شارك المقال
  • تم النسخ

بعد أن حرره الحراك الشعبي..الإعلام الجزائري يعيد ضبط البوصلة تجاه السلطة الجديدة

بالرغم مما عاشه الإعلام الجزائري من هامش حرية خلال الحراك الشعبي، إلا أن الحال لم يدم طويلا، ليدخل  قطاع الإعلام في أصعب فتراته منذ التعدّدية السياسية والإعلامية بالبلاد، بسبب فرض رقابة صارمة على القنوات المستقلة والصحف الوطنية. 

وتفاءل مراقبون للشأن السياسي والإعلامي بالجزائر مع بداية الحراك الشعبي بتحرر الإعلام من قبضة النظام السابق الذي كان يتحكم بدقة في قاعات التحرير ويرفض كل محاولات التشويش عليه  من أجل الاستمرار في سدة الحكم .

الإعلام والحراك الشعبي

وبعد أن شهدت القنوات والصحف المستقلة لأول مرة رفع سقف الحرية والنقاش السياسي خلال بداية الحراك الشعبي، سرعان ما عادت وسائل الإعلام لعادتها السابقة وعزفت عن تغطية الحراك الشعبي ومظاهرات الجمعة، وهو ما يطرح عديد التساؤلات بخصوص ماذا حدث بالضبط حتى باتت لا تبذل أي جهد للتعاطي مع الحراك كحدث هام وتاريخ؟.

وتراجعت كل القنوات المستقلة والصحف المحلية من تغطية الحراك وأصبحت تتفادى تناول مواضيع تتعلق بما يجري في الشارع  وحتى استضافة بعض الشخصيات السياسية الرافضة للوضع الراهن بات من المستحيل.

وحرك هذا الوضع  صحافيي الإذاعة الوطنية  قبل فترة للمطالبة في بيان لهم، باحترام حرّية الصحافة، والالتزام بتقديم خدمة عمومية للمواطن، وأكدوا عبر البيان الموقع على أنه “من واجبنا مرافقة هذه الحركة في تطوّراتها؛ لأنّه من دون تقديم معلومة صحيحة ومحايدة، لا توجد خدمة عمومية”.

وأبدى الصحفيون استياءهم التام مما يحدث من تضييق على وسائل الإعلام وبعض الممارسات التي تقمع حرية الرأي، وقالوا “إضافة إلى التضييق في هوامش معالجة الأخبار والأحداث والتدخّلات في الخط التحريري، ومنع تغطية الحراك الشعبي، فقد سُجّل تزايد حالات الاعتداء على الصحافيين “.

ويرى المتابعون للشأن الإعلامي بالجزائر بأن الإعلام الجزائري لم يستثمر جرعة التحرر التي كسبها من خلال الحراك الشعبي جازمين بأن الإعلام لم ويتحرر أبدا بل أعاد ترتيب تموقعه على بوصلة السلطة الجديدة المتحكمة في زمام الأمور .

ويقول الإعلامي والمحلل السياسي “إبراهيم قارعلي” في تصرح لجريدة “بناصا” بأنه لا يختلف واقع القطاع الإعلامي عن واقع بقية القطاعات الأخرى، ومع ذلك يرى أن الواقع الإعلامي الجزائري أكثر مأساوية من القطاعات الأخرى، سواء من الناحية المهنية أو من الناحية الاجتماعية وحتى الاقتصادية باعتبار أن الإعلام مؤسسة مثل بقية المؤسسات الإنتاجية.

ويعتقد قارعلي أن الحراك والذي فضل تسميته بـ”الثورة الشعبية السلمية”، قد حطمت في البداية الكثير من القيود والأغلال والأقفال التي كانت تكبل الصحفيين وتلجمهم .

صناعة حرية الرأي

ويضيف المتحدث “لقد كانت الصحافة الوطنية وخاصة القنوات التلفزيونية من خاصة وحكومية، مترددة في بداية الثورة ولكنها سرعان ما انخرطت في حراكها، وعلى الرغم من بعض المواقف الإعلامية البهلوانية فإنني أرى أن حرية الصحافة يصنعها الصحفيون بأنفسهم في قاعات التحرير وليس خارجها في الشارع”.

وختم الإعلامي “إبراهيم قارعلي ” بالقول :”وللأسف فإن الجرائد الورقية والقنوات التلفزية وبصفة خاصة القنوات والجرائد الخاصة التي تزعم الحرية والاستقلالية قد رهنت حريتها واستقلاليتها ولقد عادت إلى سيرتها القديمة في التعتيم أو السكوت” .

ومن جهته يقول الدكتور “صالح فلاق شبرة ” في حديثه لـ”بناصا” بأن الإعلام في الجزائر لم يتحرّر بفعل الحراك بل أعاد تموقعه فقط وضبط بوصلته على السلطة الجديدة التي تمارس دور الرقيب والمانح للصلاحيات والمال.

ويضيف الدكتور بأن البناء الهوياتي للمؤسّسات والمهنة ككّل لم يكن أبدا وفق أسس صحيحة، فالسلطة خلال العقود الثلاثة الماضية، كرّست بيداغوجيا تضمن مخرجات تتوافق مع مصلحة الحاكم الفعلي وتمنح مقابل ذلك تراخيص الاستمرار للمؤسّسات الإعلامية.

ويعتبر صالح فلاق شبرة أن التحرّر الحقيقي للإعلام الجزائري بحاجة إلى مراجعة شاملة للتركيبة البشرية والقانونية والثقافية والمهنية بما يضمن عدم الإنصياع أو الخضوع إلى للحقيقة وتقديم خدمة عمومية صحيحة وغير زائفة مثلما يسوّق لها حاليا.

انحراف عن القيم المهنية

ويعتقد ذات المتحدث أن من أبرز مؤشّرات انحراف الإعلام الجزائري عن القيم المهنية والأخلاقية، تراجع الموثوقية لدى المواطن الذي أصبح يبحث عن إعلام بديل كمصدر للمعلومات بالرغم من السلبيات التي ترافقه، خصوصا وأن العديد من العناوين الصحفية والقنوات أظهرت ارتباكا في تعاملها مع أحداث الحراك في العديد من المحطّات ولم تساند غير السلطة الفعلية حفاظا على مصالحها.

أما الأستاذ الجامعي بقسم الإعلام بجامعة مستغانم “محمد حمادي” يقول في تصريح خص به  “بناصا”: “نحن نعيش زمن إعلام مسكون بهواجس الترقب والتخوف مما هو آت، إعلام ملتبس بالدعاية والتضخيم وتشويه الحقائق، لقد فضح الحراك هذا الإعلام الحربائي الذي ينتظر ميلان كفة عن أخرى في ميزان صناعة القرار في هذا البلد فيتخندق مع العُصبة القوية الغالبة التي تتحكم في زمام السلطة”.

ويعتقد محمد حمادي بأن الخطوط الافتتاحية للمنابر الإعلامية في الجزائر تاهت بين ثنايا الوضع السياسي اللامستقر في البلد، فتحولت الى مجرد خطوط تجارية تحركها المصالح الشخصية الضيقة لأرباب هذه المنابر.

واعتبر الأستاذ الجامعي أن المشهد الإعلامي في البلد يعيش حالة من الاضطراب حيث لبس رداء التخندق مع هذا الطرف على حساب ذاك ولم يقف على مسافة واحدة مع الجميع وفق ما تقتضيه أخلاقيات المهنة الصحفية بل فضل ان يكون تابعا خادما لأجندات معينة.

وختم حمادي بالقول:”منذ بدء الحراك يمكن القول إن أكبر  ضحية هي الحقيقة التي حجبها التضخيم والتهويل في محطات عدة”.

واتضح جليا أنّ هامش الحرّية الذي اكتسبه الإعلام الجزائري، خلال بداية الحراك الشعبي، لم يكن سوى نزهة قصيرة، ليعود المشهد الإعلامي إلى عادته القديمة المبنية على التعتيم أو السكوت، وربّما سيكون مستقبلا أسوأ ممّا كان عليه خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة .

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي