شارك المقال
  • تم النسخ

بلالي: البوليساريو اغتصبت قرار الصحراويين ولم تكن انفصالية في بدايتها (1)

هو نورالدين بلالي الإدريسي، واحد من مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية، عاد إلى المغرب عام 1989 بعدما قاد رفقة مجموعة من زملائه من القياديين في البوليساريو انتفاضة 1988 من داخل المخيمات.

في هذا الحوار، والذي سينشر منجما على جريدة بناصا الالكترونية، تحدث نورالدين بلالي الإدريسي عن الإرهاصات الأولى لنشأة البوليساريو والتي كانت ولادتها مغربية خالصة، حيث انطلقت مع محمد سيدي إبراهيم بصيري، والذي ينحدر من بني ملال حيث كان والده شيخ الزاوية بني عياط والتي لا تزال قائمة إلى حد الآن، ووصل بصيري مدينة السمارة وبدأ يُدرس القرآن كغطاء وفي نفس الآن شرع في تأسيس الخلايا الأولى لما سمى “تحرير الصحراء”، والتي أطلقت عليها إسبانيا فيما بعد اسم “الحزب المسلم”، وفي عام 1970 اكتشفت السلطات الإسبانية حركة بصيري وتعرضت لضربات متتالية فيما يعرف بـ”عملية الزملة” ثم أحداث مظاهرات طنطان 1972 والتي طالبت باسترجاع الصحراء للمغرب ورفعت فيها شعارات موالية للمغرب.

 الحوار سيتطرق كيف استطاعت البوليساريو أن تغتصب قرار الصحراويين بداية مع سحب المشروعية من شيوخ القبائل والتنكر للمؤسس، سيدي إبراهيم بصيري، والذي لم تطالب به البوليساريو في صفقة تبادل الأسرى مع الإسبان خوفا من الكاريزما التي يتمتع بها الرجل.

الحوار عرج على الدعم الليبي الهائل على عهد العقيد معمر القذافي ودور الفقيه البصري في ربط الولي المصطفى السيد بالليبيين، ثم التخلص من المؤسسين المغاربة وفرض محمد ولد عبد العزيز من قبل النظام الجزائري.

نورالدين بلالي يشرح بالتفصيل، ضمن هذا الحوار، أسباب وتداعيات انتفاضة 1988 داخل المخيمات والتي لم يستفد منها المغرب للتخلص من البوليساريو، وكذا لقائه مع الفقيه البصري في ليبيا والذي طلب من البوليساريو الاستفادة من أراضي “محررة” لضرب المغرب، كما يحكي، أيضا، عن لقائه مع الشيخ عبد الكريم مطيع في ليبيا وتدريب عناصر من الشبيبة في المخيمات.. وأشياء أخرى تكتشفونها ضمن هذا الحوار الشامل مع أحد مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية.  

نورالدين بلالي أنت واحد من المؤسسين لجبهة البوليساريو، وددنا لو نبدأ معك هذا الحوار بأن تعرج لنا على الإرهاصات الأولى لتأسيس جبهة الوليساريو؟

أشكر جريدة بناصا الرائدة، ومن خلالها أشكرك أنت شخصيا وكل طاقم التحرير..

 البوليساريو تأسست في سياق ظروف معينة، لقد كان التأسيس على أنقاض حركة 17 يونيو عام 1970 والتي تعرضت لضربات متتالية من قبل السلطات الإسبانية في مدينة العيون والمعروفة بـ”عملية الزملة” ثم أحداث مظاهرات طنطان عام 1972، والتي كانت تطالب باسترجاع الصحراء للمغرب، والتي رفعت فيها شعارات “نحن جنود للحسن من أجل تحرير الوطن” بحيث أن السلطات بطنطان  كانت قد تصدت للمجموعات التي تظاهرت في هذه المدينة، بحيث كانت أغلبية المجموعة المؤسسة للبوليساريو شاركت في تلك المظاهرات، وتعرضوا للضرب..

بمعنى أن البوليساريو إبان تأسيسها كانت تدعو إلى الوحدة مع المغرب ولم تكن انفصالية كما هو عليه الحال الآن؟

بدون شك، سأصل إلى هذا الأمر، المهم ذهبت مجموعة حركة 70 وهي حركة الزملة والتي أسسها بصيري والتجأت مجموعات منها إلى موريتانيا منهم أنا شخصيا وأحمد القايد صالح بيروك وعبد الرحمن ولد الرباني وامحمد ولد زيو ومجموعة أخرى. ثم هناك مجموعة من الطلبة الذين كانوا يدرسون في الجامعات المغربية مثل الولي والحضرمي وعبد العزيز، ومجموعات أخرى فرت عبر تندوف وتسللوا إلى بئر أم كرين واعتقلتهم موريتانيا هناك. وكنا نحن آنذاك في نواكشوط وبلغنا خبر اعتقالهم وأنه سيتم تسفيرهم إلى المغرب، فتدخلنا لدى محمد أحمد صالح وزير الداخلية الموريتاني من أجل إطلاق سراحهم باعتبارهم أبناء القبائل الموجودة في زويرات وبئر أم كرين والرقيبات وأولاد دليم ..، وقد تم  إطلاق سراحهم، ولذلك كانت بداية التأسيس في مدينة زويرات.

 فالبوليساريو في السنة الأولى، ومن خلال المؤتمر الأول التأسيسي لم تذكر الانفصال إطلاقا، وإنما تهدف إلى طرد الاستعمار الاسباني من الصحراء. ولم نناقش بتاتا هل تكون دولة أو لا تكون، هل تكون كيانا تابعا لموريتانيا أم المغرب، هذه الأمور لم نطرحها نهائيا، ما كنا نطرحه هو أن المستعمر الأوروبي النصراني يحتل أرضنا ويجب أن نجاهد ضده. هذا هو الشعار الذي رفعناه خلال السنة الأولى من تأسيس جبهة البوليساريو.

قيل إنه عام 1972 أن جماعتكم اتصلت بمجموعة من الأحزاب المغربية كي تساعدها على تحرير الصحراء، وطالبت المجموعة من هذه الأحزاب دعما دون أن تتبنى هذي الأحزاب الجماعة ولا تكون تابعة لها.. هل هذا صحيح؟

المجموعات التي كانت تدرس في الجامعات المغربية كالوالي والحضرمي وبيد الله وماء العينين الموجود في المجلس الاستشاري.. هذه المجموعة كان لها تنظيم سري هنا في الرباط، وهذا التنظيم اسمه “الحركة الجنينية” ومهمة التنظيم تتمثل في كتابة المذكرات باسم هذا التنظيم ويتم تسليمها للسفارات لتوضيح وشرح الوضع في الصحراء، وهذه المجموعة اتصلت بالزعيم علال الفاسي وحزب علي يعتة وزعماء من الاتحاد الاشتراكي وبعض التيارات المغربية التي كانت موجودة وتنشط ضمن UNEM (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، وحسب ما نقل لي الشباب، خصوصا الولي شخصيا رحمة الله عليه، أنهم قالوا لنا: “اذهبوا أنتم فقاتلوا ضد الاستعمار ونحن سنتفاوض مع إسبانيا باسمكم”، وهذا الكلام لم يعجب المجموعة، وهذا ما ذكره لي الولي نفسه عن علاقة المجموعة مع الأحزاب والتنظيمات السياسية المغربية…

وددنا لو تحدثنا عن الحركة التي سبقت البوليساريو، فأنت من تلا بيان انتفاضة الزملة في العيون عام 1970، ثم حضرت التأسيس للبوليساريو في الزويرات؟

هذه الحركة أسسها محمد سيدي إبراهيم بصيري، وهو من مواليد زاوية بني عياط في بني ملال، ووالده كان شيخ الزاوية بني عياط المعروفة بزاوية البصير، من عائلة البصير، والزاوية لا تزال قائمة إلى حد الآن، وكان بصري قد درس في سوريا وعاد إلى الدار البيضاء، ثم بعد ذلك انطلق في اتجاه السمارة وآوته القبيلة في السمارة، وكان في فترة معينة يُدرس القرآن كغطاء إلى أن بدأ في تأسيس الخلايا الأولى لما يسمى حركة “تحرير الصحراء”. والتي أطلقت  عليها إسبانيا فيما بعد اسم “الحزب المسلم”. وكانت في البداية حركة سرية تنشر مجموعة من الخلايا في مختلف المناطق: السمارة ثم العيون وحوزة اجديرية ثم تفاريتي إلى أن اكتشفتها إسبانيا في سنة 1970، لأن الحركة استطاعت أن تؤطر مجموعة من الجنود في الجيش الإسباني والذين ينحدرون من الصحراء وكذلك العمال ولها مجموعة من الخلايا، والإسبان أرادوا اكتشافها ويدفعونها إلى الظهور كي يصفوها. ومن أجل ذك دعا الاستعمار الإسباني في الصحراء إلى تنظيم مهرجان للجماهير الصحراوية من مختلف المدن يسمى مهرجان إدماج الصحراء في إسبانيا، وأشرف على المهرجان الجنرال والمقيم العام الإسباني في الصحراء، والحركة السرية وجدتها مناسبة هامة خاصة وأن المهرجان في ظاهره يدعو إلى تعزيز  الروابط والاندماج في الجسم الإسباني وبحضور الصحافة العالمية، اضطرت الحركة إلى مناهضة هذا المهرجان ودعت إلى تظاهرة أخرى في الحي الحجري الآن، أي الزملة، وبنت خياما وقامت بمظاهرات جالت في شوارع المدينة باللافتات والسيارات. فبادر الاحتلال الإسباني إلى مطالبة  الحركة  بحل المخيم، فرفضت الحركة ذلك المطلب، فتم إطلاق النار على المتظاهرين فسقط العشرات من الضحايا والجرحى والاعتقالات، كما اعتقل الضباط من العسكر الذين ينحدرون من الصحراء في جزر الكناري، وفيه مجموعات أخرى تم اعتقالها في الداخلة وأوسرد وتفاريتي ومختلف مدن الصحراء، وعمل الاحتلال بسياسة الإبعاد بحيث كل مجموعة يتم اعتقالها في مكان بعيد عن مدينتها أو منطقتها الأصلية، وهناك مجموعات أخرى فرت إلى موريتانيا وتابعت استمرار الحركة من خلال الاتصال بالسفارات الأجنبية وكتابة المذكرات. وأنا أتذكر أننا كنا من ضمن مجموعة من العناصر  ذهبت إلى موريتانيا بحيث عملنا على إنشاء مجموعة تلتقي مع السفارات الأجنبية خصوصا سفارات عربية وأوربية شرقية، كما أرسلنا مبعوثا إلى جبهة التحرير الجزائرية في بشار بمذكرة وأعلنا عن أنفسنا بأننا نحن الحركة التي ضربتها إسبانيا ونحن لا نزال مستمرين في مناهضة الاحتلال وطالبنا بالدعم والمساعدة.

سنعود إلى هذه النقطة، وهنا أود أن أسألك، لماذا رفضتم الحل الذي اقترحته إسبانيا عام 1975، حكم ذاتي لمدة 10 سنوات يعقبه استفتاء لتقرير المصير، وهو الحل الذي كان يدعمه السكان المحليون ممثلين في جماعة الشيوخ/ أي شيوخ الصحراء، والمفارقة أن جبهة البوليساريو قبلت بحل “بيكر” المخطط الشبيه بالحل الإسباني بعدما فرضت نفسها بدعم جزائري كونها الممثل الوحيد للصحراويين؟

آنذاك تخوفت البوليساريو أن تظهر زعامات محلية بديلا عنها، لأنها كانت حركة خارج الحدود بالرغم من أن لها بعض التنظيمات السرية، ولكن كانت توجد خارج الحدود..

هل تخوفت من سيدي إبراهيم بصيري مثلا؟

نعم، تخوفت من أن يطلع محمد سيدي إبراهيم بصيري من السجن ويصبح الزعيم الأساسي ويتم إهمال الآخرين، فكانت البوليساريو تتشدد في رفضها لأي تعامل يكون فيه الشيوخ نافذين أو يكون “البونس” (الاتحاد الوطني الصحراوي)الحزب الذي أسسته إسبانيا عام 1974 والذي كان يرأسه خليهن ولد الرشيد، وكانت معه وجوه صحراوية مثل عبد الرحمن الليبك وخداد.. إذن البوليساريو كانت ترفض أن تتعاطى مع أي عمل تبرز فيه جهات نافذة أخرى. خصوصا وأن البوليساريو بدأت تتوصل بالدعم الليبي عام 1974 عبر السفارة الليبية في نواكشوط، توصلنا بالسلاح والذخيرة مثل الكلاشينكوف، هذا  بالإضافة إلى الدعم المالي من الإخوة الليبيين، وبدأت البوليساريو تتقوى بهذا الدعم، زد على هذا أن الجزائريين أيضا عندما شعروا أن هناك اتفاقا سريا بين المغرب وموريتانيا لتقسيم الصحراء دفعوا وحرضوا البوليساريو بأن هؤلاء، أي المغرب وموريتانيا، حقروكم ونحن مستعدين لمساعدتكم، بل طلب منا الجزائريون أن نبني نواة مخيمات من البدو الصحراويين المتعاطفين مع البوليساريو، وكان ذلك سنة 1974 وهي بداية نواة مخيمات صغيرة في وديان الطوطرات ومناطق أخرى كالرابوني.

 وفي 1975 جاءت الجزائر بأناس من موريتانيا والجزائر وانضموا إلى المخيمات، وكانت الجزائر تتحرك بهدف إفشال التفاهم المغربي الموريتاني. إذن البوليساريو أصبحت مدفوعة بالدعم الجزائري والدعم الليبي لرفض كل المعطيات والحلول الأخرى.

نفهم من كلامكم أن البوليساريو حركة مغتصبة لقرار الصحراويين؟

هذا لا شك فيه. لأن البوليساريو نصبت نفسها بديلا عن الشيوخ، وكانت تهدف إلى تكسير سلطة المجتمع الصحراوي التقليدية التي كانت قائمة، ونصبت نفسها بديلا للشيوخ. و”الجمعية العامة الصحراوية” التي شكلتها إسبانيا. بحيث تم تنظيم معهم موعدا في كلتة زمور، أي طالبوا من شيوخ الداخلة والعيون وبوجدور والسمارة .. اللقاء مع الولي مصطفى السيد في كلتة زمور، وعندما وصل الشيوخ إلى المكان قيل لهم أن الموعد تغير وأصبح في تفاريتي، وذهب الشيوخ إلى تفاريتي، ولما وصلوا قيل لهم أيضا إن الموعد تغير وصار في اجديرية، بعدها قالوا لهم إن الموعد أصبح في المحبس، ومن المحبس قالوا لهم إن الموعد أصبح في الرابوني.. ثم كلتة زمور، يعني أن البوليساريو تمكنت من الشيوخ بطريقة مخادعة كي يصبح هؤلاء الشيوخ تحت رحمة البوليساريو، وهذا ما فعلوه طبعا،  وأصدروا بيانا سموه بيان الكلتة (كلتة زمور) وجاء في البيان أن الجمعية العامة حلت نفسها وشكلت المجلس الوطني الصحراوي على أنقاضها، لأنهم يخافون من السلطة الشرعية والتي كانت مؤسسة قديما في الصحراء والتي هي جمعية للشيوخ منتخبون من السكان..

لماذا اخترتم في المؤتمر التأسيسي غالي ولد سيدي المصطفى سفير البوليساريو حاليا في الجزائر أول أمين عام ثم انقلبتم عليه بعد سنة من ذلك؟

 إن تعيين إبراهيم غالي كأمين عام هو طعم موجه إلى سكان الأقاليم الجنوبية، لأن أغلبية المؤسسين جاؤوا من الشمال، من المغرب تحديدا، فلو نصبنا وجها آخر جاء من المغرب فلن يتعاطى معه الصحراويون، فجعلنا غالي إبراهيم أمينا عاما حتى نكسب السكان وود الصحراويين، وكان الأمين العام الفعلي الذي يستحق المنصب هو الولي السيد، مع أن الولي كان سكرتيرا لإبراهيم غالي، ولكن الوالي كان هو من يسير ويدبر ويحكم، وغالي إبراهيم كان صورة للتعميم والتعمية كوجه موجه للمناطق الداخلية خصوصا أن إبراهيم غالي كان شرطيا في العيون، وكان معتقلا ضمن حركة 17 يونيو 1970، بمعنى أن اسمه كان معروفا لدى السكان..

 ولهذا فإن إبراهيم غالي وضعته البوليساريو كواجهة على أنه جاء من المنطقة التي احتلتها إسبانيا، لأنه لو وضعت الوالي لقالوا بأنه مرتبط بالمخابرات المغربية لأنه آت من الرباط، ولو وضعوا الحضرمي أو محمد الأمين الليلي لكان نفس الشيء، فوضعوا شخصا من المنطقة المستعمرة.

ولماذا انقلبتم عليه بعد عام واحد فقط؟

لأنه لم يكن آمينا عاما حقيقيا، لأن المثل الشعبي يقول الأرض للي فيها العميان يتشيخو فيها العور/ الأعور في بلد العميان ملك. لان كفاءة الولي ومكانته فرضت هذا المعطى، هو مجرد صورة فقط تم انتزاعها ووضعنا مكانه الأمين العام الحقيقي. لان الولي هو كان أول من أجرى الاتصالات مع ليبيا وأول من أتى بالدعم من عند القذافي، والفقيه البصري وحركة 23 مارس نسقوا له مع الليبيين في طرابلس، فعرفوهم به وقدموه لهم لأنه كان ذكيا وكفؤا ويحظى بمكانة محترمة.

ولما شعرت البوليساريو عام 1974 بأنها تخطت المرحلة الأولى وأصبحت لها شرعية ثورية ولها فروع  في الداخل، تسلم الولي المصطفى السيد كل شيء..

نبقى مع مرحلة التأسيس، من أعطى شرعية التمثيل للبوليساريو، وهل يعتبر ما يسمى ببيان كلتة زمور في نونبر 1975 الذي أعلن فيه 67 من جماعة شيوخ القبائل الصحراويين عن حل جماعتهم ومبايعتهم للجبهة، هل هذه بداية التشريع للبوليساريو بحيث أصبحت متحدثا وحيدا باسم الشعب الصحراوي؟

في البداية كانت البوليساريو لا تحظى بشرعية شعبية انتخابية، والشرعية التي كانت لديها أخذتها من البدايات الأولى من محاربة الاحتلال الإسباني، تجسدت في قتال الإسبان بين الفينة والأخرى وسقط بعض الشهداء وأسرى من الجيش الإسباني، فهذه الحركات الأولى كانت بداية لتأسيس شرعية ثورية، ثم مجيء بعثة من الأمم المتحدة سنة 1975 للصحراء بحيث زارت العيون والسمارة وموريتانيا والمغرب والجزائر، وكانت الساكنة تتضامن مع البوليساريو لأنه لم يكن هناك حزب وطني منافس للبوليساريو، وحزب “البونس” كان محسوبا على إسبانيا، والشيوخ محسوبون على إسبانيا لأن الإدارة الإسبانية هي من تدعمهم ماديا.. ولكن هذه الشرعية فقدتها البوليساريو عندما أصبح سكان المخيمات يتظاهرون ضد البوليساريو، عندما أصبح أغلبية العناصر الثورية الأولى التي خاضت الحرب ضد إسبانيا تعتقل وتعيش في السجون وتنفى وتعذب وتعاني، فالبوليساريو فقدت شرعيتها الشعبية أمام سكان الصحراء، البوليساريو لم تستطع أن تصنع إجماعا صحراويا من خلال وحدة توافقية، إنما استطاعت أن تهيمن على الجمعية وعلى الصحراء وتفرض حزبا واحدا ورؤية واحدة وشخصا واحدا وأمرا واقعا واحدا، هذا ما أفقدها القيمة الاجتماعية لأنها نصبت ديكتاتورية الحزب الواحد، يحكم بدون حق ويعتقل ويحبس دون حق، وهذه الصفة أفقدت البوليساريو أي شرعية وأي قبول على مستوى القاعدة الشعبية، وأصبح الكثير من أطر الصحراء مشردين في إسبانيا ومنهم من ذاب في الجزائر ومنهم ذهب إلى موريتانيا ومنهم من اتجه إلى مالي، والكثير منهم عاد للمغرب.

 فالعصابة الحاكمة في البوليساريو منذ أربعين سنة استطاعت أن تؤسس ديكتاتورية قمعية وحكم عضوض وأصبحت الزمرة الحاكمة  كخاطفي الطائرات وسكان المخيمات كركاب الطائرة  المخطوفة، فالخاطف يهدد بتفجير الطائرة في أي وقت تحت التهديد، أصبح الناس يعيشون تحت التهديد، لا أحد  له الحرية في السفر إلى موريتانيا أو إلى داخل الجزائر ولا لأية جهة، أصبح الناس رهائن تحت رحمة البوليساريو، والتمويل الذي يأتي من المنظمات الإنسانية العالمية تستعمله لتثبيت السلطة والقهر ضد المجتمع، فالناس لا هم عاشوا كرامة ولا رفاهية، فالناس انطلقوا في مقاومة الإسبان من أجل الكرامة أولا، وفي الأخير فقدنا الكرامة وفقدنا الحياة، عذاب في مناخ سيئ وحياة تعيسة. إذن البوليساريو فقدت شرعيتها عندما بدأت تعتقل الصحراويين المناضلين..

والسؤال الذي يطرحه المتابعون لملف الصحراء.. كيف أقنعت الجبهة شيوخ القبائل بأن يحلوا جمعيتهم ويصبحوا جنودا تحت امرأة شبان صغار في السن، وما هو المقابل الذي كوفئ به هؤلاء من قبل المجلس الوطني الذي أسسه شيوخ القبائل بعد حل أنفسهم؟

البوليساريو تحايلت على الشيوخ وخدعتهم، طلبت منهم البوليساريو لقاء تشاوريا في كلتة زمور، باعتبار الشيوخ قيادات شعبية ومنتخبة من قبائلهم فالبوليساريو ستستشيرهم في لقاء تشاوري في الكلتة، وحين وصلوا للكلتة أخبروهم بأن اللقاء أصبح في اجديرية، ولما وصلوا لاجديرية أخبروهم بأن اللقاء بات في تفاريتي، وبعدها قالوا لهم في المحبس، ولما وصلوا للمحبس على بعد 90 كلم من تندوف، والحمادة وهكذا.. إذن صار الشيوخ رهائن لدى البوليساريو وتعرضوا لخداع ولم يعد لهم خيار آخر في التأييد أو المعارضة، وهذا ما كانت تريده البوليساريو، وامهمد ولد زيو وهو من البوليساريو وضعوه على رأس المجلس، وأصبح هو البديل عن جمعية الشيوخ، وهكذا استولت البوليساريو على الشيوخ وأصبحوا ورقة في يدها..

أنت من أعلن عن قيام دولة الجمهورية الصحراوية في بيان الإعلان، لماذا لم يذع هذا البيان من قبل أحد الشيوخ؟

البيان التأسيسي للجمهورية أذاعه الولي المصطفى السيد في تصريح للإذاعة الجزائرية في منطقة تبعد 30 كيلومتر من الرابوني تسمى “كعيدة لبار”. أما أنا فقمت بإذاعة الجانب الإعلاني من التأسيس عبر وسائل الإعلام في ليبيا. لأني جئت إلى ليبيا في شهر يوليوز من سنة 1975، أي قبل تأسيس البوليساريو وقبل خروج إسبانيا وأنا كنت في ليبيا، وقد توليت الجانب المحدد في نشر إعلان التأسيس في ليبيا..

أنت إذن لم تتل بيان التأسيس بل أذعت البيان في ليبيا..

نعم..

ولماذا لم يتل بيان التأسيس أحد الشيوخ بدل الولي المصطفى السيد؟

لأن الشيوخ أصبحوا لعبة في يد البوليساريو، ولم تعد لهم سلطة حقيقية، فالسلطة كلها باتت في يد البوليساريو..

يعني أن مجلس الشيوخ قد تم حله نهائيا؟

أصبح مجلسا مؤقتا يرأسه عضو من المكتب السياسي للبوليساريو..

هل تعتقد أن الشيوخ تعرضوا للخديعة كما خُدع عامة الصحراويين من قبل البوليساريو؟

بدون شك، لأن المواعيد التي أخلفتها البوليساريو في تعاملهم مع  الشيوخ من موعد في كلتة  زمور إلى جديرية إلى تفاريتي إلى المحبس، فهذا كان نوع من الغش للسطو على شرعية الشيوخ الشعبية، ولذلك تم جرهم إلى الحمادة بمواعيد كاذبة ومخاتلة..

الملاحظ أن شيوخ القبائل التي أسست عليهم البوليساريو شرعيتها قد أعادت لهم بعثة المينورسو الاعتبار. هل يمكن أن يستعيدوا دورهم اليوم ويسحبوا من البوليساريو التفويض الذي أخذته عنهم بالخداع عام 1975، لاسيما وأن أغلبيتهم عاد من جديد لمبايعة المغرب؟

أغلب هؤلاء الشيوخ مات نتيجة التقدم في السن، والكثير منهم أيضا أصبح طاعنا في السن، ولم يعودوا قوة فاعلة مثل ما كانوا في الماضي، ولكن هذا لا يمنع أن أولادهم وأحفادهم الذين تولوا النيابة عنهم، لأن كل شيخ بمنطق المينورسو يمثله ابنه الأكبر أو من كان في اللائحة الانتخابية يليه في الانتخاب، ولذلك بإمكان الشيوخ أو أبناء الشيوخ الذين تولوا المسؤولية بعد وفاة أبائهم أو عجزوا جسمانيا، أن يكونوا في مستوى المسؤولية ويحاسبوا البوليساريو على ما ارتكبته واقترفته من ذنوب في حق الأهالي ويعلنوا عن إرادتهم على أنهم يمثلون  القبائل ويمثلون المصلحة، لأن الشيخ يمثل المصلحة العميقة للسكان، وعندما ينسلخ من هذه المصلحة لن يكون شيخا، أي حكم على نفسه بالإعدام، لأن الشيخ يجب أن يكون رمزا يمثل المصالح الحقيقية للساكنة ويدافع عنها، ويجب طرح أسئلة من قبيل: لماذا قتلت البوليساريو المئات من أبنائهم ولم يسألوا؟ ولماذا تشرد البوليساريو الآلاف من أبنائهم وذويهم ولم يسألها أحدا؟. هذه أسئلة لابد من طرحها.

نعود إلى الخدعة التي تعرض لها الشيوخ من لدن جماعة البوليساريو، هل تعود أسباب الخداع والتحايل إلى عامل ثقافي، أي أن الشيوخ كانت لهم ثقة في أنفسهم أكثر من اللازم في مقابل ذلك أن عناصر البوليساريو جاؤوا من الكليات والجامعات ويتقنون أسلوب المناورات والتفاوض لأنهم تدربوا على ذلك من خلال UNEM (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) التي خرج منها سياسيون ومثقفون وإعلاميون وتنظيمات سياسية مغربية مختلفة؟

هذا صحيح إلى أبعد الحدود، ولكن الشيوخ كانت لهم ثقة زائدة في النفس لأنهم لم يكونوا يعتقدون أن أحدا يستطيع أن يتلاعب بهم، يعني كانوا يتوهمون أنهم محصنون برمزيتهم الكاريزمية، ولكن العكس هو ما وقع.. (يضحك).

المؤسسون الفعليون للبوليساريو كانوا يدرسون في الجامعات والثانويات في المغرب، وكانوا متأثرين بالفكر اليساري السائد حينئذ، هل كانت لهم علاقات بالمتشددين من اليسار المغربي خاصة جماعة الفقيه البصري ودهكوك؟

بدون شك، لأن هذه المجموعات المحسوبة على اليسار المغربي، أو إن شئتم حتى الأحزاب المعتدلة كحزب الاستقلال، هؤلاء كلهم كانوا حاضنة لهؤلاء الشباب عندما كانوا يدرسون في الجامعات المغربية، وكانوا قد أسسوا إطارا يتحركون تحته باسم “الحركة الجنينية” فكانوا يكتبون مذكرات باسمها ويسافرون ويلتقون ببعض السفارات ويلتقون ببعض الأحزاب تحت هذا العنوان، أي الحركة الجنينية.

ما معنى حركة جنينية؟

حركة جنينية أي أنها وليدة، وهو مجرد اسم تنظيمي من أجل التحرك تحت عنوانه، بدل أن يوقعوا بيانا أو مذكرة باسم شخص يكتبون اسم حركة، وحين نعود إلى الكتابات في الصحف المغربية مثل جريدة  23 مارس هناك كتابات حول الإرهاصات الأولى لنشأة البوليساريو، وكانوا يتعاطون مع هذي الأحزاب، خصوصا حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الوطني لطلبة المغرب والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.. أي مختلف الإطارات السياسية والنقابية المغربية كانت لهم اتصالات بالحركة الجنينية.

وحسب ما قاله لي الولي رحمة الله عليه أن بعض الأحزاب المغربية ومنهم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي قالوا له: اذهبوا أنتم فقاتلوا ونحن نتفاوض مع إسبانيا باسمكم.

(يتبع)

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي