قال الدكتور، سمير بنيس، المستشار الدبلوماسي في واشنطن، والخبير في ملف الصحراء، إنّ الاستفزازات التي قامت بها البوليساريو مؤخراً في منطقة الكركرات بعدما أخذت الضوء الأخضر من الجزائر ما هي إلا مؤشر على حالة الغبن التي يوجدان فيها بعد الصفعات المتتالية التي وجهها لهما المغرب، وأن مسألة خروج البوليساريو من الاتحاد الافريقي أصبحت مسألة وقت.
وأوضح بنيس، في حديث مع موقع “بناصا” الإلكتروني، أنّه إذا وضعنا هذه الاستفزازات في سياقها الإقليمي والدولي فقد جاءت تلك الاستفزازات على خلفية القرار الأخير الذي اعتمده مجلس الأمن في شهر أكتوبر الماضي. وإن كان ذلك القرار لم يأت بأي جديد، إلا أنه أعاد التأكيد من جديد على النهج الذي اعتمده مجلس الأمن منذ القرار 2440 لشهر أكتوبر 2018، والذي ذُكر فيه اسم الجزائر لأول مرة منذ بدء العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ عام 2007، وهو ما يعني إقرار ضمني بدور الجزائر في النزاع ومسؤوليتها في العمل جنباً إلى جنب مع المغرب للتوصل لحل سياسي.
في هذا السياق، يُضيف المتحدث ذاته، أنّه يمكن القول إن هناك “قبل وبعد” هذا القرار. فقبل القرار 2440، لم يكن هناك ما يشير إلى أن مجلس الأمن سوف يتبنى لغة تمهد الطريق لاعتبار الجزائر ضمنًا طرفًا رئيسيًا في النزاع. ومع ذلك، مع اعتماد القرارات 2440 و2460 و2494 والقرار 2548، أظهر مجلس الأمن توجهاً واضحًا للاعتراف بمسؤولية الجزائر في الصراع وضرورة أن يكون لها دور في المفاوضات.
وأقرّ القرار الجديد بموائد جنيف المستديرة، التي انطلقت في دجنبر 2018، كإطار مؤسسي تسعى الأمم المتحدة لاستخدامه لإطلاق مفاوضات جادة تؤدي إلى حل سياسي للصراع. وهذا في حد ذاته يعتبر انتصاراً دبلوماسيا للمغرب، حيث يفتح الطريق تدريجيا أمام هذا الأخير للمطالبة بالمفاوضات بشكل حصري مع الجزائر. فالمغرب لا يرغب في الدخول في مفاوضات مباشرة مع البوليساريو حتى لا يعطيها الشرعية على أنها الممثل الوحيد للصحراويين، خصوصاً وأن الغالبية العظمى من الصحراويين يعيشون تحت سيادة المغرب ويشاركون في التدبير المباشر للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية.
ويرى المستشار الدبلوماسي، والخبير في ملف الصحراء، أن هذه الاستفزازات جاءت بعدما نجح المغرب في تحجيم دور الجزائر في القارة الافريقية وفي إبطال مفعول كل الدسائس التي حاكتها لما يناهز أربعة عقود حينما كان المغرب غائباً عن منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي. فبعد عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، بدأ المغرب يلعب في ملعب الجزائر والبوليساريو وفي تفكيك محور أبوجا-الجزائر-بريتوريا. فلم يعد يكتفي بالدعم الذي تقدمه الدول الصديقة في غرب افريقيا، بل بدأ يتحرك لكسب الدول المتواجدة في شرق وجنوب افريقيا. وأهم تلك النجاحات كان هو إقناع نيجيريا واثيوبيا بالالتزام بالحياد الإيجابي بخصوص ملف الصحراء.
وشدّد بنيس، على أن المغرب استطاع تحقيق ذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية تعود بالنفع على شعبي البلدين، كان أهمها بناء مصانع للأسمدة لتمكينهما من تأمين أمنهما الغذائي على المديين المتوسط والبعيد، وهو ما لم تستطع الجزائر تقديمه لهذين البلدين وللعديد من البلدان الأخرى التي رأت كيف أن تقربها من المغرب يمثل لها فرصة ثمينة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتجارية.
وتابع، وكنتيجة لهذه السياسة التي نهجها المغرب، لم تعد نيجيريا من بين الدول التي تستغل كلمتها السنوية خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة كل سنة لتقديم دعمها للبوليساريو وتذكير المجتمع الدولي بضرورة تمكين الصحراويين من تقرير المصير. فبعدما كان هذا الخطاب حاضراً في البيانات التي أدلى بها الرئيس النيجيري أمام الجمعية العامة حتى عام 2015، فلم يعد حاضراً منذ عام 2016، وما يشكل ضربة للبوليساريو ويظهر إلى أي مدى بدأ المغرب وبشكل سريع في قطف ثمرات اللعب في ملعب الجزائر والبوليساريو.
وأضاف المتحدث ذاته، أن ما أصاب الجزائر بحالة من الجنون هو أن المغرب لم يفلح فقط في إقناع دول كانت إلى وقت قريب من بين الدول الداعمة للبوليساريو كزامبيا بتجميد علاقاتها مع هذه الأخيرة، بل كذلك في الاعتراف بشكل واضح بسيادة المغرب على الصحراء. وقد كان قرار 15 بلداً افريقيا فتح تمثيلياتها الدبلوماسية في كل من العيون والصحراء، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، في أقل من 118 شهر بمثابة الصفعة التي لم تنتظرها الجزائر والبوليساريو. فلا تعني هذه الخطوة فقط أن هذه الدول تعترف بسيادة لمغرب وحسب، بل أنها تقر بشكل ضمني بأن عضوية البوليساريو في الاتحاد الافريقي أصبحت نشاز وبأنها لم تعد تؤمن بإمكانية إنشاء دولة مستقلة جنوب المغرب.
وأكد بنيس، أنّ مسألة خروج البوليساريو من الاتحاد الافريقي أصبحت مسألة وقت، ذلك أنه كلما نجح المغرب في إقناع دول افريقية أخرى بفتح قنصلياتها في الصحراء، تضعف الجبهة الداعمة التي تدعم البوليساريو ويضعف هامش المناورة لدى الجزائر. كما أن اعتراف هذه الدول بسيادة المغرب على الصحراء سيضعها في وضع متناقض، ذلك أنها لا يمكنها القيام بهذه الخطوة التي تترتب عنها نتائج قانونية وأن تستمر في نفس الوقت بالاعتراف بما يسمى بالدولة الصحراوية من خلال مشاركتها عضوية الاتحاد الافريقي. وبالتالي، وبناءً على الأثر القانوني الذي خلقه اعتراف تلك الدول بسيادة المغرب على الصحراء وعلى الفوائد التي ستجنيها من تعزيز علاقاتها المغرب، فإن النتيجة الحتمية لهذه التطورات هو طرد البوليساريو من منظمة الاتحاد الافريقي. فما يحتاجه المغرب لتحقيق هذا الهدف هو حشد دعم تلثي أعضاء منظمة الاتحاد الافريقي، أي 36 عضواً، من أجل تجميد عضوية البوليساريو أو خفض منزلتها إلى عضو مراقب.
واسترسل المتحدث ذاته، أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن 28 دولة قامت في شهر يوليو 2016 بتقديم ملتمس للاتحاد الافريقي لتجميد عضوية البوليساريو وأن 39 بلداً صوتت لصالح رجوع المغرب إلى الاتحاد الافريقي، فإن هذا الهدف لم يصبح بعيد المنال، بل أصبح مسألة وقت. وكلما ارتفع عدد الدول الافريقية التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء وكل ارتفع حدة الضغط على الجزائر والبوليساريو وكلما جنحت هذه الأخيرة إلى الرفع من وتيرة استفزازاتها للمغرب في محاولة لجره لمواجهات عسكرية واسعة النطاق من شأنها أن تعيد ملف الصحراء إلى الواجهة السياسية والدبلوماسية والإعلامية الدولية، وهو ما تسعى إليه الجزائر والبوليساريو في آخر المطاف.
وذكر الخبير في ملف الصّحراء، أنّ البوليساريو تعلم أن استمرار جمود الملف وعدم تـأثيره على استقرار المنطقة يلعب لصالح المغرب الذي يتواجد في صحراءه ويعمل على كسب حشد المزيد الدعم لسيادته على هذه المنطقة. وبالتالي، فإن أحسن وسيلة بالنسبة لها للضغط على المغرب وحمله على التوقف عن ممارسة سيادته هو وقوع مواجهات عسكرية من شأنها أن تعطي للنزاع زخما سياسياً ودبلوماسياً قد يساعد البوليساريو على إعادة تركيز النقاش حول الانتهاكات المزعومة لحقوق الصحراويين وعدم احترامه للوضع القانوني للمنطقة باعتبارها منطقة غير متمتعة بالحكم الذاتي.
وأشار سمير بنيس، إلى أنّ كل هذه الاختراقات الدبلوماسية التي حققها المغرب شكلت ضربة قوية للجزائر والبوليساريو، ومن تم جنحا للقيام بهذه الاستفزازات في محاولة منهما لتأجيج النزاع في المنطقة ونسف النجاحات المغربية. فالجزائر والبوليساريو يعيان أن الوقت يلعب لصالح المغرب وأن هذا الأخير ماض في تثبيت سيادته على الصحراء، وأن تنامي الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء يعني بداية تشكيل إجماع دولي حول مشروعية الموقف المغربي وأن البوليساريو فقدت مشروعيتها. ومن تم فإن الخيار الوحيد أمامها هو الهروب إلى الأمام وجر المغرب إلى الحرب من أجل إعادة الملف إلى الواجهة الدولية وإرجاعه إلى نقطة الصفر.
تعليقات الزوار ( 0 )