تعيش عدد من الأسر المغربية، منذ إعلان حالة الطوارئ وتدابير الحجر الصحي، على وقع أزمة مالية خانقة، بسبب فقدان أرباب الأسر لوظائفهم ومصادر الدخل، مما دفع الكثيرين منهم لتغيير الوجهة نحو حرف ومهن غير تلك التي يمارسونها، قبل قدوم جائحة كورونا.
أوضاع مزرية وغياب مصادر الدخل لدى الأسر الفقيرة، أثرت بشكل كبير على الأبناء، خاصة الذين يتابعون دراستهم بالتعليم الجامعي و المدارس العليا، بالمدن التي تستقطب طلبة من الهوامش، يضطرون الى قطع كيلومترات من أجل متابعة الدراسة، في عدد من الكليات و المدارس التي استأنفت التعليم الحضوري، خصوصا مستويات الماستر والاجازة المهنية ومعاهد محدودة الاستقطاب.
اخترت الضيعات الفلاحية بعيدا عن شبهات ‘’العلب الليلية’’
‘’أستيقظ على الساعة الرابعة صباحا، وأقوم بإعداد وجبة الفطور وأرتدي ملابسي، استعدادا للتوجه لإحدى الضيعات الفلاحية باشتوكة نواحي أكادير، على متن سيارة ‘’بيكوب’’، تقريبا على الساعة الخامسة إلا ربع، في جو بارد جدا، وفي ظلام دامس’’ هكذا حكت لنا ثريا الاسم المستعار لشابة من نواحي مدينة تيزنيت تتابع دراستها بشعبة الفرنسية بكل الآداب و العلوم الانسانية بأكادير.
وأضافت ثريا الابنة البكر لأسرتها، في حديثه لبناصا، أنها في السابق كانت تشتغل بإحدى الشركات المتخصصة في التواصل والاشهار، من أجل الحصول على دخل يساعدها في الدراسة و إعالة العائلة، إلا أن سياق الاغلاق التام في فترة الحجر الصحي، دفع بالمشغل الى التخلي عنها رفقة أشخاص اخرين، بسبب توقف الأنشطة وانخفاض أرباح الشركة.
‘’لم أكن أتصور يوما أني سأشتغل بضيعة فلاحية بين نساء وشابات أغلبهن أميات، أو مطلقات دفعتهن الظروف الى الاشتغال في ظروف، سمتها ثريا ‘’بالصعبة جدا’’ الا أن ظروفي وظروف عائلتي أرغمتني على الاستسلام لهذا الواقع، الذي أفضله على اختيارات كثيرة و بدخل كبير جدا’’ تقول طالبة شعبة الفرنسية.
مؤكدة على أنها منذ الحصول على شهادة الباكالوريا، اتجهت الى المصانع والشركات والضيعات الفلاحية، للاشتغال ولو بمقابل قليل، لتأمين دراستها، ودراسة أخويها اللذين يتابعان دراستهما بالسلك الاعدادي، بعيدا عن شبهات العمل في ‘’العلب الليلية وصالونات التدليك…’’ التي تعج بها المدينة على حد تعبيرها.
وأضافت أن الاشتغال بمجال التواصل، في احدى الشركات الخاصة أنساها العمل الشاق بالضيعات والمعامل، إلا أن أزمة كوفيد19 أرغمتها على العودة مكرهة الى الاشتغال في نفس الظروف، حيث قالت ‘’ماعندي ماندير الوقت واقفة وخاصني نصور على الأقل 50 درهم فالنهار نضمن بيها ماناكلو أنا وخوتي’’.
من خريج الجامعة الى حارس أمن خاص
‘’قبلت الاشتغال في مجال الحراسة الخاصة، بعد بحث مضني عن فرصة للاشتغال، بالرغم من كوني حاصلا على إجازة في الاقتصاد، السنة الماضية، ظروفي العائلية مزرية جدا، وفرص الاشتغال قليلة جدا بالمدينة، فكيف لي أن أقف مكتوف الأيدي علما أن والدي شخص متقاعد من الدولة وراتب التقاعد لا يكفي للاحتياجات اليومية للأسرة’’ يقول محمد الاسم المستعار لشاب عشريني اختار البقاء صامدا أمام البطالة التي تنهشه كل يوم.
وبلغة ساخرة يؤكد الشاب ذاته، على أن ‘’البلاد ضرباتها كورونا و الميزيرية’’ في كناية منه على الأوضاع الاقتصادية الصعبة لعدد من الطلبة الذين يتابعون دراستهم الجامعية، ويعملون في الآن ذاته، لضمان دخل قليل يمكنهم من الاستمرار في الدراسة، في ظل المصاريف اليومية.
وأضاف محمد ‘’تم قبولي في احدى الماسترات بالرباط، لكن ظروفي المالية صعبة وخانقة، فكيف يمكنني السفر إلى العاصمة التي تتطلب مبلغا ماليا شهريا كبيرا، و أنا لا أملك مصروفي اليومي، ولم أحصل يوما على المنحة الدراسة التي تقدمها الدولة للطلبة’’.
‘’ماتقبلنا فالتعليم مادخلنا للماستر’’ هكذا أنهى محمد حديثه مع بناصا، وكله أمل أن يحصل على فرصة عمل في أقرب الآجال، علما أنه في حاجة ماسة إلى إجراء عملية جراحية مستعجلة على مستوى الفم.
نماذج وأخرى تعج بها المدن والقرى المغربية، التي تحتضن آلاف الطلبة والطالبات الذين اختاروا العمل الشريف والشاق، ضمانا لاستمرارية دراستهم واخوتهم، لعلها تكون يوما سببا في تغيير ظروفهم المعيشية وتنقذهم من شبح البطالة.
تعليقات الزوار ( 0 )