Share
  • Link copied

بريطانيا تكسر جدار الصمت في نزاع الصحراء: دعم تاريخي للحكم الذاتي المغربي يعيد رسم خرائط النفوذ في شمال أفريقيا ويشعل سباق الاستثمارات الكبرى

في تحول استراتيجي لافت يعيد رسم ملامح التوازنات في شمال أفريقيا، أعلنت المملكة المتحدة يوم 2 يونيو 2025 دعمها الرسمي والصريح لخطة الحكم الذاتي المغربية في إقليم الصحراء الغربية المغربية، معتبرةً إياها “الحل الأكثر واقعية ومصداقية وقابلية للتطبيق” لإنهاء هذا النزاع الإقليمي الممتد منذ عقود.

وهذا التحول، الذي جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال زيارته الرسمية إلى الرباط، يمثل نقطة فاصلة في الموقف البريطاني من القضية، بعد سنوات من الحياد النسبي.

ويُنظر إليه كجزء من استراتيجية ما بعد “بريكست”، تهدف إلى تعميق الشراكة مع المغرب، باعتباره قوة إقليمية صاعدة، وفتح بوابات أفريقيا أمام الشركات البريطانية الباحثة عن أسواق واستثمارات جديدة.

اتفاقات بمليارات الجنيهات… وموقع متقدم للبريطانيين في مشاريع البنية التحتية

وشهدت زيارة لامي، التي تُعد الأولى لوزير خارجية بريطاني إلى المغرب منذ عام 2011، توقيع أربعة اتفاقيات ثنائية كبرى بين البلدين، أبرزها مشاريع بنية تحتية وصحية تقدر قيمتها بأكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني سنويًا.

وتشمل أبرز هذه المشاريع: توسعة مطار الدار البيضاء في مشروع تبلغ قيمته 1.2 مليار جنيه، ومستشفى جديد في الدار البيضاء بطاقة استيعابية تبلغ 250 سريرًا، بتمويل وخبرة بريطانية، بقيمة 150 مليون جنيه.

كما تم دعم إصلاح المنظومة الصحية المغربية بميزانية تفوق 2 مليار جنيه، ثم شراكات لوجستية وتكنولوجية استعدادًا لتنظيم كأس العالم 2030، الذي سيُقام بشراكة مغربية-إسبانية-برتغالية.

ويأتي هذا التعاون في وقت يقدر فيه حجم المشتريات العمومية في المغرب بنحو 33 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات الثلاث القادمة، ما يجعل المملكة وجهة جذابة للشركات البريطانية الساعية لتوسيع نفوذها خارج أوروبا.

50 عامًا على “المسيرة الخضراء”… توقيت سياسي بامتياز

واختارت لندن الإعلان عن دعمها التاريخي بالتزامن مع الذكرى الخمسين لـ”المسيرة الخضراء” التي قادها العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني عام 1975 لاسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني. وهي ذكرى مركزية في الذاكرة السياسية المغربية، ما يمنح المبادرة البريطانية رمزية مضاعفة ودلالة سياسية محسوبة في توقيتها ومضمونها.

كما يُنظر إلى هذا الموقف البريطاني على أنه جزء من مسار دولي تصاعدي يدعم الطرح المغربي، بعد أن سبقته كل من الولايات المتحدة (2020)، وفرنسا (2022)، وإسبانيا (2022)، ما يزيد من العزلة الدبلوماسية للطرح الانفصالي، ويُحرج دولًا أوروبية ما زالت تلتزم الحذر أو الحياد.

ما وراء الاعتراف: ثروات الفوسفات و”الرهان الاقتصادي” في الصحراء

ويمتد البعد الاقتصادي في الاعتراف البريطاني إلى الموارد الطبيعية الهائلة في الصحراء، لا سيما الفوسفات، الضروري لصناعة الأسمدة عالميًا.

فقد تسببت سنوات النزاع في تعطيل استثمارات ضخمة، خاصة مع مخاوف بعض الشركات من الجدل القانوني حول استغلال الموارد في منطقة النزاع.

لكن موقف لندن الجديد، برغم توازنه السياسي، يفتح الباب أمام عودة رؤوس الأموال واستئناف الاستثمار في هذه المنطقة الاستراتيجية، مع الالتزام، كما تقول، بـ”حل سياسي متفاوض عليه يراعي مصالح السكان المحليين”.

تحول بريطاني… وتوازن مع نفوذ أمريكي وفرنسي وصيني

وترى مجلة “مودرن دبلوماسي” الأمريكية أن التحول البريطاني ليس فقط دبلوماسيًا بل جيواستراتيجيًا، ويضع لندن كلاعب مباشر في التوازنات التي تشمل المغرب والجزائر وأوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء.

كما تسعى بريطانيا، بحسب وزير خارجيتها، إلى أن يكون لها دور مركزي في مستقبل القارة الأفريقية، بالنظر إلى “شبابها الديناميكي وقدرتها الاقتصادية الهائلة”.

وفي هذا السياق، يمثل المغرب بوابة مثالية لبريطانيا، سواء كمركز لوجستي في شمال أفريقيا أو كحليف سياسي مستقر يسهل التوغل الاقتصادي في القارة، في منافسة ضمنية مع مشاريع النفوذ الأمريكي، الفرنسي، والصيني.

Share
  • Link copied
المقال التالي