عرف المغرب في الشهور الماضية، العديد من حالات الانتحار، وصلت في بعض الأقاليم إلى العشرات، خاصة الشمال، دون أن تقوم الجهات الوصية بأي تحركات لإجراء دراسة علمية من أجل تحديد الأسباب الرئيسية لإقدام الأشخاص في ريعان شبابهم على وضع حد لحياتهم، بطرق متعددة، من شرب السم إلى القفز من العمارات.
ووسط غياب الدراسات العلمية، لتحديد الأسباب وإيجاد العلاج، تشير أصابع الاتهام إلى الاكتئاب، بكونه السبب الرئيسي الذي يقف وراء انتحار غالبية الأشخاص الذين لم يكونوا يعانون من أي أمراض نفسية، بشهادة جيرانهم وأقربائهم، قبل أن ينهوا، بشكل مفاجئ، حياتهم، ويأخذوا أسباب فعلهم لذلك، معهم.
وتشير إحصائيات صادرة عن تقرير سابق، لمنظمة الصحة العالمية، إلى أن المغرب، يحتل المركز الثاني على المستوى العربي في عدد حالات الانتحار، بعد السودان المتصدرة، وذلك بمعدل يصل لـ 5.3 لكل مائة ألف نسمة، حث تشهد المملكة، أزيد من 5 حالات انتحار في كل شهر، وهناك أقاليم تعرف هذه يقارب عدد المنتحرين بها، 4 شهريا، كمعدل متوسط في آخر الشهور، وعلى رأسها شفشاون، والحسيمة.
ويربط الخبراء، دائما، بين الوضعية النفسية وظاهرة الانتحار، مشيرين إلى أنه، في الغالب، يكون الانتحار ناتجا عن الأزمات النفسية مثل الاكتئاب أو الاضطراب المزاجي، بالإضافة إلى بعض الأسباب الأخرى المتعلق بالوضعية الاجتماعية للمنتحر أو الظرفية الآنية التي يمر بها جراء حادث مثل جريمة قتل، والتي لا تشكل نسبتها في صفوف المنتحرين، سوى جزء بسيط، بالمقارنة مع “الأزمات النفسية”.
وفي هذا السياق، يؤكد عدد كبير من مقربي المنتحرين في المملكة، بأن الأشخاص الذين قاموا بإنهاء حياتهم، ورغم عدم معاناتهم من أي أمراض نفسية، إلا أنهم كانوا انعزاليين، ويميلون للابتعاد عن أماكن التجمعات وعن الناس، وهو ما يرجح الخبراء، بأن يكون ناجما عن أزمات نفسية آنية، أصابت أولئك الأشخاص، وعلى رأسها الاكتئاب.
ويطالب مجموعة من الأطباء والمحللين النفسيين، بضرورة، العمل على إنشاء مشروع طبي نفسي، في الأقاليم والعمالات المغربية، وخاصة تلك التي تعرف ارتفاع حالات الانتحار، بالإضافة إلى إطلاق حملات تحسيسية في وسائل الإعلام، وعن طريق فعاليات المجتمع المدني بالمدن والقرى.
في هذا الصدد، حاولت مجموعة من الجمعيات، علاج هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع المغربي، عبر القيام بحملات تحسيسية ومساعدة الشباب من أجل أن يستعيدوا الأمل في الحياة، ومعه الثقة في الاستمرار، غير أن قلتها، إلى جانب غياب التحركات الرسمية من الدولة، يجعل تأثير المجهودات المبذولة محدودا للغاية.
وسبق لمحمد الرامي، رئيس جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن ربط في ندوة نظمتها لجنة النموذج التنموي في وقت سابق، بين زراعة “الكيف” والاكتئاب، حيث قال إن عددا من الدراسات التي كانت قد انطلقت في أمريكا بخصوص القنب الهندي، وفوائد بعض مكوناته في محاربة السمنة، وزيادة الوزن، توقفت بسبب “ظهور نوع من الاكتئاب، بالموازاة مع الحد من الشهية”.
وأشار الرامي، إلى أن المناطق التي تعرف زراعة القنب الهندي تشهد ارتفاعا لنسبة الانتحار، وهو ما يحتاج، حسبه، إلى مزيد من الأبحاث لمعرفة الأسباب، وتحديد مدى ارتباطها بزراعة “الكيف”. كلام رئيس جامعة عبد المالك السعدي يزكيه الارتفاع الكبير لعدد حالات الانتحار التي تشهدها أقاليم شفشاون والحسيمة ووزان وتاونات، والتي تعرف هذا النوع من الزراعة.
وتبين إحصائيات صادرة عن منظمات دولية، بأن حوادث الانتحار في المغرب، تضاعفت بشكل كبير خلال العقد الأخير، مقارنة بسابقه، حيث وصلت النسبة لـ 97.8 في المائة، انتقل عبرها معدل الانتحار لكل مائة ألف نسمة من 2.7، سنة 2000، إلى 5.3 سنة 2012، إلا أن الجهات الرسمية، وعلى رأسها المندوبية السامية للتخطيط، لم تصدر أي إحصائيات رسمية بخصوص حوادث الانتحار في المملكة، رغم كل المطالب الداعية لذلك.
تعليقات الزوار ( 0 )