Share
  • Link copied

بين تصاعد الإنفاق العسكري وتوازنات القوى في غرب المتوسط: هل دخل المغرب وإسبانيا في سباق تسلّح صامت قد يعيد رسم خرائط النفوذ الإقليمي؟

في ظلّ التحولات الجيوسياسية المتسارعة بمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، عادت المقارنة العسكرية بين المغرب وإسبانيا لتطفو على سطح النقاش الإعلامي والسياسي، لا سيما في الصحافة الإسبانية التي بدأت تتابع بقلقٍ متزايد تطور القدرات الدفاعية للمملكة المغربية.

تقرير جديد نشرته صحيفة La Esperanza الإسبانية بتاريخ 23 أبريل 2025، سلط الضوء على مفارقات مثيرة بين الجارين اللدودين، سواء على مستوى الميزانيات أو عدد القوات والتسليح، ما يعكس سباقًا محمومًا نحو التسلّح، كلٌّ من موقعه وتحدياته.

وفي الوقت الذي خصصت فيه الحكومة الإسبانية 17.594 مليار يورو لوزارة الدفاع خلال سنة 2025، بعد تعديلات مالية رفعت الغلاف من 14 مليارًا، يبدو أن المغرب لا ينوي التراجع عن رفع وتيرة الإنفاق الدفاعي، حيث أقرّ ميزانية تُقدّر بـ13.4 مليار دولار للعام نفسه، مدعّمة بحوافز ضريبية لدعم صناعتها العسكرية الناشئة.

ورغم أن الفارق العددي يبدو لصالح إسبانيا، إلا أن الدينامية المغربية في تحديث العتاد وتوسيع الشراكات العسكرية تجعل المقارنة أكثر تعقيدًا مما تظهره الأرقام الجافة.

وتمتلك إسبانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حوالي 144 ألف فرد ضمن القوات المسلحة النظامية، يضاف إليهم حوالي 82 ألفًا ضمن الحرس المدني وقوات الأمن الأخرى. أما المغرب، فقد سجل في 2025 ما يقارب 215 ألفًا من الأفراد العسكريين، بينهم 195 ألفًا في الخدمة الفعلية، مدعومين بـ150 ألفًا من قوات الاحتياط، و30 ألفًا من القوات المساعدة، و24 ألفًا من عناصر الدرك الملكي.

وفي ميدان القوة البرية، يتفوق المغرب بشكل واضح من حيث عدد الدبابات القتالية والعتاد المدفعي. فبينما تكتفي إسبانيا بـ317 دبابة و96 قطعة مدفعية ذاتية الحركة، تتوفر المملكة على أكثر من 800 دبابة، و565 قطعة مدفعية، إلى جانب عدد متنوع من أنظمة الدفاع البري المتطورة.

أما في البحر، فتحافظ مدريد على تفوق نوعي بامتلاكها 152 قطعة بحرية، بينها حاملة الطائرات “خوان كارلوس الأول” وغواصتان، ما يمنحها امتيازًا استراتيجيًا لا يزال المغرب يفتقر إليه، حيث تقتصر البحرية الملكية على سفن خفيفة ودوريات ساحلية، دون أي قدرات أعماق أو إسقاط بعيد.

وفي الجو، يبلغ عدد الطائرات العسكرية الإسبانية حوالي 461، منها 137 مقاتلة. بينما يمتلك المغرب 255 طائرة، بينها 83 مقاتلة، أغلبها من طراز “F-16″، بالإضافة إلى طلبه الحديث لـ24 مروحية هجومية من طراز “AH-64E Apache”، تسلم منها ست وحدات في مارس 2025، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو تعزيز الردع الجوي والهجومي.

ولا يقتصر التفوق المغربي على الاستيراد فقط، بل يتعداه إلى تطوير صناعات دفاعية محلية بشراكات متعددة. فالمملكة بدأت في إنتاج عربات “WhAP 8×8” بالتعاون مع شركة “تاتا” الهندية، وأطلقت شركة “Atlas Defense” المتخصصة في صناعة الطائرات المسيّرة، بالتعاون مع تركيا، إلى جانب صفقات متقدمة لاقتناء أنظمة HIMARS وHQ-9.

وفي المقابل، تعمل إسبانيا على تحديث ترسانتها التقليدية، بمشاريع مثل غواصات “S80″، وطائرات “MH-60R”، ومشروع الطائرة الأوروبية المشتركة “FCAS”.

وبينما تعتبر إسبانيا الإنفاق العسكري “شرًا ضروريًا” لإرضاء الناتو، ترى الرباط في تقوية دفاعاتها أولوية جيوسياسية حيوية في ظل التوترات في منطقة الساحل، والنزاع المستمر حول الصحراء، وتهديدات الأمن الإقليمي.

أما على مستوى الانتشار الخارجي، فتسهم إسبانيا في عدد من المهمات الدولية تحت لواء الناتو والأمم المتحدة، بينما يشارك المغرب بفعالية في بعثات حفظ السلام، ويكثف تدريباته المشتركة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

يذكر أن المقارنة بين القدرات الدفاعية للمغرب وإسبانيا ليست جديدة، لكنها تعود الآن بقوة وسط مناخ إقليمي متقلب، وتحولات كبرى في موازين القوة المتوسطية.

فبينما تنشغل مدريد بحسابات أوروبية داخلية، يواصل المغرب شقّ طريقه بهدوء نحو تموقع استراتيجي جديد، في توازن قد يعيد رسم الخريطة العسكرية في غرب المتوسط خلال العقد القادم.

Share
  • Link copied
المقال التالي