يواصل المغرب خطاه الحثيثة نحو تعزيز سيادته الطاقية وتوسيع بنيته التحتية الاستراتيجية، وذلك من خلال مشروع جديد أعلنت عنه وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، الأسبوع الماضي أمام مجلس النواب، يتمثل في إنشاء محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال بمدينة الناظور، ستُربط مباشرة بأنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي (GME)، الذي أصبح المغرب يستورده حالياً من خلاله الغاز عبر إسبانيا بعد أن كان يصدره عبره نحو أوروبا.
وتأتي المحطة الجديدة، التي ستُشيَّد في ميناء الناظور غرب المتوسط المستقبلي، ضمن رؤية شاملة لتأمين تنويع مصادر الطاقة، وتقليل التبعية، ومواكبة التحول نحو الطاقات البديلة، لكن ما لفت انتباه المراقبين هو المعطى الجديد الذي كشفته الصحافة الإسبانية، والمتمثل في أن شركة Jingye الصينية العملاقة هي من ستزود المغرب بأنابيب الفولاذ المستخدمة في تشييد هذا المشروع الطاقي الضخم، ما يعكس توجهاً مغربياً متزايداً نحو الاستعانة بآسيا، لا فقط كشريك اقتصادي، بل كبديل عن مزودين أوروبيين تقليديين.
امتداد في قلب الأطلسي… والعيون على جزر الكناري
ووفقاً لما نقلته صحيفة Voz Pópuli الإسبانية، فإن خط الغاز الجديد سيضم فرعاً يمر بمحاذاة جزر الكناري، ما يُضفي على المشروع أبعاداً جيوسياسية إضافية.
ففي حين يؤكد المغرب أن البنية التحتية الجديدة تهدف لتعزيز الربط مع المناطق الصناعية الحيوية مثل القنيطرة والمحمدية، ترى بعض الأوساط في إسبانيا أن التوسع المغربي في المياه الإقليمية المجاورة لجزر الكناري قد يحمل رسائل ضمنية تتجاوز مجرد الاحتياجات الطاقية.
وتزداد حساسية هذا الملف بالنظر إلى ما تشهده العلاقات المغربية الإسبانية من توازن دقيق، بعد سنوات من التوترات التي تفجّرت بسبب ملف الصحراء ، قبل أن تعود العلاقات إلى مجراها الطبيعي عقب دعم مدريد لخطة الحكم الذاتي المغربية سنة 2022.
مشروع استراتيجي متعدد الأبعاد
المشروع الجديد لا يمثل فقط استثماراً في البنية التحتية، بل يندرج ضمن سياسة مغربية أكثر جرأة واستباقية في إدارة ملف الطاقة.
إذ من شأن هذا المشروع أن يعزز أمن الطاقة الوطني ويقلل من هشاشة التبعية للمصادر المحدودة، يمد المناطق الصناعية الرئيسية بالغاز بشكل أكثر استقراراً وفعالية، ثم ربط المغرب مباشرة بشبكات الطاقة الأوروبية في اتجاهين، سواء للاستيراد أو مستقبلاً للتصدير.
كما أن اختيار المغرب لفولاذ من مصنع صيني، خاصة مجموعة Jingye التي قامت بريطانيا هذا العام بتأميم فرعها British Steel، يؤشر إلى رغبة الرباط في تنويع شركائها الصناعيين خارج المحور الأوروبي، في وقت تعرف فيه العلاقات الاقتصادية العالمية تحولات عميقة بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.
سياق مغربي خاص وتطلع إقليمي أوسع
وفي ظل التوجه المغربي نحو ترسيخ دوره كمركز طاقي إقليمي، لا يبدو هذا المشروع معزولاً. فقد سبقه دخول المغرب إلى مشاريع الربط الكهربائي مع إسبانيا وبريطانيا، ومفاوضاته حول أنابيب الغاز مع نيجيريا.
كما يشكل تعزيز البنية الغازية خطوة ضرورية لمواكبة الانتقال نحو الطاقات المتجددة، حيث لا تزال الغازات الأحفورية تلعب دوراً حاسماً في المرحلة الانتقالية.
وفي وقت تتصاعد فيه التوترات في الساحل والصحراء، يعكس هذا الاستثمار المغربي في البنية التحتية الطاقية إدراكاً استراتيجياً لأهمية التموقع الاقتصادي كوسيلة لتعزيز الاستقرار الداخلي والإشعاع الإقليمي.
تعليقات الزوار ( 0 )