Share
  • Link copied

باحث فلسطيني في جامعة حيفا: الحرب المتوحشة على غزة ستطول.. ولم تكن لتحدث لولا تغيرات عميقة لدى طرفي الصراع

 يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا داخل أراضي 48، بروفيسور أسعد غانم، أن حرب الإبادة على غزة لا يمكن تفسيرها دون النظر إلى المتغيّرات الإسرائيلية والفلسطينية العميقة في العقود الأخيرة، معتبراً أن إسرائيل بالأساس تتحمّل المسؤولية عنها، وفي ذات الوقت يعتقد أن الجانب الفلسطيني أيضاً يتحمّل قسطاً منها.

غانم: الكفاح المسلح وصل إلى طريق مسدود، وفشل أيضًا مسار المفاوضات منذ انطلاقه قبل ثلاثة عقود، والمرجّح أن يبقى الصراع قائمًا دون حل

ضمن ندوة في مدينة الناصرة، ليلة البارحة، استناداً لكتابه الجديد “غزة، مدخل إلى الحرب الممتدة”، غاص غانم في العمق بحثاً عن أسباب حرب الإبادة والتطهير العرقي نتيجة تغيّرات باطنية في الجانب الإسرائيلي تفاعلت وتشكّلت قبل السابع من أكتوبر، مرجّحاً أن الحرب ستطول كثيراً، كما ينعكس في عنوان كتابه “الحرب الممتدة”، مشدّداً على أن إسرائيل لم تحتل غزة لتخرج منها، ومع ذلك، وربما بسبب ذلك، يرى بضرورة وقف النار بكل ثمن من أجل حماية بقاء غزة والغزيين.

وتابع: “لم تكن هذه الحرب البربرية لتحدث لولا تغيّرات عميقة في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني: صعود الفاشية والتطرف في إسرائيل مقابل انهيار حركة التحرر الوطني الفلسطينية والانقسام بين الضفة والقطاع”.

ويرى أن هذه الحرب الوجودية على الشعب الفلسطيني لا تقتصر على غزة، بل تطال الضفة الغربية المحتلة، حيث تشهد اعتداءات خطيرة جداً وغير مسبوقة تتجلّى بالتهويد وتدمير وتهجير المخيمات ضمن مساعي تصفية قضية اللاجئين وحق العودة. يُشار إلى أن عشرة وزراء من حزب “الليكود” طالبوا نتنياهو، أمس، بإحالة السيادة الإسرائيلية قبل نهاية الشهر الجاري.
كما يقول غانم إن هذه الحرب الإسرائيلية الوجودية على الشعب الفلسطيني تطال فلسطينيي الداخل أيضاً، كما يتجلّى في عمليات تطهير عرقي واسعة للبدو في النقب داخل أراضي 48، وفي تكريس مواطنتهم الدونية ومحاصرتهم ودفعهم للهجرة الصامتة بتضييق الخناق عليهم بعدة وسائل، منها إطلاق يد عصابات الإجرام للنيل منهم.
دولة فاشية
ويوضح أن إسرائيل دولة أكثر تطرفاً وعدوانية ويمينية، بات جلدها أكثر سماكة، لا تتردد في ارتكاب جرائم دون اكتراث بالانتقادات الغربية، لافتاً إلى أنها شهدت تغيّرات عميقة في العقود الأخيرة، وبعد السابع من أكتوبر صارت مستعدة لارتكاب مجازر يومياً من أجل الانتقام، ومن أجل تحقيق إستراتيجيتها بالسيطرة على الفلسطينيين، وبناء دولة يهودية من البحر للنهر (“أرض إسرائيل”)، وسط نظام فصل عنصري (أبرتهايد) وبتصفية حل الدولتين وتصفية حق العودة وإلغاء المواطنة المتساوية للمواطنين العرب فيها.
وعن جوهر التغيّرات العميقة الحاصلة في إسرائيل، ينبّه أسعد غانم إلى أنها لا تنحصر في انزياح لليمين فحسب، بل هو غلو في الفاشية والتوجهات الدموية المعتمدة على حسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة. من هنا، يرى أن تصويت غانتس ولبيد مع إقصاء أيمن عودة من الكنيست لا يدعو للاستغراب، لأن هذا هو موقفهم الأيديولوجي هم أيضاً، وما حصل مع أيمن عودة هو البداية.
ويمضي في رسم صورة إسرائيل الحالية: “لا يوجد للفلسطينيين شريك في اليسار الإسرائيلي، الخائف هو الآخر من قمعه من قبل اليمين الصهيوني الطاغي. ويمين نتنياهو وسموتريتش وبن غفير هو يمين فاشي يؤمن بقمع الشعب الفلسطيني بالقوة. بخلاف تقديرات كثيرة، نتنياهو لن يسقط وسيبقى في الحكم، وهو من أهم وأخطر رؤساء الحكومات في إسرائيل والمنطقة، وأهم من مناحيم بيغن”.
الدور الذاتي
ضمن رؤيته النقدية للحرب المستمرة، والتي أوجزها غانم في الندوة، يشير غانم إلى دور انهيار الحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنوات كثيرة. وهذا يعني، برأيه، أمرين أساسيين:

لا يمكن فهم هجوم “حماس” إلا في ضوء منافسة فلسطينية داخلية غير محكومة بأي قواعد اتفاق داخلي، حيث يستطيع كل فصيل أن يفعل ما يريده لعدم وجود حركة وطنية منظمة.

والأمر الثاني، وفق غانم، هو أن الفلسطينيين ليسوا مفعولاً به فحسب، بل ساهموا في هذا الصراع، وذلك من خلال انهيار الحركة الوطنية وتفتّت الشعب الفلسطيني إلى مجموعات، وهذا يتجلّى بأن غزة تركت وحدها، فلسطينياً لا عربياً فحسب.
ومضى في رؤيته النقدية: “رغم الإبادة، لم يبلغ الفلسطينيون بعد إلى اتفاق وطني حول سؤال كيفية مجابهتها”.
وأكد أسعد غانم في الندوة أن الحرب المتوحشة على غزة هي نتيجة عوامل داخلية في الجانب الإسرائيلي، وأن هذه المتغيّرات مستمرة، والحرب ممتدة، متوقّعاً أن تستمر لسنوات.
ورداً على أسئلة الجمهور، قال غانم إنه يعارض فكرة التريّث في توجيه الانتقادات الذاتية حتى تنتهي الحرب على غزة، ويرى بضرورة مراجعة ما قامت به كل القوى في الساحة الفلسطينية في العقود الأخيرة.
ويزعم غانم أن حركة “حماس” بادرت لمغامرة “طوفان الأقصى” دون حسابات منطقية كافية ودون رؤية، فيما لا تقوم السلطة الفلسطينية بجهد حقيقي لحماية الفلسطينيين، لافتاً إلى أن غزة و”حماس” تركتا وحيدتين، عربياً وفلسطينياً أيضاً، داعياً إلى التنبه لهيمنة التوجهات والحسابات والمصالح الوطنية القطرية لدى الدول العربية على حساب المواقف القومية.
ويتساءل عن الجدوى من “طوفان الأقصى” والمكاسب الجديرة التي حققها الفلسطينيون بعد هذه التضحيات الهائلة، ويقول إن “حماس” بعد نحو العامين عادت لتطالب بوقف الحرب وإنهاء احتلال القطاع.
ويخلص غانم إلى الاستنتاج بأن الكفاح المسلح وصل إلى طريق مسدود، وفي التزامن فشل أيضاً مسار المفاوضات منذ انطلاقه قبل ثلاثة عقود، مرجّحاً أن يبقى الصراع قائماً دون حل، فيما يتشكّل على الأرض واقع الدولة ثنائية القومية.
ماذا نفعل في الساحة الفلسطينية؟
ويرى أن إسرائيل، في هذه الحرب بالذات، وضعت مشاريع الفلسطينيين في مهب الريح، وتهدد وجودهم المادي، وهم في لحظة تاريخية خطيرة تتجاوز ثقل لحظة نكبة 1948 أو أي مرحلة سابقة في التاريخ الفلسطيني. إنهم في خضم الحرب الممتدة، في مجابهة مشروع الاستعمار الاستيطاني والأبرتهايد في كل فلسطين.
ويرى أن الواجب الأول والأخير يقضي بمسارعة الفلسطينيين إلى الاتفاق حول فكرة ناظمة لمجابهة هذا الخطر الإستراتيجي على وجودهم وعلى مشروعهم التحرري، بما يشمل تغيير وسائل نضالهم.

غانم: لا يمكن فهم هجوم “حماس” إلا في ضوء منافسة فلسطينية داخلية غير محكومة بأي قواعد اتفاق داخلي، حيث يستطيع كل فصيل أن يفعل ما يريد

بما يتعلق بالعرب الفلسطينيين في إسرائيل، يعتبر أسعد غانم أن قيادتهم السياسية والأهلية لم تقم بواجبها الأخلاقي والوطني تجاه غزة. ومنطلقاً من أن الحرب المتوحشة على غزة أربكت فلسطينيي الداخل وزادت المخاطر عليهم، يرى بأنه عليهم السعي لحماية أنفسهم، مكاسبهم، مستقبلهم، بالتشبّث بالمواطنة داخل الدولة ذات التوجهات الاستعمارية وبالصمود وتنظيم أنفسهم.
كما يقول إن العرب في إسرائيل، كجزء من الوضع الفلسطيني، عليهم أيضاً المساهمة في إعادة الاعتبار إلى “الصمود الإيجابي”، ليس بمعنى الحفاظ على الوجود، بل بناء مؤسسات والقدرة على العمل المشترك، والحرص على البقاء كمجتمع واحد، لافتاً إلى نماذج كانت في الخمسينيات والستينيات داخل أراضي 48، وأمثلة مشابهة من الضفة الغربية في السبعينيات.
وتابع: “تثبيت الوجود من خلال مشروع صمود فعّال يقوّي المجتمع ويبني مؤسسات، ولذلك اقترحت تنظيم العمل السياسي وتغييراً ثورياً في بناء لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48، علاوة على تغيير كبير على المستوى الفلسطيني العام، وعلينا تعظيم صمود وقوة المجتمع الآن… وهناك عشر جهات فلسطينية بدلاً من التطلع إلى حلول نهائية”.
في واحدة من خلاصاته في الكتاب، وفي الندوة التي قدّمت فيها الباحثة والمحاضرة الاجتماعية بروفيسور أريج صباغ مراجعة نقدية لكتاب أسعد غانم، يرى الأخير أن الصراع التاريخي مع الصهيونية يشهد تغيّراً جوهرياً إستراتيجياً: انهيار فكرة الكفاح المسلح، وطريق المفاوضات السياسية مسدود منذ سنوات كثيرة، وفي الأفق لا يوجد سوى أن التحوّلات تتجه إلى دولة واحدة، وربما أن يبقى الصراع مفتوحاً دون حل فترة طويلة جداً.
يُشار إلى أن أسعد غانم قد كتب هذا الكتاب قبل شهور، وبعد مرور نحو العام فقط على الحرب، وهذا ينطوي على تحدٍ معرفي، وينمّ عن جرأة بحثية، لا سيما أن الحدث الجلل ما زال يتفاعل ويقذف بحممه، وغانم من المثقفين المتداخلين الذين لا يكتفون بالتنظير أو إنتاج المعرفة، بل ينشط سياسياً في الساحة الفلسطينية العامة ضمن منتديات وفعاليات متنوعة.
ومن ضمن الأسئلة والملاحظات التي توجّه بها الجمهور في الندوة، إشارة إلى أن السلطة الفلسطينية هي الأخرى انفردت بقرار السلام الفاشل مع إسرائيل، التي تستغل المفاوضات منذ أوسلو لتعميق التهويد والاستيطان، وإن غزة محاصرة بالكامل بحصار خانق منذ نحو العقدين دون أفق.

Share
  • Link copied
المقال التالي