في تقرير جديد صادر عن مجموعة Credendo البلجيكية المتخصصة في تقييم المخاطر السيادية والاقتصادية، أشاد المحللون بما وصفوه بـ”الصلابة الاقتصادية” التي أظهرها المغرب في مواجهة سلسلة من الأزمات العالمية، مؤكدين على استمرار الأداء القوي للاقتصاد المغربي وتوقعات بتحسّن المؤشرات الماكرو-اقتصادية خلال السنوات المقبلة، رغم التحديات البيئية والجيوسياسية المتزايدة.
اقتصاد مقاوم في وجه العواصف العالمية
ويشير التقرير إلى أن المغرب، وخلافًا لعدد من الاقتصادات الناشئة في شمال إفريقيا، تمكّن من تجاوز تبعات جائحة كورونا، وارتفاع أسعار المواد الأولية بسبب الحرب في أوكرانيا، دون الوقوع في فخ الاختلالات العميقة.
فقد سجّل الناتج الداخلي الخام نموًا سنويًا بمعدل 4.1% في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.9% في عام 2025 مقارنة بـ3.2% في 2024، مدفوعًا بالانتعاش في قطاعات السياحة والصناعة.
واللافت في تحليل Credendo أن المغرب لم يكتفِ بتجاوز الصدمات، بل تمكّن من الحفاظ على توازنه الاقتصادي عبر سياسة مالية حذرة وقدرة عالية على امتصاص الضغوط الخارجية، مقارنة بجيرانه في المنطقة.
مؤشرات ماكرو اقتصادية على مسار التحسن
وفي ما يخص المالية العمومية، يتوقع التقرير أن تعرف عجز الميزانية الأولية انخفاضًا تدريجيًا ليعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، في حدود 1% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2025 و2028.
كما يُرتقب أن يتراجع الدين العمومي تدريجيًا من 70% من الناتج الداخلي الخام في 2024 إلى حوالي 66%، مع استمرار التزام الحكومة بإصلاحات هيكلية ضمن إطار متوسط المدى للسياسات المالية.
وفي ما يتعلق بالوضع الخارجي، يؤكد التقرير على قوة الموقع المالي للمغرب، مستفيدًا من احتياطات الصرف الكافية، وضعف الديون الخارجية قصيرة الأجل، وسهولة الولوج إلى الأسواق المالية، بالإضافة إلى التسهيلات الائتمانية الممنوحة من صندوق النقد الدولي.
تحديات بيئية تهدد الاستدامة
ورغم هذا المسار الإيجابي، لا يخفي التقرير قلقه من بعض التهديدات البنيوية، في مقدمتها الاختلال المناخي، الذي يُعد نقطة ضعف هيكلية في الاقتصاد المغربي.
فرغم الجهود المبذولة لتنويع القطاعات الإنتاجية، لا تزال الزراعة تشكل أكثر من 10% من الناتج الداخلي الخام، وتوفر ثلث مناصب الشغل تقريبًا، مما يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات المناخ، خصوصًا في ظل توالي سنوات الجفاف (5 من أصل 6 سنوات الماضية)، مما أثّر بشكل واضح على الإنتاج الفلاحي ومستوى الدخل في العالم القروي.
رهانات جيوسياسية ومخاطر التشظي الاقتصادي
ومن زاوية أخرى، يُبرز التقرير أن طموح المغرب للتحول إلى قطب صناعي وبوابة نحو إفريقيا قد يصطدم بتوترات الجغرافيا السياسية، خاصةً في ظل تصاعد الصراع التجاري بين الصين والغرب، مما قد يضعف جاذبية الاستثمارات في قطاعات استراتيجية مثل صناعة السيارات واللوجستيك.
تصنيف المخاطر: نظرة مستقرة رغم التحديات
وفي ظل هذه الدينامية المعقدة، أعلنت Credendo عن الإبقاء على التصنيف المستقر للمخاطر السياسية قصيرة ومتوسطة المدى الخاصة بالمغرب، معتبرةً أن متانة الأسس الاقتصادية، والتزام الحكومة بالإصلاح، والتوازن في السياسة الخارجية، عوامل كافية لتعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في المستقبل القريب للمملكة.
تعليقات الزوار ( 0 )