في ظل التحديات المناخية المتزايدة التي يشهدها المغرب، لا سيما تراجع الموارد المائية وتكرار مواسم الجفاف، أظهرت الفلاحة المغربية قدرة استثنائية على الصمود، بل وتحقيق أداء مُبهر في القطاعات الموجهة للتصدير.
فقد أكدت تقارير صحافية فرنسية أن المملكة استطاعت، رغم الظروف المناخية القاسية، أن تحافظ على دينامية التصدير الفلاحي، وتسجّل نتائج لافتة، جعلتها في مصاف الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال.
الطماطم المغربية تتألق أوروبياً
ومن بين أبرز النجاحات المسجلة، تأتي الطماطم المغربية التي أصبحت اليوم من المنتجات الفلاحية الرمزية على المستوى الدولي.
فمنذ 2016، قفزت صادرات المغرب من الطماطم إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة تفوق 47%. وفي سنة 2024 وحدها، بلغ حجم هذه الصادرات رقماً قياسياً يُقدّر بـ690 ألف طن، بزيادة 19% مقارنة بسنة 2023.
ويعكس هذا الإنجاز الجهود الحثيثة التي يبذلها المنتجون المغاربة في مجال الامتثال للمعايير الدولية، من خلال استخدام أفضل البذور والمخصبات، واعتماد تقنيات متطورة في الري، والتربة، والحصاد، والتوضيب.
ووفقاً للحسن الإدردور، رئيس جمعية منتجي ومصدّري الفواكه والخضر، فإن هذه الدينامية ساهمت في تعزيز تنافسية المنتجات المغربية وقدرتها على فرض نفسها في الأسواق العالمية، رغم المنافسة الحادة.
تنويع الأسواق وتوسيع الآفاق
ولم يقتصر الطموح المغربي على الأسواق التقليدية كأوروبا وروسيا، بل بدأت أنظار الفاعلين الاقتصاديين تتجه نحو أسواق جديدة كاليابان ودول الخليج، المعروفة بصرامتها في ما يتعلق بجودة المنتجات وتتبع مسارها.
وفي هذا السياق، حققت صادرات الحمضيات بدورها أداءً إيجابياً، حيث يُتوقع أن تصل إلى 2.1 مليون طن خلال الموسم الفلاحي 2024/2025، بنسبة نمو تُقدّر بـ16%.
أما قطاع الأفوكادو، فقد واصل صعوده، مع استقرار المساحات المزروعة في حدود 10 آلاف هكتار، وإنتاج يُتوقع أن يصل إلى 90 ألف طن، مقابل 70 ألفاً السنة الماضية، ما يمثل نمواً بنحو 29%.
الفواكه الحمراء… قصة نجاح مغربية
من جهة أخرى، تتصدر المملكة أيضاً قائمة المنتجين والمصدرين العالميين للفواكه الحمراء، والتي تمثل قطاعاً استراتيجياً متنامياً.
ففي موسم 2023-2024، غطّت هذه الفاكهة مساحة بلغت 13.850 هكتاراً، وبلغ حجم الصادرات 212.196 طناً، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 9% مقارنة بالسنة السابقة.
رؤية استراتيجية رغم شبح الجفاف
وتؤكد هذه المعطيات أن الفلاحة التصديرية المغربية نجحت في الصمود أمام التقلبات المناخية، غير أن الصورة ليست وردية بالكامل. فلا تزال الزراعات الأساسية، كالحبوب والبقوليات، والتي تشغل 80% من المساحة الزراعية وتؤمّن عيش شريحة واسعة من سكان القرى، تعاني تحت وطأة الجفاف.
ولمواجهة هذا التحدي البنيوي، تضاعف الدولة جهودها عبر تسريع مشاريع تحلية المياه وبناء السدود، إلى جانب إدخال سلالات بذور مقاومة للجفاف، وتكثيف تكوين الفلاحين ومواكبتهم تقنياً.
المغرب بين مناخ قاسٍ وطموح أخضر
إن الأداء القوي لقطاعات التصدير الفلاحي، وخاصة في الخضر والفواكه، يؤكد أن المغرب، رغم هشاشة مناخية واضحة، يسير بخطى ثابتة نحو بناء نموذج زراعي مستدام، قائم على الابتكار والتنافسية والتنوع.
ففي وقت تعاني فيه العديد من الدول من تراجع إنتاجها الزراعي، يبرز المغرب كقوة تصديرية هادئة تنسج طريقها بصبر وثبات نحو الأسواق العالمية، ملتزماً برؤية مستقبلية تزاوج بين الأمن الغذائي وحماية الموارد الطبيعية.
تعليقات الزوار ( 0 )