رغم توصل التيارين المتنازعين داخل حزب « الأصالة والمعاصرة » المغربي إلى مصالحة، عقب خلاف اعتُبر الأقوى في تاريخه، إلا أن تجاذبات داخلية لا زالت تطفو على السطح، قبل مؤتمره العام الرابع الجمعة.
يوصف الحزب بأنه مقرب من السلطة، وحل ثانيًا في أخر انتخابات تشريعية عام 2016، خلف « العدالة والتنمية » (إسلامي- قائد الائتلاف الحكومي)، وعرف أزمة عصفت به ووصلت أصداؤها إلى الإعلام والقضاء، ما جعل كثيرون يتنبؤون بتشتت صفوفه.
الأزمة ترتب عنها ظهور تيارين متصارعين داخل الحزب، أُطلق على أحدهما، وهو المناوئ لسياسات الأمين للحزب، « تيار المستقبل »، بينما أُطلق على التيار المناصر للأمين العام، « تيار الشرعية ».
ولاحقًا، اتفق فرقاء الحزب على وضع نهاية للأزمة، بتوقيع مصالحة، أواخر يناير الماضي، تقرر بموجبها طي صفحة الخلاف، والتوجه إلى المؤتمر العام الرابع لاختيار قيادة جديدة.
مسار الأزمة
تأسس « الأصالة والمعاصرة »، عام 2008، على يد فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق لدى وزارة الداخلية، والمستشار الحالي للعاهل المغربي، محمد السادس.
واشتدت أزمة الحزب الداخلية عقب قرارات من أمينه العام الحالي، حكيم بنشماس، أثارت ردود أفعال غاضبة داخله، ودفعت مناوئين لبنشماس إلى عقد مؤتمر صحفي أعلنوا فيه رفضهم لقراراته واعتبارها مخالفة للنظام الأساسي للحزب.
وكان بنشماس قرر عزل أحمد اخشيشن من منصب نائب الأمين العام، وإبعاد عزيز بنعزوز من رئاسة الكتلة النيابية للحزب بمجلس المستشارين (الغرقة الثانية للبرلمان).
كما أعلن بنشماس شغور منصب الأمين العام الجهوي بسع جهات (محافظات) من أصل 11، في خطوة وصفها معارضوه بالانتقامية من المعارضين له.
هذه القرارات أعقبها إعلان بنشماس عدم شرعية استمرار اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحزب، واعتبار أي اجتماع للجنة لاغٍ، حسب النظام الأساسي.
ورفع بنشماس، في يوليو الماضي، دعوى قضائية طالب فيها ببطلان عمل اللجنة، لكن القضاء حكم بشرعيتها.
وعقب قرار القضاء تعالت الأصوات داخل الحزب بضرورة تجاوز الخلافات، ما ترتب عنه عقد مصالحة، وأعلن المكتب السياسي للحزب، في بيان، إنهاء خلافاته الداخلية، والتفاعل إيجابًا مع المبادرات الداعية لتحصين وحدة الحزب.
لكن يبدو أن المصالحة لم تطو أزمة الحزب نهائيا؛ إذ أعقبتها تجاذبات وصلت إلى القول بإمكانية تأجيل المؤتمر الرابع للحزب.
مجرد مطب
هذه الأزمة هي « مجرد مطب سيعطي قوة دفع جديدة للحزب في المرحلة المقبلة »، بحسب عبد اللطيف وهبي، عضو المكتب السياسي للحزب، الذي أعلن عزمه المنافسة على منصب الأمين العام، وأحد قيادات « تيار المستقبل ».
وأضاف وهبي للأناضول أن حزبه قادر على « استعادة دوره ومكانته التي كان عليها قبل الخلاف، فجميع مكونات قوته، والمتمثلة بمؤسسات الحزب والجسم البرلماني الموحد له، لا زالت موجوده ».
واعتبر أن توجه الحزب موحدًا نحو مؤتمره الرابع لاختيار قيادة جديدة « سيعيد الحزب إلى القوة التي كان عليها قبل الأزمة ».
ورأى أنه « من الطبيعي ظهور مثل هذه التجاذبات بين كوادر الحزب، نظرًا لتغير قيادته، ونظرًا للتوجه الذي كان يدفع نحو استمرار الوضع الحزبي كما هو بمشاكله وبلا ديمقراطيته ».
صراع مصالح
بينما اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول (حكومية)، أن الخلاف داخل « الأصالة والمعاصرة » اليوم « ليس خلافًا سياسيًا أو أيديولوجيًا لتقدير المرحلة، بل خلاف مصالح ومحاولة تقديم جواب للدولة حول مستقبل الحزب وتموقعه لضمان رعايتها له ».
وتابع اليونسي للأناضول أن « ظروف نشأة الحزب ووضعه داخل المشهد السياسي ستظل تلاحقه »، في إشارة إلى تأسيسه من جانب فؤاد عالي الهمة مستشار الملك، واعتراف قيادته مرارًا بأن تأسيسه استهدف محاربة الإسلاميين.
واستبعد اليونسي أن يتجاوز الحزب الأزمة الراهنة؛ معتبرًا أنه « يعاني مشكلة بنيوية، فهو خليط من الأعيان والكائنات الانتخابية التي يُعتمد عليها لتحقيق توازنات انتخابية ».
ورأى أن « عدم وجود هوية سياسية معينة للحزب، عدا عن وجود بعض مناضلي اليسار فيه والذين يجرون خلفهم تجربة سياسية دون وجود عمق جماهيري، يشكل حاجزًا أمام أية مصالحة ».
ويبدو أن الانتخابات التشريعية المقبلة، عام 2021، وحدها ستكون الفيصل في تحديد مدى استعادة « الأصالة المعاصرة » لمكانته الحزبية والسياسية، التي كان يتمتع بها قبل أنه يتسلل الخلاف إلى صفوف قياداته.
تعليقات الزوار ( 0 )