في وقت تتزايد فيه الضغوط الجيوسياسية وتتأرجح تحالفات ما بعد الحرب الباردة، كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن معطيات جديدة تحمل دلالات استراتيجية عميقة: الولايات المتحدة تدرس، على ضوء عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تقليص وجودها العسكري في أوروبا، مع احتمال نقل جزء من قدراتها العسكرية من قاعدة “روتا” الإسبانية إلى دول أخرى، وعلى رأسها المغرب.
ولطالما حظي المغرب بمكانة متميزة في حسابات الدفاع الأمريكية، خصوصًا بعد توقيع اتفاق التطبيع الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة في ديسمبر 2020، والذي تضمن اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وهذا التقارب لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل مهّد لتعاون أمني وعسكري غير مسبوق.
وتصف الصحيفة البريطانية المغرب بأنه “شريك موثوق” يمكن أن يشكل بديلاً جيوسياسيًا لقاعدة روتا، خصوصًا في ظل التوترات بين واشنطن ومدريد حول قضايا عديدة، من بينها إنفاق الدفاع، الموقف من الصين، والنزاع في غزة.
فبينما يتجه ترامب نحو تقليص التزاماته مع الحلفاء الأوروبيين، يبحث عن شركاء أكثر التزامًا واستعدادًا… والمغرب يبدو أنه يلعب أوراقه بذكاء.
ويتمتع المغرب بموقع جغرافي فريد يجعله صلة وصل بين أوروبا، إفريقيا، والمحيط الأطلسي، وهو ما يفسر اهتمام واشنطن بتعزيز وجودها جنوب المتوسط.
فمنذ سنوات، يحتضن المغرب مناورات “الأسد الإفريقي” التي تعتبر من أكبر المناورات العسكرية الأمريكية في القارة، إضافة إلى بنية تحتية عسكرية متطورة تشمل موانئ بحرية وقواعد جوية مؤهلة لاستقبال القوات الأمريكية.
وبحسب محللين، فإن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المغرب سيخدم مصالح واشنطن في مواجهة التهديدات الإرهابية بمنطقة الساحل، واحتواء النفوذ الروسي والصيني المتنامي في إفريقيا.
وتكشف “فايننشال تايمز” عن تزايد الشكوك داخل البنتاغون بشأن التزام بعض الحلفاء الأوروبيين، وعلى رأسهم إسبانيا، تجاه الأهداف الاستراتيجية المشتركة.
وتشير إلى أن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بمواقفه “غير المتماشية” مع أجندة ترامب، قد يكون دفع واشنطن لإعادة تقييم مدى اعتمادها على مدريد كحليف دائم.
في المقابل، لا يخفي المغرب رغبته في لعب أدوار أكبر على الساحة الدولية، خاصة في ظل تحولات إقليمية ودولية تُعيد تشكيل التحالفات.
وإذا تم بالفعل نقل بعض الوحدات الأمريكية إلى المملكة، فإن ذلك سيمثل قفزة نوعية في علاقات الرباط بواشنطن، وفرصة لتطوير الصناعات الدفاعية والبنى التحتية العسكرية الوطنية.
ورغم أن واشنطن لم تعلن بعد عن قرار نهائي بشأن مستقبل قاعدة روتا، إلا أن مجرّد طرح المغرب كبديل يُعد مؤشرًا على المكانة المتقدمة التي بات يحتلها في الحسابات الأمريكية.
وفي عالم سريع التغير، يبدو أن الرباط تُراهن على الثقة، الاستقرار، والموقع الجغرافي لتتحول من مجرد شريك عسكري إلى ركن استراتيجي في أمن المتوسط وإفريقيا.
وفي النهاية، ما يلوح في الأفق ليس مجرد تحوّل عسكري، بل إعادة رسم لخريطة النفوذ الأمريكي في المنطقة، والمغرب في صلب هذه الخريطة.
تعليقات الزوار ( 0 )