شهدت مدينة الرباط يوم أول أمس الأربعاء احتجاجات ‘’أساتذة الكونطرا’’ الذين حجوا الى العاصمة، من أجل المطالبة بإسقاط ‘’التعاقد’’، بأعداد فاقت المئات ومن مختلف جهات المغرب، قبل أن تتعرض وقفاتهم ومسيراتهم الاحتجاجية لتدخل أمني خلف إصابات وجروح متفاوتة الخطورة، والتي وثقت بمقاطع فيديو وصور تم تداولها على نطاق واسع بمنصات التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية الالكترونية.
وتأتي هذه الاحتجاجات التي أخرجت المئات من الأساتذة الى الشارع للمطالبة بالحقوق التي يعتبرونها ‘’مشروعة’’ وعلى رأسها إسقاط ‘’التعاقد’’، في سياق دينامية احتجاجية يشهدها قطاع التربية و التعليم، حيث عرفت الساحات المقابلة للمديريات الجهوية للتربية والتكوين، والساحات العمومية بالمدن المغربية، وقفات احتجاجية لمختلف شرائح الشغيلة التعليمية، للمطالبة بتحسين الظروف وأخرى تطالب الحوار.
كما تفاعل المواطن المغربي مع انشغالات الشغيلة التعليمية وما تعرفه الساحة من احتقان لرجال ونساء التعليم، أبرزهم ‘’أساتذة الكونطرا’’ الذين وصلوا إلى سنتهم الخامسة في الشارع لإسقاط التعاقد، وما خلفته مسيرة الرباط الأخيرة من إصابات ومقاطع وصور فيديو توثق للتدخلات الأمنية ونقل المصابين على متن سيارات الإسعاف في حالات خطيرة، بالإضافة الى منع أساتذة للتصريح للمنابر الإعلامية.
وعبر المغاربة عن تفاعلهم مع ‘’أساتذة الكونطرا’’ من خلال إطلاق هاشتاغ ‘’ احموا الأساتذة في المغرب’’ باللغة العربية والانجليزية، تعبيرا منهم عن التضامن المبدئي مع الأساتذة الذين ينتمون إلى ‘’التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد’’ وتصدر هذا ‘’الهشتاغ’’ منصات التواصل الاجتماعي بالمغرب.
إسطي: كلما تزايد حجم الكتلة المحتجة، كلما تضاعف ثباتها على الاحتجاج
وفي ذات السياق، قال عبد الإله إسطي، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، إنه ‘’بكل تأكيد فقطاع التعليم منذ اعتماد نمط التوظيف بالتعاقد، وهو يشهد دينامية احتجاجية غير مشهودة، تجسدت في العديد من الأشكال الاحتجاجية، كما تفرقت على بربوع المملكة، بمعنى أن هذه الديناميكية لم تنحصر على المستوى المركزي فقط، بل امتدت أيضا إلى المستوى الجهوي. وهو ما خلق زخما احتجاجيا بدأ يتمدد في حجمه وشكله مع مرور السنوات ومع تزايد حجم الفئات المحتجة، التي يتزايد عددها سنة بعد أخرى’’.
وأضاف الباحث في العلوم السياسية، في تصريح خص به منبر بناصا أنه ‘’ تقول أدبيات الاحتجاج أنه كلما تزايد حجم الكتلة المحتجة، كلما تضاعف ثباتها على الاحتجاج وكلما تزايد إصرارها على الفعل الاحتجاجي، وهذا ما يجري مع الأساتذة المتعاقدين بقطاع التعليم، فالمتتبع لمسار الاحتجاجات التي خاضتها هذه الفئة منذ ميلاد تنسيقيتها منذ أزيد من أربع سنوات، أن حجمها في تمدد ظاهر، وهذا التمدد يزيد أيضا من قدرتها على الصمود في الفعل الاحتجاجي. ولا مناص أن هذا سيولد مستقبلا كتلة احتجاجية قارة، لن يتقلص حجمها إلا بالاستجابة لمطالبها والأهداف التي تأسست عليها’’.
وفي حديثه عن ما تعرض له الأساتذة المتعاقدين قال إن ‘’العنف الذي يعترض هذه الفئات فهو يدخل في إطار الضبط الأمني للمجتمع، لكن حينما يتحول لعنف غير متكافئ مع الأشكال السلمية التي تخوضها هذه الفئات يتحول لانتهاك جسدي، خصوصا إذا ما أضحى يتكرر في كل المحطات الاحتجاجية لهذه الفئات’’.
بوغالم: كل المؤشرات تؤكد على أننا في وضعية هشة مجتمعيا
ومن جانبه قال، عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة إن ‘’هذا الأسلوب الذي تمت به مواجهة احتجاجات الأساتذة المتعاقدين في الحقيقة يسيء للبلد، وينطوي على انتهاكات صارخة لكل المقتضيات القانونية والدستورية التي تخول للمواطنين حرية التعبير والاحتجاج بطرق سلمية، وذلك ما بينته بشاعة التدخلات التي تم توثيقها من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، والتي مست مشاعر المجتمع، بمختلف الشرائح، بمعنى أن شرط التضامن مع الأساتذة المتعاقدين حاصل، وهناك إجماع على عدالة قضيتهم’’.
وأضاف الأستاذ الجامعي في تصريحه لمنبر بناصا أن ‘’القمع الذي تعرض له الأساتذة المتعاقدين في الحقيقة لم يراعي لا مشاعر المواطنين ولم يراعي السياق الذي تمر منه البلاد، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الحدودية، لأن تداعياتها مازالت متواصلة، بالإضافة إلى قضية فجيج مؤخرا حيث خرجت الساكنة للتعبير عن التذمر، وخروج ساكنة الفنيدق، كل هذه الأمور غير ايجابية بالمجتمع، وسياق البلد يعيش على وقع وثيرة عدم الرضى والتوترات والقلق الذي يمس مختلف الشرائح، في فترة تميزت كذلك، بتداعيات كوفيد 19’’.
مؤكدا في ذات السياق على أن ‘’كل المؤشرات تؤكد على أننا في وضعية هشة مجتمعيا، وفي الوقت الذي نحتاج فيه للمزيد من التماسك حول القضايا الجوهرية، نكرس أساليب وممارسات، تزيد من الاحتقان والضجر وهذا ليس في صالح البلاد’’ وأضاف ‘’هذا نكوص وعودة الى مجموعة من الممارسات التي كانت سابقا، وأساليب جديدة تتمثل في ‘’البلطجية’’ التي تضرب عمق دولة المؤسسات، وتعطي مؤشرات على أنه لا شيء يتغير في هذا البلد، وإحساس بفقدان المعنى والثقة في كل أمل وتغيير، وهذه الأشياء عندما تجتمع فهذا ينبئ بالأسوء وقد يؤدي الى كل الاحتمالات’’.
تعليقات الزوار ( 0 )