حلل باحثون وأكاديميون في القانون العام والعلوم السياسية، ليلة الجمعة، القانون العام للأزمات بقراءات متقاطعة و بتسليط الضوء على مختلف جوانب الموضوع.
وقد شملت الجلسة الأولى من هذه الندوة التفاعلية، التي نظمت عن بعد، من قبل شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، وبشراكة مع مؤسسة هانس زايد الألمانية، حول موضوع ” القانون العام للأزمات: قراءات متقاطعة” مواضيع القانون الدستوري والأزمات الحقوقية، السياسيات العمومية والأزمات، قانون الجماعات الترابية والأزمات المجالية، الفكر السياسي والأزمات المجتمعية.
“لا يمكن إطلاقا انتهاك الحقوق والحريات مهما كانت الظروف والأحوال، كما ينص الفصل 59 من الدستور المغربي، على أن الحقوق والحريات المنصوص عليها تبقى مضمونة” يقول أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، مضيفا، كذلك في حالة الحصار لايمكن انتهاك الحقوق والحريات، والشيء نفسه ينطبق على تطبيق حالة الطوارئ الصحية التي لايمكن فيها انتهاك الحقوق والحريات.
ويستدرك مفيد، بخصوص حالة الطوارئ الصحية، “لكن مادامت هذه الاخيرة حالة غير متوقعة، فهي تفترض أحيانا اللجوء إلى بعض التدابير المؤقتة، والتي قد تقيد بعض الحقوق. ويشدد مفيد أن كلمة التقييد ليست هي الانتهاك إطلاقا، والأساسي في هذا الصدد هو ما ينص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يتضمن بعض الحقوق المطلقة، التي لايمكن بتاتا تقييدها مهما كانت الظروف والأحوال كالحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية للأشخاص وهي حقوق مطلقة.
وعلى النقيض من ذلك، يضيف مفيد أستاذ القانون الدستوري، أن هناك بعض الحقوق المقيدة، وهي مرتبطة بظروف تطرح سؤال: متى تقيد وكيف يمكن أن تقيد؟ ويجيب قائلا: “يمكن أن تقيد في حالات الطوارئ، ولكن بشروط، من قبيل أن يكون التقييد محددا من حيث الزمن وتفرضه الضرورة، لأن جميع الدول في العالم التي أعلنت حالة الطوارئ فهي فرضت الحجر الصحي، وقيدت حرية التنقل، العمل، والتجمع، وهي أمور يرى الباحث بأنها ضرورية وتفرضها الظروق، لأن ترك الناس يتنقلون وكأنهم في حالة عادية فلن نتمكن جميعا ولن تتمكن السلطات العمومية من إيقاف هذه الجائحة.
ومن تم يؤكد المتحدث ذاته، أنه رغم هذا التقييد المؤقت والذي تفرضه الضرورة، فهو لا يسمح لأي جهة كما كانت أن تنتهك الحقوق والحريات أو أن تتفاعل بعنف مع أي كان، بحيث يجب التعامل مع الأشخاص الذين لم يلتزموا بحالة الطوارئ الصحية من خلال المساطر والضوابط القانونية التي يمكن اللجوء إليها دون المساس بكرامتهم أو سلامتهم الجسدية.
فهذا الأمر لا يطرح أي خلاف على المستوى القانوني، بحسب مفيد، ولكنه على مستوى الممارسة يطرح مجموعة من الإشكالات وهذا ما يتطلب الرفع من الوعي القانوني لمنفذي القانون من جهة أولى، و لمختلف المواطنين من جهة ثانية، لتفادي كل ما يمكن أن يؤدي إلى مساس بالحقوق والحريات، مبرزت ضرورة التصدي له عن طريق الجهات المختصة.
وقد تحدث عن أدوار المؤسسات الدستورية في معالجة هذه الأزمات والمخاطر، راصدا كيف تعاملت السلطات المغربية مع الوضع بمن زاوية تشريعية. وقد أكد أن مثل هذه الأزمات ينبغي مواجهتها بعدة أساليب لأنها تشكل مخاطر غير متوقعة وبالتالي فلا بد أن يكون للدولة قانون أساسي لتدبيرها، ولذلك يجب أن يتضمن الدستور مقتضيات “اعتماد التوقع”.
ومن جهته أكد محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن المنطق القيمي له دور مهم في تدبير الأزمات بشكل أمثل، وقال إننا “لاحظنا بأن هناك أزيد من 200 إجراء، تم اتخاذه من طرف الحكومة المغربية وبالتالي فالسؤال المطروح يرتبط بمدى فعالية تلك الإجراءات. ولاحظنا بأن مجموعة منها وجدت صعوبة كبيرة إن لم أقل مستحيل تفعيلها على مستوى الواقع، لأن القيم التي نحملها في بعض الأحيان لا تتوافق وتلك الإجراءات”.
ومن المؤكد أن هذا الإجراء، يقول الغالي “أملته ظروف استثنائية طارئة وللنظام القيمي دور مهم. هناك مسألة أساسية تتعلق بالمصلحة والمصلحة هي العقيدة، بمعنى أنني كمواطن لا أقبل إلا بالحدود التي أحس من خلالها بأنني أستفيد وإذا العكس قد يكون لدي رأي آخر، ومن تم تكون مقاومات أخرى للإجراءات المعتمدة، وهذا ما يفرض ضرورة حضور مسالة القيم”.
و حسب المتحدث عينه، يجب أن يكون نموذج للسياسات العمومية في كيفية الإدارة والتدبير، وعندما تطرح هذه العناصر ” فأنني أحاول أن أكشف عن الصعوبات والإكراهات . هل تتصورون معي الآن إذا لم تحضر قيم الاندماج والتعاون والتضامن، في أمور مثل المساعدات المادية المباشرة التي تقدمها الدولة، حيث يمكن أن تعطي أثرا إيجابيا كما هو موضوع. و”لاحظنا في مجموعة من الحالات غياب قيم التعاون والتضامن، باعتبار أن مجموعة من الأشخاص استفادوا من دعم “رميد” رغم أن حالهم ميسور، وفي المقابل عائلات أخرى لم تستفيد بسبب اعتبارات تقنية.
مسألة الشفافية في التعامل مع الظاهرة، يضيف الغالي، وفي “نقل المعطيات والمعلومات إلى الميدان، ولا يمكن تسيير وتدبير هذه الأزمة إذا لم يكن هناك مخطط أساسي فيما يتعلق بالحضور القوي في كل المناطق، الاحياء، الفضاءات، والمجالات، تم الحفاظ على سقف المطالب وهي ليست مسالة سهلة، لأننا في منطق السياسات العمومية نتحدث عن العرض، الطلب، المردودية، الفعالية، والنجاعة”.
إن موضوع الأزمة من زاوية السياسات العمومية التي أكد بأنه لا يجب اعتبار السياسات العمومية لا تنطلق فقط بالآليات والوسائل والمناهج والبراديغمات والنظريات التي يغلب عليها الطابع التقني، ولكن هذه التقنيات يجب أن تكون خادعة للمنطق القيمي ليس فقط المنطق المعياري الصرف.
وبخصوص مقاربة السياسيات العمومية لهذا الموضوع، يؤكد الغالي أنه إذا تم الانطلاق من التعريف البديهي للسياسات العمومية فهي تتعلق بالدولة في حالة فعل أي كل الأعمال والسلوكات التي تقوم بها الدولة تكون موضوع اهتمام، يعني هنا الحديث عن مقاربة “إمبريقية” عملية تجريبية والسياسات العمومية، تتعلق بتنزيل مختلف النظريات والتصورات التي تبرز محاولة لترجمتها، من خلال المقاربات والتقنيات لإعطاء حلول للمشاكل المطروحة.
ويضيف المتحدث ذاته، أنه بمجرد الجديث عن “أزمة” فإننا نتحدث عن وضع غير عادي وهنا بطبيعة الحال، عند البحث في مختلف المعاجم السياسية، اللغوية، والفلسفية، فإن مفهوم الأزمة يدل على أن هناك وضع يتغير نحو اتجاه فجائي سلبي، بمعنى أن مسالة السلبية هي موجودة وهنا أحال الغالي، على تشخيص وتوصيف “مهم” حسب قوله، بخصوص كتابه بنية الثورات العلمية، الذي بتحدث عن النظريات والبراديغمات.
واعتبر الباحث نفسه، أن كل براديغم أو كل نظرية فهي تمر من مرحلتين وهما: مرحلة الزمن العادي وهي المرحلة التي تكون فيها النظرية والبراديغمات والآليات والوسائل التي نشتغل بها قادرة على إعطائنا أجوبة للوضعية التي نعيش فيها.
وهنا يؤكد المتحدث على “مسالة الوضعية التي نعيش فيها”. ثم مرحلة الزمن غير العادي وهي مرحلة الأزمة بمعنى أننا نصبح في وقت غير قادر على مدنا بأجوبة مينة ورصينة توفي بالمطلوب، ليظل التساؤل المطروح بالرجوع إلى القانون الدستوري للأزمات الذي لا يتضمن مفهوما للأزمة.
“لاحظنا أن الجائحة الآن هي تظهر كأنها مرض يصيب الناس، ولكن هذا المرض فهو يتعلق بصحة المواطنين والمواطنات والصحة تشكل موضوعا استراتيجيا وأساسيا في السياسات العمومية”، ولذلك فالسياسي معني بها، وكل قرار يتخذ في هذا الصدد فهو محاط بمجموعة من المخاطر، ومن بينها الأمور الاقتصادية.
للفكر الفلسفي والسياسي دور مهم لفهم أحداث الحاضر من خلال تجارب الماضي، باعتبار أنهما ارتبطا بوجود الإنسان وماهيته…” ما غاية الدستور؟ فعندما نتحدث عن مشكل الدولة سنعود إلى مؤسسي الدولة الحديثة”، يقول عبد الرحيم العلام، أستاذ الفكر السياسي والقانون الدستوري مبرزا دور الفكر السياسي والفلسفة السياسية في حلحلة الأزمات.
وقال العلام إن الفكر الفلسفي والسياسي مرتبطان بوجود الانسان، “فالفكر السياسي لم يخلو منه مجتمع ولا حقبة ولا أنجلوسكسون ولا فرنكوفون”، وضيف المتحدث عينه أنه كلما حدث لنا شيء أو وقعت لنا أزمة، كلما هرعنا إلى كتب الفلاسفة، المؤرخين، والمهتمنين بالفلسفة، على الأقل السياسية عن طريق فلاسفة كجون جاك روسو، طوماس هوبز، جون لوك، وذلك قصد معرفة ما الذي يحدث في اللحظة وكيف حدث عند الآخرين؟.
وأكد العلام أنه قريبا كل ما نناقشه اليوم نوقش في الماضي، من قبل الفلاسفة والمفكرين، وبعض أجوبة الحاضر ربما نتلمسها عند القدامى، ويعطي مثالا لعدة مواطيع تنساق ضمن: سعادتنا، موتنا، شيخوختنا، ديمقراطيتنا، لا ديمقراطيتنا، طغياننا، استبدادنا، حرياتنا، ومواطنتنا، كل هذه الأمور حسب العلام، يمكن العودة إلى الفكر السياسي وإلى الفلسفة السياسية.
“اليوم عندنا مشكل الديمقراطية، لايمكن أن نتحدث حول الدولة الديمقراطية دون أن نعود بها إلى أصولها، لأننا سنختلف حول مفهوم الديمقراطية وهل هناك ديمقراطية؟..فكل الأنظمة اليوم، تقول عن نفسها ديمقراطية لكن ما المقصود بها؟
هناك مشكل المواطنة، ما الفرق بين المواطنة والوطنية، إشكال من بين الإشكالات التي تحتاج للرجوع إلى تاريخها وإلى من أسس لفكرة المواطنة، وبالتالي فاللفكر السياسي حاضر ولابد من الرجوع إليه كما جاء على قول الأستاذ العلام.
ويظل الفكر القانوني المغاربي. .. واقعي في قراءة تقييد الحقوق .. بالتماس الظروف … من علي الندوة والآراء.