في سياق التحولات الهيكلية التي يشهدها القطاع الزراعي في منطقة المتوسط، برز المغرب مجددًا كلاعب إقليمي رئيسي في مجال تصدير الفواكه الاستوائية، وعلى رأسها الأفوكادو، وهو ما أثار نقاشًا محتدمًا في الأوساط الزراعية الإسبانية بعد تسجيل قفزة بنسبة 73% في واردات الأفوكادو المغربي إلى السوق الإسبانية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة الإسبانية (DataComex)، فقد استوردت إسبانيا ما يقارب 29 ألف طن من الأفوكادو المغربي بين يناير ومارس، في فترة تتزامن مع ذروة موسم الحصاد الإسباني لذات الفاكهة، خصوصًا صنف “هاس” الأكثر انتشارًا في شبه الجزيرة الإيبيرية.
نجاح مغربي في ظل التحولات المناخية
وتعكس هذه الطفرة الديناميكية العالية للقطاع الزراعي المغربي، الذي عرف توسعًا لافتًا في المساحات المخصصة لزراعة الأفوكادو خلال الفترة ما بين 2018 و2023 بنسبة تفوق 150%.
ويُعزى هذا التقدم إلى استثمارات استراتيجية، وتحديث وسائل الري، وتحسين سلاسل التوزيع والتصدير، ما مكن المغرب من إنتاج أكثر من 120 ألف طن هذا الموسم، مقابل 75 ألف طن فقط في إسبانيا.
ويُنظر إلى هذه الديناميكية على أنها استجابة ذكية من المغرب لتحديات الأمن الغذائي والتحولات المناخية، دون أن تمس بسيادة الأسواق الأوروبية أو تهدد توازناتها، إذ تتم في إطار اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي وتخضع لمراقبة جمركية وصحية منتظمة.
اتهامات إسبانية بـ”منافسة غير عادلة”
في المقابل، أبدى بعض الفاعلين الزراعيين الإسبان، لا سيما في الأندلس وبلنسية، امتعاضهم مما وصفوه بـ”منافسة غير متكافئة”، مشيرين إلى تفاوت القوانين بين دول الجنوب والشمال في ما يتعلق بالقيود البيئية، واستخدام المبيدات، والقوانين الاجتماعية.
واعتبروا أن المنتجات المغربية لا تُخضع لنفس “الصرامة البيروقراطية” التي يعاني منها المزارع الأوروبي، مما يضغط على الأسعار المحلية ويفاقم معاناة المزارعين الإسبان، الذين سجلوا تراجعًا في الأسعار بلغ نحو 29% خلال الموسم الجاري.
المغرب في موقع قوة: تنويع الأسواق وتعزيز الشفافية
رغم هذه الانتقادات، يجدر التنويه بأن المغرب يلتزم بالمعايير الأوروبية في التصدير الزراعي، ويخضع لإجراءات تفتيش صحية وفنية صارمة، كما يعمل على تنويع أسواقه الخارجية وتقليص الاعتماد المفرط على أوروبا، عبر الانفتاح على أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا.
من جهة أخرى، تشير تقارير مراقبة الحدود الإسبانية إلى أن معظم التنبيهات المتعلقة بتجاوز الحدود القصوى المسموح بها من بقايا المبيدات (LMR) في بداية 2025 لم تكن من حصة المغرب، بل جاءت من دول كالبيرو، ما ينفي بشكل غير مباشر مزاعم التشكيك في مطابقة الصادرات المغربية للمعايير الأوروبية.
توازن مطلوب وشراكة ذكية
وفي ظل هذه التوترات، يبقى من مصلحة المملكة المغربية الحفاظ على شراكة زراعية استراتيجية ومتوازنة مع الاتحاد الأوروبي، بما يضمن مصالح المزارعين المغاربة، دون الإضرار بمصالح جيرانهم الإسبان، مع التأكيد على أهمية الحوار الثنائي والتنسيق الفني لتفادي أي سوء فهم يمكن أن يستغل سياسيًا أو إعلاميًا.
كما أن من شأن هذا النقاش أن يسلط الضوء على الحاجة الأوروبية إلى مراجعة نموذجها الزراعي الحالي، في ظل التغيرات المناخية والضغوط التنظيمية، بدل تحميل الشريك الجنوبي مسؤولية إخفاقات بنيوية داخلية.
تعليقات الزوار ( 0 )