمؤسسة الملكية رغم تقييدها شكليا ببعض الشروط التي لا تؤثر على سلطة المؤسسة الملكية في ذلك.

ثانيا: إعلان حالة الحصار

يقتضي اللجوء إلى إعلان حالة الحصار وقوع بعض الاضطرابات الاجتماعية أو السياسية، أو ظهور حالات إرهابية أو تنظيمات سياسية عنيفة تسعى إلى تغيير نظام الحكم بالقوة من خلال القيام بالتظاهر والعصيان والمواجهة المسلحة أو بتفجيرات خطيرة وقد تكون أسباب الحصار كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات أو انتشار أوبئة خطيرة وقد تكون أسبابها نتيجة أزمة اقتصادية حادة، وغالبا ما تقترن حالة الحصار بأوضاع داخلية تهدد النظام العام وهو ما يجعل تقديرها اختصاصا دستوريا حصريا لرئيس الدولة[4]، عبر الدساتير السابقة التي عرفها المغرب، والذي حافظت عليه الوثيقة الدستورية لسنة 2011 من خلال الفصل74 الذي ينص على أنه “يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار بمقتضى ظهير شريف يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون”.

والملاحظ أن أسباب حالة الحصار قد تتداخل مع أسباب حالات الاستثناء، بل قد تختلط بها كما يعتقد البعض، مما يعطي السلطة التنفيذية حسب الدساتير الحق في معالجة الأوضاع التي تهدد أمن وسلامة البلاد أثناء أوقات الأزمات والظروف الطارئة.

وتشكل الظروف المشار إليها سابقا شروطا موضوعية تخضع للسلطة التقديرية للمؤسسة الملكية، كلما رأت تهديدا لسلامة البلاد من أعمال البشر كحالات الإرهاب أو الاحتجاجات المسلحة أو كوارث بفعل الطبيعة كالزلازل والفيضانات وغيرها، رغم عدم تنصيص الدستور عن الأسباب المؤدية إلى اتخاذها أو الإجراءات المطلوب اتخاذها، بل اكتفى النص بحصر مدة الحصار في 30 يوما.

على غرار حالة الاستثناء، فإن إعلان حالة الحصار تستوجب توفر بعض الشروط الشكلية الموجبة لذلك دستوريا:

أولا: ينبغي أن تتم بموجب ظهير شريف يتم توقيعه بالعطف من قبل رئيس الحكومة.

ثانيا: يجب ألا تتجاوز مدتها ثلاثين يوما، ولا يمكن تمديدها إلا بواسطة قانون صادر عن المؤسسة التشريعية.

ثالثا: ضرورة التداول في حالة إعلان حالة الحصار بالمجلس الوزاري الذي تعود رئاسته للملك، بمعنى أن حق إعلان هذه الحالة يعود في الأصل للسلطة التقديرية للمؤسسة الملكية حسب منطوق الفصل 49 من الدستور الذي ينص على ما يلي: “.. يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية:

  • مشروع قانون العفو العام؛
  • مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري؛
  • إعلان حالة الحصار؛
  • إشهار الحرب……..”.

كما يمكن أن نستشف من قراءة الفصلين السابقين، بأن السلطة التقديرية للمؤسسة الملكية في إعلان حالة الحصار، تظل مشروطة نوعا ما بإجراءات شكلية من خلال مشاركة كل من رئيس الحكومة والبرلمان في القرار عبر توقيع الأول بالعطف على الظهير المعلن لحالة الحصار وضرورة الموافقة البرلمانية بواسطة قانون على تمديدها لأكثر من ثلاثين يوما بالنسبة للثاني.

لكن الواقع الدستوري يتجاوز الشروط الشكلية الموجبة لحالة الحصار، ويعطي المؤسسة الملكية صلاحيات واسعة لا يمكن تقييدها إلا بمحض الإرادة الذاتية للملك.

تبقى الإشارة إلى أنه لم يسبق للسلطة التنفيذية بالمغرب على مدى الحياة الدستورية أن أعلنت عن حالة الحصار، رغم أن الظروف والأسباب كانت في فترة زمنية معنية قد أثرت على الوضعية الأمنية الداخلية للبلاد.


[1] مصطفى قلوش: النظام الدستوري المغربي، المؤسسة الملكية، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع الرباط ، طبعة 1997، ص165.

[2] عبد اللطيف بكور: دور المؤسسة الملكية في إحلال التوازن السياسي في المغرب، أطروحة دكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2001/2002، ص247.

[3] المرسوم الملكي رقم 65.136 الصادر بتاريخ 07 صفر 1385 الموافق ل 07 يونيه 1965، المنشور بالجريدة الرسمية رقم 2745 بتاريخ 09 صفر1385 الموافق ل 09 يونيه 1965.

[4] عبد النبي كياس: توزيع السلطات في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 1996، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط، السنة الجامعية 2010/2011، ص90.

*باحث في القانون العام والعلوم السياسية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي