في سابقة تثير الكثير من الجدل، قضت المحكمة العليا للعدالة في مدريد بتأييد قرار الإدارة العامة للتشغيل (SEPE) بإلغاء إعانة البطالة المخصصة للأشخاص فوق سن 52 سنة، في حق رجل من أصل مغربي، بسبب سفره إلى المغرب أربع مرات خلال فترة إعانته، دون إشعار السلطات الإسبانية المختصة، مما اعتُبر مخالفة جسيمة للقانون.
المعني بالأمر، الذي كان يستفيد من الدعم منذ سنة 2019، تجاوز الحد القانوني المسموح به للمغادرة المؤقتة من التراب الإسباني، والمحدد في 15 يومًا في السنة، دون إخطار إدارة التشغيل كما ينص عليه القانون.
وقد بلغت قيمة المساعدات التي حصل عليها دون وجه حق، حسب القرار، أكثر من 8500 يورو، مع إلزامه بإرجاع المبلغ كاملًا، وحرمانه من الدعم مستقبلاً.
وفي محاولة للدفاع عن نفسه، برر المواطن المغربي هذه التنقلات المتكررة إلى بلده بـ”ظروف شخصية عاجلة ذات طابع صحي”، وقدم وثائق طبية تؤيد موقفه، إلا أن المحكمة رأت أن هذه المبررات لا تعفيه من التزام الإخطار المسبق، مشيرة إلى أن “الجهل بالقانون لا يبرر مخالفته”.
مغاربة المهجر… بين الولاء المزدوج وتضارب القوانين
وتسلط هذه الحادثة الضوء على واقع معقد يعيشه العديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والذين يجدون أنفسهم ممزقين بين الالتزامات القانونية في بلدان الإقامة والروابط العائلية والإنسانية في الوطن الأم.
فالكثير من هؤلاء، خاصة كبار السن، يحتفظون بعلاقات أسرية قوية في المغرب، ويضطرون للعودة في حالات الطوارئ دون إدراك دقيق لما قد يترتب عن ذلك من تبعات قانونية.
وفي السياق المغربي، تُثير هذه القضية تساؤلات أعمق حول وعي أفراد الجالية المغربية بحقوقهم والتزاماتهم في بلدان الإقامة، وضرورة تعزيز التوعية القانونية والإدارية، سواء من خلال القنصليات أو عبر برامج موجهة من طرف الدولة المغربية، لحماية مصالحهم وصون كرامتهم.
ورغم أن قرار المحكمة الإسبانية يستند إلى نصوص قانونية واضحة، إلا أن المعضلة تكمن في غياب آليات مرنة تُراعي الحالات الإنسانية، خاصة في ما يتعلق بالسفر الطارئ لأسباب صحية أو عائلية.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن القوانين الاجتماعية في أوروبا، وإن كانت صارمة، تحتاج أحيانًا إلى بعد إنساني أكبر حين يتعلق الأمر بمهاجرين يربطهم حبل سُرّي بوطن لا يمكنهم الانفصال عنه بسهولة.
وتكشف هذه الواقعة مرة أخرى عن هشاشة الوضع القانوني لكثير من أفراد الجاليات، وخصوصًا المغاربة المقيمين بالخارج، في ظل تشابك المصالح وازدواجية الروابط.
فبينما تسعى الدول الأوروبية لحماية نظامها الاجتماعي من الاستغلال، ينبغي أيضًا توفير قنوات تواصل فعالة تمكّن المستفيدين من فهم القوانين والالتزام بها دون أن تتحول الإجراءات البيروقراطية إلى فخ يقع فيه المستضعفون.
تعليقات الزوار ( 0 )