Share
  • Link copied

بين الشعارات السياسية والحقيقة الدستورية.. جدل الحزب الأمازيغي يعود إلى الواجهة قبَيل الانتخابات

عاد جدل تأسيس “حزب أمازيغي” إلى الواجهة مع اقتراب السنة الانتخابية، وهو النقاش الذي اعتبره رشيد بوهدوز، رئيس تنسيقية “أكراو” من أجل الأمازيغية، التابعة لحزب الأصالة والمعاصرة، “مجرد استغلال انتخابي للقضية الأمازيغية وارتزاق سياسي لا يخدم مصلحة الوطن ولا جوهر القضية”.

وقال بوهدوز، في تدوينة نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنه مع اقتراب كل محطة انتخابية، تعود بعض الأصوات التي تنادي بتأسيس حزب أمازيغي، معرباً عن استغرابه من هذا الإصرار الموسمي على خطاب يتكرر دون أي مؤشرات على الجدية أو الإرادة الحقيقية.

وأضاف الناشط الأمازيغي، أن “التجارب أثبتت أن من يرفعون هذا الشعار لا ينوون فعلاً تأسيس حزب وفق المساطر القانونية الجاري بها العمل، بل يوظفون الفكرة للمساومة السياسية وخلق “البوز” الإعلامي”، متابعاً: “نقولها بوضوح: من أراد تأسيس حزب، فالقانون يفتح أمامه الأبواب”.

ولكن يستطرد بوهدوز في السياق نفسه: “شريطة احترام الثوابت الدستورية، والبناء على مرجعية فكرية واضحة، كما يفعل اليساريون والإسلاميون وغيرهم. أما الترويج الموسمي لفكرة “الحزب الأمازيغي الممنوع” فهو ليس سوى استغلال للقضية الوطنية العميقة، واستخدام سياسي غير نزيه”.

واعتبر أن الحديث عن تأسيس حزب أمازيغي، يظهر رغبة في “إثارة الانتباه”، خصوصا أن “الجميع يعلم أن الدستور المغربي يمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي. فلا وجود لحزب يقول “أنا أمثل المسلمين فقط” “أو اليهود فقط”، ولا آخر يدعي تمثيل “العرب فقط”، وبنفس المنطق لا يمكن القبول بحزب يدعي تمثيل “الأمازيغ فقط”.

ونبه إلى أن الأحزاب تعرف بمرجعياتها الفكرية وبرامجها السياسية، وهذا هو المتاح والمشروع قانونًا ووطنياً وهذا لا يمنع ان يتم تاسيس حزب وطني ويتخذ الامازيغية كمرجعية، مبرزاً أن هنالك عدة مغالطات يتم ترويجها بهذا الخصوص، وأولها “مغالطة غياب التمثيل الأمازيغي”.

وبشأن هذه المغالطة، قال بوهدوز، إن “الادعاء بأن الأمازيغ غير ممثلين سياسيًا في المغرب هو افتراء صارخ، وتصويرهم أنهم أقلية معزولة وغير مندمجة وحتى جاهلة كما توحي بعض التصريحات من طرف المنادين بمنح الأمازيغ الحق بالعمل السياسي وكأنهم ممنوعون منه، هذا الادعاء يراد به تمرير أجندات ضيقة”.

وأبرز أن “الأمازيغية ليست مجرد عرق أو لسان أو أقلية، بل هي عمق روحي وثقافي لهذا الوطن وأسّاس هويته، وكل من يمارس السياسة في هذا البلد هو، بهذا المعنى، أمازيغي الانتماء”، مسترسلاً أن أغلب الفاعلين السياسيين في المغرب إما ناطقون بالأمازيغية، أو منحدرون من مناطق أمازيغية، ويعيشون في كنف ثقافتها”.

وأشار بوهدوز في تدوينته، إلى أن “هناك مناضلون كثر من صلب الحركة الأمازيغية، انخرطوا بجدية داخل الأحزاب الوطنية الكبرى، ويحملون همّ الأمازيغية داخل المؤسسات”، متابعاً: “تجربتنا في حزب الأصالة والمعاصرة خير مثال، حيث انطلقنا من تأسيس “أكراو من أجل الأمازيغية”، ثم أسسنا “اللجنة الأمازيغية بالمجلس الوطني”، وتواصل نضالنا من أجل ترسيخ الأمازيغية داخل برامج الحزب والسياسات العمومية”.

هذا، ونبه بوهدوز، إلى أن “التمثيل السياسي للأمازيغ ليس ادعاء، بل واقع ملموس، يظهر في وصول شخصيات أمازيغية إلى مواقع القرار، وفي الحضور القوي لنواب ومستشارين أمازيغ، وفي التفعيل التدريجي للغة الأمازيغية داخل المؤسسات والترافع المستمر عن الملف سياسيًا. والنقاش اليوم يجب أن يكون حول تحسين هذا التمثيل، لا على ترويج خطاب الإقصاء”.

أما المغالطة الثانية، وفق بوهدوز، فتتعلق بـ”استغلال غير مقبول لملف وطني جامع”، مبرزاً أن “محاولة حصر الأمازيغية في حزب سياسي ضيق هو تقزيم لقضية وطنية جامعة، ومسّ بمضمون الترسيم الدستوري الذي جعل من الأمازيغية مسؤولية مشتركة بين الدولة وكل مكوناتها. وقد أكد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن الأمازيغية شأن يهم جميع المغاربة، وليست حكراً على جهة أو حزب”.

وأكد بوهدوز، أن “النهوض بالأمازيغية هو ورش وطني مفتوح، ولا يمكن الزج به في تجاذبات انتخابية ظرفية أو مزايدات سياسوية، لأن في ذلك إساءة للقضية برمّتها”. أما النقطة الثالثة، فهي أنه “لا سند قانوني أو وطني لحزب أمازيغي حصري”، إذ إن “فكرة “الحزب الأمازيغي” لا تستقيم لا من حيث القانون، ولا من حيث منطق الوطنية الجامعة. فالأمازيغية، بما أنها هوية مشتركة لكل المغاربة، لا يمكن أن يُدّعى تمثيلها حصريًا من قبل حزب واحد”.

وشدد على أن “الدستور، في فصله السابع، يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو جهوية، حفاظًا على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع. ومن هنا، فإن المطالبة بحزب أمازيغي لا تنسجم مع هذا الإطار، بل تُعد تهديدًا ضمنيًا للنسيج الوطني، وتفتح الباب لنزعات تقسيمية قد تضر بالقضية الأمازيغية أكثر مما تنفعها”.

وتتعلق النقطة الرابعة، بأن “المعركة الحقيقية هي تمزيغ الأحزاب”، حسب تعبيره، وهي “ليست في تأسيس حزب جديد يشوه ويقزم الحضور الأمازيغي ويقدمه كأقلية، بل في الدفع نحو “تمزيغ” الأحزاب الوطنية القائمة. والمقصود أن تنخرط هذه الأحزاب بشكل جدي ومسؤول في الدفاع عن الأمازيغية، وأن تدمجها في هياكلها وبرامجها وخطابها السياسي وتُحاسبها سياسيًا، فكل حزب لا يتبنى الأمازيغية هو حزب لا وطني ويخالف إرادة جلالة الملك”.

واسترسل: “نحن نؤمن أن الطريق الأسلم والأكثر نجاعة هو أن تتحول الأمازيغية إلى قضية وطنية داخل كل حزب، لا أن تُحشر في إطار حزبي ضيق. فتمثيل الأمازيغية لا يكون عبر رفع شعارها، بل عبر تفعيلها، وتأطير الكفاءات الحاملة لهمّها، وتمكينها من المساهمة في بناء مغرب ديمقراطي موحد، غني بتعدده ومتصالح مع هويته العميقة”.

وبناء على ذلك، وجه بوهدوز، نداء صادقًا إلى كافة الفاعلين السياسيين والمدنيين، وإلى المناضلين الأمازيغيين الشرفاء، لـ”التمسك بالمسار المؤسساتي، ومواصلة النضال من داخل الفضاء الوطني المشترك، من أجل النهوض بالأمازيغية باعتبارها أساسًا للهوية الوطنية المغربية”، داعياً كافة المناضلات والمناضلين الأمازيغ، داخل كل الأحزاب والمؤسسات، إلى تكوين جبهة نضالية موحدة ومنسقة، تشتغل من الداخل، تُراكم، تُقنع، وتُحرج. هذا هو الطريق الأكثر نجاعة، وهو الضمانة الأساسية لدمقرطة الحياة السياسية ولإنصاف الأمازيغية”.

وفي الختام، أكد المنسق الوطني لأكراو من أجل الأمازيغية، أن “الأمازيغية ليست مِلْكًا لحزب ولا ورقة تُزايد بها جهات ظرفية، بل هي قضية وطنية بامتياز، جوهر الهوية المغربية، وجزء لا يتجزأ من مشروعنا الديمقراطي والحداثي”، مؤكداً: “لذلك، فإن من يُقصي الأمازيغية، أو يُقزّمها في إطار حزبي ضيق، إنما يُسيء لها ويُفرّغها من مضمونها العميق”.

Share
  • Link copied
المقال التالي