شهد ميناء الدار البيضاء خلال الأيام الماضية وصول أول دفعة من المركبات المدرعة الأمريكية الصنع من طراز M-ATV، في خطوة تعكس التقدم المستمر الذي تشهده استراتيجية المغرب في تحديث قواته المسلحة، وتعزيز جاهزيته لمواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
وتندرج هذه الصفقة ضمن شراكة عسكرية موسعة بين الرباط وواشنطن، حيث تعمل الولايات المتحدة على تمكين المغرب من تجهيز جيشه بمعدات عالية التقنية، تساهم في تطوير قدراته الدفاعية والهجومية، ورفع مستوى التنسيق العملياتي مع قوات حلف شمال الأطلسي.
تنتمي M-ATV إلى فئة المركبات المقاومة للألغام والكمائن (MRAP)، وهي من إنتاج شركة Oshkosh Defense، إحدى أبرز الشركات الأمريكية المتخصصة في الصناعات الدفاعية.
ويأتي هذا الطراز كنسخة محسنة ومدرعة بقدرات عالية على التحرك في التضاريس الوعرة، مع حماية باليستية قوية ضد العبوات الناسفة ونيران الأسلحة الخفيفة.
وتتمتع هذه المدرعة بنظام تعليق مستقل ومحرك “كاتربيلار” C7 ديزل توربيني، ما يمنحها قدرة عالية على المناورة في بيئات قتالية صعبة. كما أنها مزودة بإمكانية تركيب أنظمة القيادة والتحكم C4ISR، ومحطات الأسلحة الذكية، ويمكن استخدامها في عمليات حفظ السلام، مكافحة التمرد، ومراقبة الحدود.
وتم اقتناء 50 وحدة من هذه المدرعات عبر برنامج Special Defense Acquisition Fund (SDAF) التابع للبنتاغون، والذي يتيح تسليمًا سريعًا وميسرًا للمعدات العسكرية لحلفاء الولايات المتحدة، ما يعكس الثقة المتزايدة في المغرب كشريك استراتيجي موثوق في المنطقة.
ويهدف المغرب من خلال هذه الصفقة إلى دعم استراتيجيته في مواجهة التحديات الأمنية القادمة من منطقة الساحل، والتي تشمل تهديدات الجماعات المسلحة والعمليات الإرهابية والاختراقات الهجينة.
لا تُعد صفقة المدرعات الأمريكية حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة ممتدة من التعاون الدفاعي بين المغرب والولايات المتحدة، أبرزها: حصول المغرب على 162 دبابة M1A1 Abrams، واقتناء 600 صاروخ FIM-92 Stinger للدفاع الجوي.
كما تم تزويد سلاح الجو المغربي بصواريخ AIM-9X Sidewinder وAIM-120C AMRAAM لطائرات F-16، وعقد صفقة بـ1200 صاروخ مضاد للدبابات من نوع TOW-2A RF، تم تسليم 400 منها حتى الآن، مع تزويد البحرية الملكية بمروحيات Bell 412EP Sentinel لمهام الدوريات البحرية والحرب المضادة للغواصات.
وتعكس هذه التحديثات العسكرية الطموحة تحول المغرب إلى فاعل محوري في أمن واستقرار شمال إفريقيا والضفة الجنوبية للمتوسط، خصوصًا مع تنامي التهديدات العابرة للحدود، وتوسع دائرة عدم الاستقرار في الجوار الإقليمي.
وتساهم التمارين العسكرية المشتركة، أبرزها مناورات “African Lion” التي تُجرى سنويًا بمشاركة الجيش الأمريكي، في اختبار الجاهزية القتالية وتطوير مهارات القوات المغربية وفق المعايير الدولية.
وفي وقت تعاني فيه بعض الدول من فوضى في التسيير الأمني والعسكري، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كقوة إقليمية صاعدة، قادرة على الدفاع عن سيادتها ومصالحها، والمساهمة في استقرار محيطها الجغرافي.
وتمثل مدرعات M-ATV عنوانًا جديدًا في مسار هذا التحول، الذي يجعل من القوات المسلحة الملكية ليس فقط درعًا واقيًا للوطن، بل شريكًا موثوقًا في أمن القارة والمنطقة الأورو-متوسطية.
تعليقات الزوار ( 0 )