شارك المقال
  • تم النسخ

بعد فشل الجزائر في الضغط على إسبانيا.. هل يلتقط ماكرون إشارة “عجز تبون” ويسير على خطى الولايات المتحدة الأمريكية؟

لم يكن عبد المجيد تبون، يعلم، عشية يوم السبت الـ 19 من شهر مارس من سنة 2022، بأن قرار استدعاء سفيره لدى إسبانيا، واختياره التّصعيد، ضد موقف حكومة مدريد الجديد من قضية الصحراء المغربية، سيأتي بنتائج عكسية قد تؤدي إلى تسريع الخطى نحو حسم هذا النزاع الإقليمي لصالح الجار الغربي.

الجزائر تواصل التصعيد لخنق مدريد

واصلت الجزائر منذ ذلك اليوم، التصعيد ضد إسبانيا، عبر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا، ثم ممارسة تضييق غير مسبوق ضد الشركات المنحدرة من المملكة الإيبيرية التي تنشط في البلاد، وتقليل صادرات الغاز نحو الدولة الأوروبية، خصوصا المسال منه.

رغم كلّ هذا التّصعيد، الذي كان قصر المرادية يعتقد، في ظل الوضع العالمي الراهن، وحاجة إسبانيا إلى الغاز، أنه سيؤتي أُكله سريعا، وأن مدريد ستضطر للتراجع عن موقفها الداعم للمغرب، غير أن هذا لم يحدث، إذ استمرت حكومة بيدرو سانشيز في تأييد الحكم الذاتي لإنهاء نزاع الصحراء، بل وطوت، بشكل شبه كلّي، صفحة الجزائر.

سنة بدون نتائج.. وتبون يُراهن على اليمين

بعد أكثر من سنة على بدأ التصعيد، وفي ظل غياب أي نتائج، وضعت الجزائر كل آمالها على خسارة كتلة اليسار في إسبانيا، التي يفترض أن أطيافها في العالم حليف استراتيجي لـ”قصر المرادية”، وفوز اليمين، بقيادة زعيم حزب الشعب، ألبيرتو نونيز فييخو، في الانتخابات العامة التي جرت في الـ 23 من شهر يوليوز الماضي.

هذا الاحتمال الذي راهنت عليه الجزائر، لم يحدث أيضا، لكنها تمسكت بخيط الأمل إلى غاية آخر لحظة، حيث كانت تنتظر وقوع مشاكل بين اليسار الإسباني، خصوصا الكاتالوني، وبين سانشيز، وبالتالي عجز الأخير عن تشكيل الحكومة، وإعادة الانتخابات العامة، وهو ما قد يحمل اليمين إلى رئاسة الحكومة، لكن ذلك لم يحصل.

بعد التأكد من الفشل.. تبون يخنع ويقرر إنهاء الأزمة

قُبيل تنصيب حكومة بيدرو سانشيز، قرّرت الجزائر، ودون سابق إنذار، إعادة سفيرها إلى مدريد، بمُبرّر، خجلت سلطات قصر المرادية نشره، واكتفى مسؤولون اقتصاديون وسياسيون بترويجه، هو موقف بيدرو سانشيز من القضية الفلسطينية، المختلف عن بقية زعماء الدول الغربية.

الموقف سالف الذكر، لم تجرأ السلطات الجزائرية على الحديث عنه، إذ لم تنبس ببنت شفة لتوضيح أسباب إنهاء قطيعتها الدبلوماسية مع إسبانيا، دون تحقيق أي شيء مما أرادته، وهو ما جعل مراقبين يرون بأن هذا الأمر، سيؤدي إلى نتائج عكسية ضخمة على النظام الجزائري، خصوصا في نزاع الصحراء.

فشل الجزائر مع إسبانيا.. رسالة إلى الدول الغربية

ويرى مراقبون أن فشل الجزائر في الضغط على إسبانيا، وإجبارها على التراجع عن تأييد المغرب في نزاع الصحراء، يحمل رسائل سلبية على مستقبل البلاد في الساحة الدولية، بحيث ظهر جليا أنها “قصر المرادية” غير قادر على ممارسة أي ضغط على الدول الأجنبية التي تعادي مصالحها.

ومن شأن هذا الأمر، أن يدفع بلدان أخرى، على رأسها فرنسا، والمملكة المتحدة، إلى السير في الطريق الذي اختارته الولايات المتحدة الأمريكية في دجنبر من سنة 2020، خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، عبر الاعتراف صراحة بمغربية الصحراء، بدل الاكتفاء بالتأييد المحتشم لمقترح الحكم الذاتي.

الدبلوماسية الهجومية عجزت عن تحقيق أي شيء

وفي هذا الصدد، قال عبد العالي بنلياس، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه “من الواضح اليوم أن الدبلوماسية الهجومية التي نهجتها الجزائر في علاقتها مع أصدقاء المغرب، ومع المغرب نفسه”، قد أبانت “عن عجزها وفشلها”.

وأضاف بنلياس في تصريح لجريدة “بناصا”، أن الجزائر، كانت ترمي من وراء هذه الدبلوماسية الهجومية، التي فشلت في نهاية المطاف، “تحقيق بعض المكاسب في صراعها الجيوسياسي مع المغرب من خلال قضية الوحدة الترابية، واستغلال حاجة الدول الغربية لتدفق الغاز والبترول إلى شرايين الاقتصاد الأوروبي، لابتزاز إسبانيا وفرنسا وإيطاليا لتغيير مواقفها من قضية الصحراء المغربية”.

العلاقات بين المغرب وإسبانيا ليست محل مساومة.. وفرنسا في الطريق

وأرجع بنلياس، أسباب فشل الجزائر في هذا النهج، خصوصا ضد إسبانيا، إلى أن “العلاقات الاستراتجية التي تربط اليوم والأمس مع الجار إسبانيا، لا يمكن أن يكون محل مساومة ولا مقايضة من طرف الدولة الإسبانية التي تعرف جيدا أن العلاقات بين الدول هي مستويات ومجالات مختلفة لا يمكن أن تقاس بنفس المعيار والميزان والمصالح”.

وتابع المتحدث أن “اعتراف إسبانيا بمقترح الحكم الذاتي كخيار أوحد ووحيد لحل النزاع المفتعل حول سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ليس موقفا تكتيكيا يرتبط بالظروف التي مرت منها العلاقات المغربية الإسبانية، بل هو قرار إستراتجي يعكس موقف الدولة الإسبانية من هذا النزاع الذي لا سبيل لحله إلا من خلال الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه كما فعلت عدد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية”.

كما أن فرنسا، يضيف بنلياس، “رغم أنها تحاول أن تلعب على التناقضات التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية، فإن الموقف الحازم للدبلوماسية المغربية إزاء هذا الموضوع سوف يدفعها إلى توضيح موقفها أكثر من هذا النزاع من خلال مساندة ودعم مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد لطي هذا النزاع الإقليمي”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي