شارك المقال
  • تم النسخ

بوصوف: عصابة البوليساريو فشلت في جرّ المغرب إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار

لا يمكننا كمغاربة إلا الافتخار بالآلة الدبلوماسية المغربية، والتنويه بمدى قدرتها العالية والحكمة في تدبير ملف الكركرات بالحدود المغربية / الموريتانية، في مواجهة جنرالات قصر المرادية وعصابات البوليساريو، على أكثر من صعيد، إذ اعتقدتْ أن فقرات التحذير والإنذار الواردة في خطاب المسيرة الخضراء العظيمة ليوم 7 نوفمبر 2020، بالتصدي بكل حزم و قوة للتجاوزات التي تحاول المساس بسلامة و استقرار أقاليمنا الجنوبية، أو تصريحات وزير الخارجية المغربي، مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي.

الأداء الرائع للديبلوماسية المغربية تميز بتغيير التكتيك، وتبني أساليب عمل تتماهى مع الواقع، فظروف اختيارات الخروج من المنظمة الإفريقية في 1984، ليست هي نفس ظروف العودة في سنة 2017، وظروف ما قبل وقف إطلاق النار في سنة 1991، ليست هي ظروف ما بعد وقف إطلاق النار، وسقوط جدار برلين، وأسباب نزول مبادرة الحكم الذاتي في أبريل 2007، تختلف عن قبلها وهكذا.

و طوال كل هذه المدة استطاع المغرب الاشتغال على ملفات استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمجالية مع احترام الخصوصيات الثقافية للأقاليم الجنوبية، طوال كل هذه السنوات شارك أبناء الصحراء المغربية، في كل الاستحقاقات الانتخابية والتمثيليات النقابية والحزبية والحقوقية، مما جعل منهم ممثلين شرعيين لسكان الصحراء المغربية، بقوة الانتخابات باعتبارها آلية للديمقراطية، واستحقوا بذلك الجلوس في طاولة المحادثات الأخيرة، ضمن الفريق المغربي، مع المبعوث الشخصي للأمين العام في ملف الصحراء المغربية، كما أصبحت فروع المجلس الوطني لحقوق الانسان بكل من مدينتيْ الداخلة والعيون، محل تنويه في قرارات مجلس الأمن الدولي، وغيره من المنظمات الحقوقية المحترمة.

كما أن تأكيد مجلس الأمن الدولي للسنة الرابعة عشر على التوالي على سمو مبادرة الحكم الذاتي لأبريل 2007، ومشيدا بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية والتي تجسدها مبادرة الحكم الذاتي، واعتبار كل من موريتانيا والجزائر أطرافا وليسا ملاحظين، وعدم اعتراف 163 دولة بكيان البوليساريو، وافتتاح قنصليات لدول صديقة وشقيقة بالمدن الصحراوية، والشركات الإستراتيجية في المجالات الاقتصادية، هو دليل على أن الصحراء مغربية بالقانون وبالتاريخ وبالواقع وبالاعتراف الدولي.

في حين أن المحتجزين بمخيمات تيندوف، لازالوا يعيشون طيلة 45 سنة تحت تأثير “مخدر جماعي”، وشعارات بالية غير واقعية رفضها كل المبعوثين الخاصين والشخصيين للأمناء العامين لهيئة الأمم المتحدة، كما أن قادة البوليساريو يواجهون بقبضة من حديد كل حركات الصحراوية داخل المخيمات الداعية للرجوع للوطن أو تبني مبادرة الحكم الذاتي، ويصدون قرارات عقابية خطيرة ضد كل معارضيهم بما فيها التعذيب والنخاسة وكذا الاغتصاب والاختفاء القسري. أما التصرف في المساعدات الإنسانية والارتفاع المخيف لأعداد ضحايا جائحة كورونا واستغلال قادة البوليساريو، الجائحة لجمع إعانات من دول غربية، فحدث و لا حرج.

لقد كانت عملية إعادة المعبر الحدودي من طرف المغرب مناسبة مهمة لنا، للوقوف على مدى تهالك تكتيك البوليساريو وجنرالات المرادية، فلازالوا يعتقدون أنهم قادرين على تدبير حرب إعلامية بتجنيد إعلاميين “خردة”، وأبواق بمحطات فضائية مفضوحة الهوى، مع فبركة للأخبار الزائفة، ونسوا أن المغرب يمتلك قمرين صناعيين “محمد السادس أ” و”محمد السادس ب”، لتلبية حاجيات المغرب الاقتصادية والبيئية والاستخباراتية، ولازالوا يعتقدون أن بإمكانهم العبث بعلم المملكة في إحدى قنصلياتنا بالخارج (فالنسيا مثلا)، ودون أن ينالوا عقابهم بالطرد إلي مخيمات تيندوف، أو يصدهم أفراد الجالية كما وقع أمام قنصلية برشلونة.

كما لا زالوا يعتقدون أن امتناع تصويت كل من روسيا وجنوب إفريقيا لقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2548/2020، هو انتصار لأطروحاتهم، في حين أن الامتناع كثيرا ما اعْتُبِر موقفا حياديا وبعبارة أخرى هو دون القبول و وفوق الرفض.

فلم يستسغ بعد قادة الجبهة الوهمية، التضامن العربي والإسلامي والدولي مع الموقف المغربي وتدخله لإنهاء عربدة عصاباته بالمعبر الحدودي المغربي/الموريتاني، بل أعلنت دولة الأردن الشقيقة عن فتحها لقنصلية جديدة بالعيون، المغربية، وهو ما زاد في عزلة كيان البوليساريو، وحاضنته الجزائر على مستوى العالم والهيئات الدولية.

لكن ما ميز عملية معبر الكركرات، هو التفوق الكبير للديبلوماسية المغربية في تدبير الأزمة على المستوى القانون الدولي، واستعمال مصطلحات قانونية دقيقة، مما ضيع على البوليساريو والنظام الجزائري فرصة اتهام المغرب كـ “خارق” لاتفاق وقف النار، و ذلك بوصفها للتدخل المغربي “بالعدوان “.

وبالرجوع إلى كل مضامين الخطابات الملكية أو تصريحات رئيس الحكومة أو وزير الخارجية، نجدها تثمن جهود الأمين العام والمينورسو، والتشبث بالقرارات الشرعية لمجلس الأمن الدولي في الحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، أكثر من هذا، المغرب أكد مرارا أن التدخل بمعبر الكركرات، ليس له طابع عدواني كما أن قوات المينورسو لم تسجل أي احتكاك عسكري مع المدنيين، بل تحرك حازم إزاء أعمال غير مقبولة.

في المقابل فقد سبق لمجلس الأمن، إصدار قرار بخروج البوليساريو من معبر الكركرات المغربي سنة 2017، كما عاد للتسلل للمعبر منذ 21 أكتوبر، حيث مارس أعمال استفزازية وتخريبية للطريق العام وعرقلة حرك تنقل الأشخاص والبضائع التجارية والأدوية، لدول الساحل والعمق الإفريقي، كما لوح أكثر من مرة بعودته لحمل السلاح ورفضه لقرارات الشرعية الدولية بضرورة تبني الحل السلمي والسياسي التوافقي، واعتبرتْ المبادرة المغربية مبادرة جادة و واقعية.

العديد من المراقيبين اعتبروا ان بيان البوليساريو ليلة إعلان قرار مجلس الأمن رقم 2548/2020 في 30 أكتوبر، برفضهم العودة لطاولة الحوار، هو بمثابة إعلان حرب وخرق لوقف النار، وجعلوا أنفسهم في مواجهة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنتظم الدولي…!

وهنا استعمل المغرب عبر بياناته “عدم اللجوء إلى استعمال السلاح إلا في حالة الدفاع الشرعي…”، اعتقد أن المغرب قد جر البوليساريو إلى “لعبة”، قوية ومتاهات قانونية تعرفها مؤسسة الدفاع الشرعي كحق طبيعي، وإجراء استثنائي، في انتظار تدخل مجلس الأمن الدولي، فرغم التنصيص عليها في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بتوفر شرطين هما العدوان المسلح وشرط التناسب، فانها عرفت أكثر من تفسير، وانقسم حولها فقهاء القانون الدولي العرفي والقانون الدولي الاتفاقي، كما اختلفوا في تفسير مفاهيم العدوان Agression المسلح المباشر، وغير المباشر والهجوم المسلح Armed Attack، وتوسعوا في شروط العدوان ومدى خطورته، وجعلوا من الحرب الوقائية والحرب الاحتياطية والحرب الاستباقية، مساحات جديدة موازية لمؤسسة الدفاعي الشرعي.

وقد ساهمت في هذا الجدل الفقهي والقانوني والتاريخي، قرارات كل من الجمعية العمومية ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية وتراكمات فقه القانون الدولي، واتفاق باريس سنة 1928، والمعروف بـ ” بريان / كيلوغ ” و قرار الجمعية العمومي 3314/74، و كذا مفاهيم “استراتيجية الأمن القومي ” التي اعتمدتها الولايات المتحدة الامريكية في 2002 ، أي بعد احداث 11 سبتمبر 2001، وما حملته هذه الاستراتيجية الأمريكية من تفسيرات جديدة لمفهوم العدوان المسلح و المساس و تهديد السلم و الامن الدوليين، بإلاضافة الى تطور مفهوم الإخطار المهددة للسلم والأمن مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة البيولوجية والهجوم الإلكتروني، لكن ورغم كل هذه التجاذبات فقد أعطيت لمجلس الامن الدولي مساحات كبيرة لتفسير كل حالات الدفاع الشرعي.

لهذا خسرت البوليساريو رهان توصيف عملية الكركرات “بالعدوان “، حتى تُبرر خرقها هي للشرعية الدولية، لأن المغرب كان دائم التشاور والتنسيق مع هيئات المنتظم الدولي، وخاصة الأمين العام ومجلس الأمن، كما أن التدخل لم يكن هجوميا، بل أزال فقط الضرر والتخريب، وهو ما جاء في مضمون الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك محمد السادس، وغورتيريس الأمين العام يوم 16 نوفمبر، بقوله “على إثر استنفاذ كافة المحاولات المحمودة للأمين العام، تحملت المملكة مسؤولياتها في إطار حقها المشروع تمامًا، ليست المرة الأولى التي تقوم فيها مليشيات البوليساريو بحركات غير مقبولة، وأن المغرب أعاد الوضع إلي طبيعته وقام بتسوية المشكل بصفة نهائية وانسيابية حركة التنقل…”.

لأن من كان يقوم بالعدوان ويُهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة والساحل هو عصابات ومليشيات البوليساريو بتخريب الطرقات والتلويح بحمل السلاح، ولأن من كان يتعنت ويرفض قرارات مجلس الأمن المؤيدة للمقاربة الواقعية هي شرذمة البوليساريو، ولأن من حاول نقل الصراع إلى أوروبا هي البوليساريو بهجومها على قنصلية فالنسيا بإسبانيا، المحمية بمعاهدة فيينا لسنة 1963، ولأن من هدد الممرات المدنية والإنسانية بمعبر الكركرات هو كيان البوليساريو.

لذلك فالمغرب يبقى متشبثا بوقف إطلاق النار ويدعم جهود الأمين العام في إطار العمل السياسي، لكن يحتفظ لنفسه بحقه الطبيعي والسيادي بالرد في إطار الدفاع الشرعي على أي تهديد لأمنه وطمأنينة مواطنيه.

سنستمر في أعمال التعبئة واليقظة كل من موقعه، وسنستمر في المساهمة في كشف الحقائق وتعرية شطحات عصابات وتجار المخدرات ومليشيات الموت لكيان البوليساريو، لأننا نحْتكِم لقُوة الحجة ونحمل في أعماقنا قضية أمة مجيدة وشعب أبي.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي