على الرغم من الفواق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن المغرب، قرر في سنة 1987، تقديم طلبٍ رسميّ للاتحاد الأوروبي بغيةَ الانضمام إلى سوقه المفتوحة، غير أن الأخير رفض، بدعوى أن المملكة لا تنتمي للقارة العجوز، وهو الحلم، الذي ما يزال يراود مسؤولي البلاد، خصوصاً في ظلّ التقلّص الكبير الذي عرفته الفوارق بين البلدان.
وحاول المغرب، مباشرة بعد استقلاله، وحين كان بلدان الاتحاد الأوروبي الست وقتها تعاني من عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة، إلى جانب تداعيات الحرب العالمية الثانية، تحسين علاقاته مع الجيران الشماليين، حيث انطلقت المفاوضات بين الرباط والمجموعة الأوروبية خلال سنة 1963، ليوقعا اتفاقية تجارية تفضيلية بين الطرفين سنة 1969.
وخلال سنة 1976، وقع المغرب على اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، نال بناءً عليها، عدداً من الهبئات لفائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ليتقدم سنة 1987 بطلب رسميّ للانضمام إلى التكتل الاقتصادي للقارة العجوز، غير أن الطلب رُفض بمُبررات جغرافية، لتوقع بعدها المملكة عام 1995، على اتفاقية شراكة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، دخلت حيز التنفيذ سنة 2000.
وتنصّ الاتفاقية، التي تُعتبر أهم الشراكات التي وقعها المغرب مع الاتحاد الأوروبي، على إقامة الحوار السياسي من أجل تعزيز العلاقات بين الطرفين والتشاور والتقارب والتفاهم، وطرح القضايا والاهتمامات والدفاع عن المصالح بينهما، مع دراسة المواضيع الاقتصادية المشتركة؛ المبادلات التجارية، التنافس، التعاون الاقتصادي.
كما تضمنت الاتفاقية تنمية التعاون الاجتماعي والمساعدة الصحية والتشغيل، إضافة للتعاون الثقافي والتربوي والعلمي والتقني، وتبادل الخبرات والتجارب، والتواصل والاتصال، والتعاون المالي وحماية البيئة، قبل أن يعود المغرب سنة 2005 ويوقع اتفاقية شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، تخص مجال الصيد البحري.
ولم يفقد المغرب الأمل في أن يكون واحداً من البلدان المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، لاسيما في ظل النمو الذي عرفه البلد في مختلف المجالات، ما جعله ينافس بلداناً منتميةً للسوق الأوروبية في عدة مجالات، إضافة إلى كونه أحد المصدّرين الكبار لمجموعة من المنتجات صوب بلدان القارّة العجوز، على رأسها الفلاحية.
وإلى جانب الوضع الاقتصادي الذي يعرف نموّاً غير مسبوق، فإن المملكة، خطت منذ إعلان دستور 2011، خطوات مهمة نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تعتبر من الشروط الأساسية في البلدان المنتمية للاتحاد الأوروبي، كما أن الاستقرار السياسي الذي يعرفه المغرب، واليد العاملة الشابّة التي يُوفرها، يمكنهما أن يكونا من ضمن نقاط القوة التي قد تجعله يوماً واحداً من بلدان السوق الشمالي.
وتقف مخاوف الاتحاد الأوروبي من أي أزمة اقتصادية على رأس الأسباب التي تحول دون قبوله انضمام المغرب إليه، غير أن الكثير من المراقبين، يرون بأن هذا الأمر، يُمكن تجاوزه، مستشهدين بما عاناه السوق الأوروبي بعد انضمام إسبانيا والبرتغال اللتان كانتا تعانيان من العديد من المشاكل، إليه، سنة 1986، غير أنه استطاع التغلب عليه المعيقات الاقتصادية اللاحقة.
متابعون آخرون، اعتبروا بأن مبرر عدم انتماء المغرب للقارة الأوروبية، لم يعد وارداً في الفترة الراهنة، باعتبار أن الاتحاد قبل انضمام قبرص، التي تتبع جغرافيا لآسيا، سنة 2003، كما رفض انضمام تركيا، التي ينتمي نصفها لأوروبا، وهو ما يعني حسبهم أن الاعتبارات المبنية على الجغرافية، لم تعد تدخل ضمن أسباب رفض انضمام أي دولة إلى سوق القارة العجوز.
وساهم خروج برطانيا من الاتحاد الأوروبي، في إعادة حلم الانضمام للأخير إلى المغاربة، الذين أوضحوا، عبر بعض النشطاء، بأن المملكة تملك الإمكانيات التي تخوّل لها الدخول إلى السوق الأوروبي، مشيرين إلى أنه “صحيح أن الرباط لا يمكن أن تقارن بلندن، إلا أنها تستطيع أن تكون بديلاً محترماً لها، كما يمكن أن تشكل إضافة على المستوى الاقتصادي”، حسب قولهم.
وفي السياق نفسه، أعاد الاتفاق الذي وقعه المغرب مع إسرائيل، والقاضي باستئناف العلاقات بين البلدين، وما ترتب عنه من تعزيزٍ للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي لعبت دور الوسيط، وأعلنت بدورها الاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء، موضوع رغبة المملكة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى الواجهة بقوةٍ.
واعتبر متابعون بأن استئناف العلاقات مع إسرائيل وتعزيز العلاقات مع أمريكا، يُمكن أن يساهم في الدفع بعجلة المفاوضات، المتوقفة منذ عقود، على الأقل على المستوى المعلن عنه، لدخول المملكة للاتحاد الأوربي، إضافة إلى أن مشروع الجسر الرابط بين إسبانيا والمغرب، يعتبر مؤشراً على احتمال تعزيز الرباط لعواصمِ بلدان سوق القارة العجوز.
تعليقات الزوار ( 0 )