شارك المقال
  • تم النسخ

بعد إعلان حالة الطوارئ.. هل نحن في الحاجة لتعديل الدستور المغربي؟

تعريف:

الطوارئ في اللغة والإصطلاح القانوني هي حالة من التأهب توضع فيها البلاد وأجهزتها لمواجهة وضع داخلي أو خارجي متأزم. وحالة الطوارئ تبعا لذلك هو وضع يخول للسلطة التنفيذية، أي الحكومة حق تقرير والقيام وتنفيذ أعمال، أو فرض سياسات لا يُسمح لها عادة القيام بها لعلاقتها بالحقوق والحريات الفردية والجماعية، أو لأنها تدخل في اختصاص سلطة أخرى.

أولاً: ولاية اقرار حالة الطوارئ والصلاحيات؛

تضطلع الحكومة في حالة الطوارئ بصلاحيات واسعة لتفويض وتوكيل، وانتداب الأجهزة الأمنية لمواجهة أوضاع طارئة، مع الالتزام بمدة محددة قانونا، ووجود وموانع تحول دون استمرار وضع الحالك إلى أجل غير مسمى، أو انحرافها لمنحى غير الذي قررت لمواجته.

وتعطي دساتير الدول عادة لرئيس الدولة، أو لرئيس الحكومة صفة واختصاص إعلان حالة الطوارئ، ولمدة محددة قد تكون قابلة للتمديد، بعد استشارة أو موافقة البرلمان، وتختلف المدة والاجراءات من دولة إلى اخرى.

ففي أسبانيا أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وفقا للمادة 116 من الدستور، والقانون العضوي 4/1981، وصادق مجلسها الوزاري عليه لمدة 15 يوما، مع ضرورة اشعار مجلس النواب بذلك، ويتدخل الأخير في حالة عدم كفاية مدة خمسة عشر يوما لمواجهة الحالة، بحيث يتحكم في عملية الترخيص بتمديدها بموافقته، وقد عمدت الحكومة الإسبانية اليوم على تمديد حالة الطوارئ لعدم كفاية مدة الحجر الصحي من التغلب عليه.

أما في فرنسا فأن مدة حالة الاستنفار هي 12 يوما فقط من تاريخ إعلانها من طرف رئيس الجمهورية، ويملك البرلمان صلاحية الموافقة على تمديدها .

ثانيا: حالة الطوارئ ؛غياب النص الدستوري ووجود المبرر الواقعي، ومواجهة الضرورة بالمرسوم:

بدءا تجدر الاشارة أن الدستور المغربي الحالي لم يتولى تقنين حالة الطوارئ، ولا تم تنظيم مدتها؟ ومسطرتها ؟، واقتصرت المادة 59 من الدستور على تنظيم حالة الاستثناء، والمادة 74 على تنظيم حالة الحصار. ولا ندري سبب هذا الاغفال هل مجرد سهو، أو لكون الاستنفار والطوارئ تستغرقه المادة 54 المرتبطة بالمجلس الأعلى للأمن، الذي لم يتم تنصيبه بعد، ولا صدر قانون عضوي او تنظيمي ينظم اختصاصاته، واقتصرت مادة الدستور على تحديد تركيبة اعضائه ورئاسته واختصاصاته بشكل عام، وتتحدث صلاحياته في تدبير أزمة، ويمكن ادراج الكوارث والأوبئة والحوادث الفجائية فيه.

ومع واقع إقرار المغرب حالة الطوارئ الصحية لتدبير أزمة الوباء و الوقاية والحد من فيروس كرونا، فانه يجب التذكير أن المغرب عاش من ذي قبل حالة وباء مشابهة واقر حجرا صحيا مماثلا سنة 1967. وفقا لما تضمنته نصوص ومواد الجريدة الرسمية عدد 2853 وبتاريخ 5 يوليوز من نفس السنة 1967 ، إلا أن ذلك الحجر تم بمقتضى مرسوم ملكي عدد 65/554 بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض الواردة في المادة الأولى من قرار وزير الصحة رقم 65//551 واتخاذ تدابير وقائية للقضاء عليها.

ومع عدم وجود تقنين صريح في الدستور بحالة الطوارئ فان السلطات المغربية اتخذت مجموعة من التدابير التي تدخل في صميم حالات الطوارئ لمنع انتشار وباء كرونا بمجرد بلاغات لا تكتسب اية قيمة من الناحية القانونية.

وقد تكون حالة الاستعجال والارتباك وغياب نص دستوري وراء ذلك؛ منها وقف الرحلات مع مجموعة من الدول. ووقف الدراسة، والجلسات بالمحاكم واغلاق المساجد والمطاعم والمقاهي ومحلات الألعاب وملاعب القرب، وصولا عند فرض البقاء بالبيوت بضوابط، وانتهاء بتقييد التنقلات بين المدن. تحت طائلة التعرض لعقوبات.

إلا أن الحكومة تداركت ذلك الفراغ واتخذت لمواجهة الضرورة مرسوما تحت عدد 2.20.292 لشرعنة الاجراءات المتخذة والواردة في البلاغ، ويعاقب على مخالفتها. واعتمدت بذلك نفس الطريقة السابقة لاقرار حالة الحجر الصحي لسنة 1967 الذي تم بواسطة المرسوم الملكي.، ولئن كانت المراسيم تتخذ عادة لمواجهة ضرورة، فان ذلك لا يحول دون تقنين الحالة دستوريا.

ثالثاً: توقيع العقاب على مخالفة تدابير الطوارئ ؛ ليس جريمة؟ واصبح بعد المرسوم جريمة مستقلة؟.

يجب الإشارة إلى أن مبدأ شرعية الجريمة والعقاب لا تسمح بالعقاب عن فعل التمرد على التدابير والاجراءات المتخذة من طرف الحكومة لمواجهة انتشار الإصابة بوباء فيروس كرونا كما تم الاشارة اليه في نفس البلاغ. لأن مجرد بلاغ وزارة الداخلية ليس له من قيمة قانونية، وليس له تأثير في بناء بيان قانوني يسمح باقرار جرائم وعقوبات جديدة خاج النصوص الجنائية القائمة خلافا للمرسوم والقانون تبعا لمبدأ شرعية الجريمة والعقاب .

وعلى خلاف بلاغ الحجر الصحي الحالي فإن الحجر الصحي الوارد في المرسوم الملكي 64/554؟لسنة 1967 قد تضمن في مادته السادسة الحريمة والعقاب عن مخالفة مقتضيات المرسوم وقرار وزير الصحة بتطبيقه.

إذ نصت هذه المادة على العقاب عن المخالفات لمقتضيات هذا المرسوم الملكي والنصوص المتخذة لتطبيقه بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أيام وشهرين وبغرامة يتراوح قدرها بين 40 درهما و2.400 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

إلا أن الحكومة تداركت الأمر اخيرا وصادقت في المجلس الحكومي بتاريخ 22 مارس على مشروع مرسوم قانون يقر الاجراءات المتخذة في سابق البلاع، ويعاقب على من يخالف التدابير والأوامر بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر او بالغرامة من 300 الى 1300 درهما او هما معا.

وفي ظل غياب الاطار القانوني بعدم المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ، فان امكانيات المتابعات عن مخالفة تدابير الحجر الصحي الحالي تستمد قيامها ليس من البلاغ مباشرة، بل من ملائمة افعال التمرد وتكييفها لأركان جرائم قائمة ومنصوص عليها ومعاقب عليها في القانون الجنائي ساري النفاذ ومعمول به حاليا.

إذ يمكن المتابعة بجرائم اهانة الموظف العمومي والاعتداء عليه المواد (263الى 267 )والمقاومة والعصيان المواد( 300،301 302 الى غاية 308)، وعن المخالفات من الدرجة الثانية منها عدم الامتثال ورفض الأوامر الواردة في الفصل 609 والكل من القانون الجنائي، واصل العقوبة الى ثلاث سنوات مع امكانية الحكم بالمنع من الاقامة لمدة عشر سنوات على المحرضين او المتزعمين للعصيان المادة305 .،

رابعاً: حالة الطوار في القانون الدولي؛ شروط لضمان الحريات:

تناول القانون الدولي حالة الطوارئ من خلال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عام 1966، والذي وقعه المغرب وصادق عليه ونشر بالجريدة الرسمية واصبح بمثابة قانون داخلي يخطى بالأولوية في التطبيق وفقا للدستور.

وقد وضع شروطا موضوعية كأساس لاقرار الدول لحالة الطوارئ وفرضها بوجود خطر عام داهم واستثنائي يتهدد وجود الأمة، بشرط أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكل رسمي منعا لاستثماره لسلوكيات وممارسات وتصرفات تمس بالحريات والحقوق في ظروف ليس لها طابع استثنائي.

خامساً:الطوارئ في القانون الدولي ؛ تناسب وتقدير موضوعي للأزمة وعدم المس بحقوق اساسية.
 
ومن بين الشروط الضروري قيامها وفقا للعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية ألا تكون التدابير والاجراءات المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي. وأن لا تكون هذه الاجراءات المتخذة ذات طابع ونزعة تمييزية تتأسس على أسباب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين.
 
كما يحذر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن حالة الطوارئ يجب أن يتم إعلانها وفقا لتقدير دقيق وموضوعي للأحداث والوقائع، مع وجوب تناسب بين الاجراءات والوضعية القائمة دون غلو ولا مبالغة ولا تجاوز. ودون أن تكون سببا لحرمان الأفراد من حقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في التفكير والاعتقاد. أوذريعة لممارسات غير الانسانية أو الحاطة بالكرامة الإنسانية أو التعذيب أو العبودية والاضطهاد.

خاتمة: نعم قد يكون الاستعجال أمام ضرورة مواجهة خطر داهم وأزمة حقيقية، في اطار المصلحة العامة الفضلى، وحماية للأرواح البشرية لصحة المواطنين مبررا لاقرار تدابير وفرض اجراءات غير عادية تقيد وتحد من بعض الحقوق. ونجحت الحكومة في ذلك حتى الآن

ومع ذلك فإن واقع الحال أظهر ان الدستور المغربي يفشل للمرة الثانية في افتراض حلول لوقوع حالات؛ منها تقنين حالة الطوارئ والانذار، وانه تعتريه ثغرات تجعل التدخل لتشريعها في أول فرصة تتاح للتعديل الدستوري، وليس انتظار وقوع حادث أو واقعة للتفكير في ذلك، فالمشرع الدستوري الحكيم يفترض الحالة قبل وقوعها ويقنن تنظيمها ومسطرتها في علاقتها بين السلط ضمانا للحريات وفصل السلطات وضمان المراقبة فيما بينها.

*محامي بمكناس، وخبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي