Share
  • Link copied

المغرب يدخل عصر “الحرب الذكية” على الحشرات: “درونات” مجهزة بالذكاء الاصطناعي تبدأ مكافحة البعوض في تطوان والفنيدق… مبادرة بيئية جريئة تنقل الشمال المغربي إلى المستقبل

أطلقت السلطات المحلية في مدينتي المضيق والفنيدق (رِنقون وكَسْتييِخوس) مبادرة بيئية مبتكرة تقوم على استخدام طائرات مسيرة (درونات) متطورة لمحاربة تكاثر البعوض في المناطق الرطبة المحيطة، وذلك كحلّ علمي وتقني جديد لمعضلة بيئية وصحية كانت تؤرّق سكان المنطقة كل صيف.

طائرات ذكية لمحاربة أعداء غير مرئيين

ومع ارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر الصيف، تتحوّل المناطق الرطبة المحيطة بمدن الشمال، مثل مرتيل والفنيدق والمضيق، إلى بيئة مثالية لتكاثر الحشرات الضارة، وعلى رأسها البعوض الناقل للأمراض.

غير أن التضاريس الصعبة وصعوبة الوصول إلى كثير من هذه المناطق شكّلت تحديًا حقيقيًا أمام الوسائل التقليدية للمكافحة، وهو ما دفع السلطات إلى البحث عن بدائل أكثر دقة وفعالية.

وهنا جاء الحل من السماء، حرفيًا. فقد بدأت درونات خاصة بالتحليق على علو منخفض فوق هذه المناطق، مزوّدة بخزانات بسعة 40 لترًا، ونظام رشّ محكم، وتقنيات ذكاء اصطناعي وجي بي إس، إضافة إلى برمجيات تحكّم عن بُعد تسمح بالتدخل الدقيق في البؤر التي تشهد أعلى نسب تكاثر للبعوض.

بين التحدي البيئي والابتكار التكنولوجي

وتعدّ هذه المبادرة نقلة نوعية في التدبير البيئي المحلي، إذ تدمج التكنولوجيا الحديثة في العمل الجماعي، خاصة في جانب الوقاية الصحية.

فبدلًا من انتظار تفاقم الوضع الصحي، اعتمدت الجماعات المحلية على مقاربة استباقية، تفتح المجال أمام إدماج الذكاء الاصطناعي والطيران المُسيّر في التدبير اليومي للقطاعات الحيوية.

وقد أكد مختصون في المجال أن هذه الطريقة الجديدة تُظهر قدرة المغرب على التفاعل الذكي مع التحديات البيئية، مع إمكانية توسيع التجربة إلى مناطق أخرى تشهد ظروفًا مناخية مشابهة، خاصة في الغرب والجنوب.

السياق المغربي: حيث تتقاطع البيئة بالتنمية

والتحول نحو استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مكافحة الأوبئة والحشرات ليس فقط قرارًا صحّيًا، بل يندرج ضمن رؤية أشمل للمغرب، الذي يسعى لتحديث بنياته الصحية والبيئية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية التي تزيد من تفشي الأمراض المرتبطة بالحشرات، مثل حمى الضنك أو الملاريا.

كما أن هذه المبادرة تكتسب طابعًا رمزيًا قويًا في منطقة الشمال، التي كانت لعقود تعاني من ضعف البنيات التحتية البيئية، لكنها اليوم تتحوّل إلى نموذج في التسيير الذكي.

تدريب الطواقم وتوسيع النطاق

وتعتزم السلطات المحلية في المضيق والفنيدق توسيع هذا المشروع الطلائعي من خلال تكوين طواقم تقنية تابعة لأقسام الصحة والنظافة، من أجل ضمان الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا، وجعلها جزءًا من الاستراتيجية الموسمية لمحاربة الأوبئة والحشرات الضارة.

المغرب يرسل رسالة إلى المستقبل

ومن خلال هذه التجربة الرائدة، يبعث المغرب برسالة واضحة مفادها أن المعركة ضد التحديات البيئية لا يجب أن تبقى رهينة الأدوات التقليدية، بل تستدعي جرأة في الابتكار، وانفتاحًا على كل ما هو ذكي وفعّال.

وإذا نجحت هذه التجربة على نطاق محلي، فإنها مرشحة لأن تتحوّل إلى سياسة وطنية لمكافحة الحشرات في البيئات الحساسة، من المدن إلى الواحات، ومن الساحل إلى الجبل.

Share
  • Link copied
المقال التالي