في لحظة فارقة من تاريخه الاقتصادي والاجتماعي، يجد المغرب نفسه أمام معادلة صعبة تجمع بين معاناة مستمرة بسبب أسوأ موجة جفاف منذ عقود، وآمال واعدة يعلقها على استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
ومنذ الثمانينيات، اعتاد المغرب على فترات جفاف متكررة، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تصاعدا مقلقا في حدة هذه الظاهرة، لتصبح تهديدا حقيقيا لاستدامة الاقتصاد الوطني. القطاع الفلاحي، الذي يمثل حوالي ثلث اليد العاملة ويساهم بـ14% من الناتج الداخلي الخام، كان الأشد تضررا، إلى جانب الصناعات والإمدادات المائية الصالحة للشرب.
ومع تزايد درجات الحرارة وتراجع مستويات الأمطار بنسبة 53% هذا العام مقارنة بالمعدلات التاريخية، أطلقت الحكومة المغربية استراتيجية الماء 2020-2027، باستثمار ضخم يبلغ 14.7 مليار دولار، يهدف إلى تعزيز البنية التحتية للمياه عبر بناء السدود ومحطات تحلية مياه البحر، إضافة إلى تنفيذ 140 عملية استمطار اصطناعي خلال السنوات الأربع الماضية.
ورغم هذه الجهود، حذر تقرير للمركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمية، حصلت عليه “فوربس الشرق الأوسط”، من أن المغرب دخل فعلياً مرحلة “الإجهاد المائي”، مع توقع فقدان 30% من موارده المائية بحلول عام 2050.
وفي خطوة غير مسبوقة، دعا الملك محمد السادس، في فبراير الماضي، إلى إلغاء شعيرة الأضحية خلال عيد الأضحى لهذا العام، في ظل التحديات المناخية والاقتصادية الخانقة. وبينما اعتبر البعض هذا القرار ضرورة ملحة للحفاظ على الثروة الحيوانية، عبّر آخرون عن قلقهم من تأثيره على تقاليد المجتمع.
وأوضحت المعطيات الرسمية أن المغرب فقد 38% من قطيع المواشي خلال السنوات التسع الماضية، ما اضطر السلطات إلى استيراد 124 ألف رأس غنم، و21 ألف رأس بقر، و704 أطنان من اللحوم الحمراء، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم محليا من 8 إلى 13 دولارا للكيلوغرام، مع توقعات بأن يتجاوز السعر 20 دولارا لولا التدخل الحكومي العاجل.
ورغم هذه الأوضاع الصعبة، يبقى الأفق الاقتصادي مشرقا بفضل استضافة كأس العالم 2030. الحكومة المغربية أطلقت مجموعة من المشاريع العملاقة لدعم الحدث، تشمل توسعة شبكة السكك الحديدية، وتحديث المطارات، وتحسين البنية التحتية للطرق، فضلا عن بناء وتجديد الملاعب الرياضية لتواكب المعايير الدولية.
ويتوقع أن تشهد المملكة تدفقاً غير مسبوق للسياح، حيث توقعت وزارة السياحة وصول عدد الزوار إلى 26 مليون سائح سنة 2030، بعد أن حققت رقماً قياسياً في 2024 باستقبال 17.4 مليون سائح. وتعد السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد المغربي، إذ تسهم بـ7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم الصعوبات، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج الداخلي الخام المغربي إلى 3.9% سنة 2025، مقابل 3.2% في 2024، بفضل ارتفاع الطلب الداخلي، وتحسن المالية العامة نتيجة إصلاحات ضريبية، وانتعاش الإنتاج الفلاحي. في حين تتوقع الحكومة نمواً أعلى قد يصل إلى 4.9%.
ويشير الخبراء إلى أن استضافة كأس العالم ستدفع بالناتج الداخلي الخام المغربي إلى عتبة 200 مليار دولار بحلول 2029، مقارنة بحوالي 145 مليار دولار حاليا.
ورغم التفاؤل، شدد خبراء الاقتصاد على أن نجاح المغرب في استثمار حدث كأس العالم يتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لضمان تحول اقتصادي حقيقي وليس مجرد انتعاش ظرفي. كما نبهوا إلى ضرورة مواصلة الجهود الحثيثة لمواجهة الجفاف، خصوصا وأن القطاعات الفلاحية والصناعية تظل حاسمة لتحقيق نمو مستدام.
وفي هذا السياق، أكدت أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، سمر البغوري، أن كأس العالم قد يعوض جزءا من الخسائر الفلاحية، لكنه لا يغني عن ضرورة معالجة الأزمة المائية بجذورها.
وبين مطرقة الجفاف وسندان التحديات الاقتصادية، يبدو المغرب مصمماً على تحويل محنته إلى فرصة تاريخية، يرسم من خلالها مستقبلا أكثر ازدهارا وشمولية.
تعليقات الزوار ( 0 )