يبدو أن وتيرة المغرب في ثورته الهادئة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ومن ضمنها التغطية الصحية لجميع المواطنين، ومن أجل ضمان الإقلاع الاقتصادي كالإصلاح الضريبي وإعادة هيكلة المقاولات العمومية والتنمية المجالية، ومن أجل تخليق الحياة السياسية وترسيخ الديمقراطية والتعددية الحزبية من خلال الترتيب للاستحقاقات القادمة، ومن أجل تعزيز الحريات، وتقوية ترسانته القانونية في مجالات محاربة الجريمة المنظمة، والإرهاب الدولي، والاتجار في البشر، والجريمة الإلكترونية، وحماية المعطيات الشخصية.. يبدو أنها تزعج البعض.
ويبدو أن المكتسبات القوية في ملف الوحدة الوطنية، واعتراف دول عظمى بسيادة المغرب على صحرائه وافتتاح قنصليات بالمدن الصحراوية وفروع أحزاب سياسية ومنظمات حقوق الإنسان بالمدن الصحرواية.. يبدو أنها تزعج كذلك.
كما يبدو أن دور المغرب كفاعل إقليمي وقاري في ضمان السلم العالمي وجذبه للاستثمارات الخارجية بعد ترسيم الحدود البحرية الأطلسية والاستثمارات القوية في مجال البينية التحتية في الأقاليم الصحراوية المغربية، كالطرق العصرية وميناء الداخلة الأطلسي.. يبدو أنه يزعج البعض أيضا.
لذلك فإن ما تعيشه بلادنا هذه الأيام من تكالب البعض وتحامل البعض الآخر، هو ضريبة الثورة الهادئة المغربية وهو ضريبة طموحه المشروع في حياة كريمة للمواطنين وفي عدالة اجتماعية.. نعم لدينا صعوبات وعراقيل.. كما نرصد الهفوات والانزلاقات.. لكننا نطمح لتجاوزها ولتحقيق انتصارات جديدة في ميادين البطالة والتعليم والتنمية المجالية وغيرها.. وهو ما يزعج حقا الكثيرين.
نحن نعلم أن رقعة الصراع تتسع وأساليب الحروب تنوعت بين العالم الواقعي والافتراضي وبين المباشر وبالوكالة. كما نعلم أن تدمير صورة أي بلد أصبحت هدفا استراتيجيا لكل الصراعات.. حيث تؤثر طبيعة تلك الصورة إيجابا أو سلبا على جذب الاستثمارات الأجنبية، وأيضا السياح وأمام المؤسسات الدولية المالية وفي مجال القروض.. وهو ما يعني الحرب الاقتصادية والتجارية.
فصورة المغرب بالخارج، كبلد مستقر سياسيا وضامن للسلم العالمي وضد الإرهاب الدولي وجاد في أجندته الإصلاحية سواء على مستوى الحريات أو المنظومة القضائية أو فرص الاستثمار.. جعل من النيل من صورته وتدميرها أجندة أعداء وحدتنا الترابية وأعداء طموحنا التنموي وسَخًرُوا في سبيل ذلك الأقلام والمنظمات الحقوقية الدولية وخاصة تلك المعروفة بتقاريرها التي تُنجز على مقاسات معينة ووفق موازين مختلفة، تُحددها المبالغ المالية في شكل إعانات أو هبات.. حتى أصبحت تلك المنظمات والهيئات الحقوقية “حدائق خلفية” لدول بعينها من أجل تركيع دول أخرى، أو من أجل “شيطنة” دول أمام مجموع الدول الأخرى، وهو ما يعني أن تلك التقارير أصبحت فاقدة للمصداقية لأن المنظمات فاقدة للاستقلالية.
فالحملة التشهرية ضد المغرب والتي تقوم بها أطراف معروفة تحت ستار تقارير إعلامية وحقوقية تحت الطلب، تدخل في حرب تدمير صورة المغرب بالخارج من خلال فرقعات إعلامية والترويج لأخبار زائفة.
“المنزعجون” من صورة المغرب الجديـد ومن تنويع شركائه وتوطيد صداقاته.. يعلمون أن المغرب الجديد لا يمكنه تحقيق أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي دون سن قوانين وإجراءات تحمي المعطيات الشخصية لمواطنيه وللمستثمرين الأجانب.. لذلك فقد عمل المغرب على سد هذا الفراغ القانوني وأضاف إليه قوانين لمحاربة الجريمة الإلكترونية والقرصنة.. وتوقيع اتفاقيات تعاون وتبادل الخبرات في مجال الأمن السيبراني.
لن نسقط في فخ المنزعجين بمناقشة أخبار زائفة وباتهامات باطلة تنال من صورة المغرب بالخارج، مادام أن المغرب اختار ساحة القضاء الأوروبي ليقول كلمته فيها.
لكننا نُسائِل نفس المنظمات الحقوقية ونفس المكونات الإعلامية التي تكلفت بصياغة “بيان الحرب”، على صورة المغرب الجديد.. لماذا جفت أقلامكم للدفاع عن حماية المعلومات الشخصية وسرية المراسلات.. في أكبر عملية اختراق وتجسس على الهواتف الذكية والمعروفة بـ Encrochat ..سنة 2020 ؟ لماذا خفت جرأتكم في صياغة تقارير عن العملية وخلقتم لأنفسكم ألف عذر أمام شح المعلومات؟ فهل لمصطلحات حقوق الانسان والحريات تعاريف مزدوجة؟
إذ لا يمكن تجاهل عملية Encrochat ، فمن جهة أولى، لأنها ثمرة مجهودات أمنية وتقنية عالية من طرف الأجهزة الفرنسية والهولندية، والتي قامت بالتصنت على حوالي مائة مليون رسالة وذلك باختراقها لهواتف ذكية مزودة بأنظمة حماية عالية التقنية، تصنع في إسبانيا وتباع عبر شبكة اشتراك في كل من أمستردام و نوتردام ودبي ولندن.. وقد وصل عدد المشتركين في أوروبا وحدها حوالي خمسين ألف ( 50.000) مشترك حيث تسعون بالمائة ( 90 %) منهم مجرمون.
ومن جهة ثانية، لأنها سابقة في محاربة الجريمة والعصابات المنظمة حيث كانت حصيلة عملية Encrochat مهمة، فبالإضافة إلى القبض على الجناة ( 700 فقط في ألمانيا )، كما تـم حجز أسلحة و3 أطنان من المخدرات الصلبة المتنوعة، وأكثر من عشرين مليون أورو نقدا، بالإضافة إلى حجز سيارات فارهة.
وقد حرصت الأجهزة الأمنية في أوروبا على سرية العمليات وعدم تسريب المعلومات من أجل إنجاح العلمية سواء في بلجيكا أو ألمانيا أو هولندا ( Iron chat ) أو فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية.. هذا ودون أن يجرؤ أي أحد من دُعاة حقوق الإنسان وكَتَبَة تقارير العفو الدولية.. على طرح سؤال احترام الخصوصيات الشخصية أو المعطيات الشخصية أو سرية المراسلات…؟
كان التبرير الوحيد للاستيلاء على المعطيات المعلوماتية في عملية Encrochat ، هو أن هذه الشركة توفر فضاء للعصابات الإجرامية.
نسوق هذه الواقعة المشهورة في عالم الجريمة الإلكترونية والتجسس واختراق شبكات الهواتف الذكية.. للوقوف فقط على ازدواجية المعايير وازدواجية المواقف و لتعرية مصداقية واستقلالية منابر إعلامية وحقوقية تدعي الدفاع عن حرية التعبير والصحافة الاستقصائية ومنها منظمة العفو الدولية والمجموعة الإعلامية ” قصص ممنوعة “.
ولأن المغرب لا وقت لديه للانخراط في لعبة الرد على تقارير مشبوهة، فقد فضل بكل شجاعة ساحة القضاء الأوروبي لفضح مزاعم “المنزعجين” و وُكلائهم …أمام معاقل مؤسسات حقوق الإنسان وحرية التعبير بأوروبا.
فاللجوء إلي القضاء يعني أن المغرب مقتنع من قوة موقفه ووقوفه على أرضية صلبة، كما يحمل في مضمونه تَحَدٍ كبير للعفو الدولية و للأقلام المأجور لتقديم أدلتهم وبراهينهم على كل تلك الاتهامات أمام العدالة الأروبية.. لأن المغرب غير مطالب بتقديم أدلة براءته من اتهامات باطلة هدفها الإساءة لصورة المغرب بالخارج، في حين أن الأطراف الأخرى مطالبة بتقديم أدلة إدانته ويقول لهم “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين..”، مادامت هي المُبَادِرة بنشر الأخبار الزائفة والاتهامات الباطلة ضد المغرب.
فباختيار المغرب لساحة القضاء الأوروبي يقلب السحر على الساحر ويقوم بقلب الموازين بجعل كل من منظمة العفو الدولية ومجموعة ” قصص ممنوعة ” في قفص الاتهام وليس المغرب.
وفي انتظار كلمة القضاء الأوروبي، فإننا سنستمر في متابعة الأوراش الكبرى للبلاد وفي تحسين صورة المغرب بالخارج، وماضون في لعب الدور الإقليمي والقاري في خدمة السلم العالمي ومحاربة الجريمة المنظمة وعصابات الإرهاب الدولي، والأمن السبيراني.. فلا نامت أعين ” المُنْزعِجين ” الجبناء.
تعليقات الزوار ( 0 )