في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات اقتصادية وتحولات حادة في سلاسل التوريد، تواصل صناعة السيارات في المغرب شق طريقها بثبات، متأرجحة بين تطلعات طموحة نحو الريادة الإقليمية وتحديات ملموسة على مستوى التصدير.
فبينما يشهد السوق المحلي انتعاشًا غير مسبوق في مبيعات السيارات، تشير الأرقام إلى انخفاض مقلق في صادرات القطاع، ما يضع البلاد أمام معادلة معقدة: كيف تحافظ على زخمها المحلي دون أن تخسر موقعها العالمي؟
قفزة محلية تؤكد دينامية السوق
وبحسب أرقام حديثة نشرتها جمعية مستوردي السيارات بالمغرب (AIVAM) واستعرضها موقع afrik، شهدت مبيعات السيارات الجديدة ارتفاعًا بـ36.14% خلال النصف الأول من 2025، مع تسجيل 112,026 مركبة جديدة.
ويعكس هذا النمو ثقة متزايدة لدى المستهلك المغربي، مدفوعة بتسهيلات تمويلية، وتنوع العرض، ودخول نماذج جديدة تلبي التطلعات.
وواصلت علامة داسيا تصدر السوق، فيما سجلت رينو وهيونداي وبيجو نسب نمو لافتة. لكن المفاجأة جاءت من الشرق، حيث سجلت العلامات الصينية، وعلى رأسها BYD، نموًا فاق التوقعات – بزيادة فاقت 3600% خلال عام واحد فقط، ويؤكد دخول هذه العلامات بقوة تغيّرًا في موازين السوق، ويفرض تحديات جديدة على المصنعين التقليديين.
سيارات فاخرة ونفعية: سباق متعدد المسارات
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن القطاع لم يقتصر على السيارات العادية، بل شهدت المركبات الفاخرة بدورها تنافسًا حادًا، حيث تربعت أودي على عرش المبيعات متفوقة على BMW ومرسيدس.
أما في فئة المركبات النفعية الخفيفة، فكانت الغلبة لـرينو، تليها فيات والعلامة الصينية DFSK، ما يعكس توسعًا في استخدامات السيارات لدى شرائح مختلفة من السوق.
في الجهة المقابلة: صادرات تحت الضغط
ورغم هذا الزخم الداخلي، لم تسلم صادرات القطاع من التراجع. فوفقًا للبيانات ذاتها، سجلت صادرات السيارات انخفاضًا بنسبة 4% حتى نهاية ماي 2025، لتستقر عند 64.7 مليار درهم.
ويعود هذا التراجع، الذي يعد الخامس على التوالي، إلى انخفاض بنسبة 16.2% في صادرات مكونات التركيب، وتراجع في مبيعات المركبات الجاهزة بنسبة 6.8%، مقابل تحسن طفيف في صادرات الكابلات الكهربائية.
ميزان تجاري يعاني.. رغم كبح فاتورة الطاقة
وظهر الأثر الأكبر لهذا التراجع في الميزان التجاري الوطني، حيث ارتفع العجز إلى 133.1 مليار درهم (+15.1%)، نتيجة زيادة في الواردات بـ7.4%.
صحيح أن انخفاض تكلفة الطاقة ساعد في كبح بعض الخسائر، إلا أن ارتفاع واردات المعدات والمواد الخام والغذاء ساهم في تأزيم الوضع، مما يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الوطني.
من طنجة إلى القنيطرة: خريطة الاستثمارات تتسع
وفي قلب هذا المشهد المتقلب، يواصل المغرب رهانَه على تطوير سلاسل الإنتاج والبنية التحتية. ميناء طنجة المتوسط، الذي يستقبل أكثر من 20 ألف سفينة سنويًا، يشكّل اليوم نقطة وصل استراتيجية لتصدير السيارات نحو أوروبا.
وتضاعفت المنطقة الصناعية المخصصة لصناعة السيارات، طنجة أوتوموتيف سيتي، مساحتها لتصل إلى 1,185 هكتارًا في 2025، في إشارة واضحة إلى تنامي الطموحات.
وفي القنيطرة، أعلنت مجموعة Stellantis عن خطة لمضاعفة طاقتها الإنتاجية إلى 400 ألف سيارة سنويًا، مع نية نقل إنتاج طراز Citroën C4 من إسبانيا إلى المغرب. أما رينو، فتواصل إنتاج طرازات سانديرو، لوجان وجوجر الهجينة بين مصنعيها في الدار البيضاء وطنجة.
نحو مليون سيارة سنويًا.. ولكن بشروط
وتضع المملكة نصب أعينها هدف إنتاج مليون سيارة سنويًا بحلول نهاية العام، ما من شأنه تعزيز موقعها كمركز صناعي بديل عن أوروبا، التي تواجه تحديات بيئية وقانونية متصاعدة.
فبدءًا من 2026، ستُلزم الدول الأوروبية المصنعين بتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20%، ما يدفع العديد من الشركات إلى البحث عن حلول إنتاجية أقل تكلفة وأكثر مرونة.
مستقبل واعد مشروط باستقرار التصدير
ويقف المغرب يقف اليوم على مفترق طرق. فبين الطلب الداخلي المتنامي، والبنية التحتية المتطورة، والاستثمارات الكبرى من شركات عالمية، يبدو أن البلاد قادرة على تحقيق طفرة صناعية فعلية. إلا أن استمرار التراجع في التصدير قد يشكل كبحًا لهذا الطموح.
ويبقى الرهان الأساسي هو إيجاد التوازن بين السوق المحلي والدولي، وتعزيز القدرة التنافسية، مع مراعاة التقلبات العالمية، خاصة في ظل أزمة السيارات الكهربائية التي بدأت تلقي بظلالها على كبرى الشركات العالمية، كما أشار تقرير Afrik.
تعليقات الزوار ( 0 )