شارك المقال
  • تم النسخ

المؤسسات السجنية ووظيفة الإصلاح

يعود تاريخ بدايات نظام السجون إلى الألفية الأولى قبل الميلاد ببلاد الرافدين ومصر، حين كانت السجون عبارة عن زنازين تحت الأرض، يعيش فيها المسجون منتظرا تحقق إحتمالين أحلاهما مر؛ الإعدام أو الاستعباد.

ومنذ ذاك التاريخ البعيد إلى زمننا الحاضر، إختلفت وتعددت الفلسفات التي أثرت على أشكال السجون وخصوصياتها، متأثرة في ذلك بنظرة المجتمع للسجين أولا وأخيراً، وبالتالي أضحت السجون مصنفة تصنيف الفنادق، فتجد أحدها مرصعا بالنجمات الخمس وآخر بدون تصنيف.

وقد شكلت فترة الأربعينات من القرن الماضي قفزة نوعية في المجال الحقوقي الكوني بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948، ثم تم في سنة 1966 المصادقة على العهديين الدوليين وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وقد إعتبر هذا التراكم الحقوقي التعاهدي ذو الصبغة العالمية ذا تأثير هام على الوضعية العامة لسجناء العالم بإعتبارهم جزءا من الكل الذي جاءت لتهتم به هاته الإتفاقيات.

وما بين التاريخين المذكورين، تم انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في جنيف سنة 1955، الذي أوصى بما أسماء “القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء” والتي أقرها المجلس الإقتصادي والإجتماعي على مرتين وفي سنتي 1957 و 1977، وتحدد هذه القواعد الحد الأدنى من خير المبادئ والقواعد العملية لمعاملة المسجونين، والتي على ما يبدو أنها تفهم وكأنها قواعد الحد الأقصى حين تتفحص حال المؤسسات السجنية أو تسمع لتجارب بعض السجناء.

إن السجين، وإبتداءا من الخطوة الأولى التي يخطوها داخل السجن إلى آخر وجبة يتناولها قبل الإفراج عنه، يجب ألا يعامل معاملة النزلاء في الفنادق، ويحسب نفسه مجرد مقيم غير دائم، يتمتع بوجبات السجن على مرارتها وينعم بنوم في سكون الليل على وحشته، كما أن هذا لا يعني أيضاً أن يعامل معاملة لا إنسانية تجرده من أدنى حقوقه الأساسية وتجعله مواطنا من الدرجة الثانية حتى إشعار آخر.

فما ينبغي أن يكون، هو أن يعتبر موظفوا السجون، وبمختلف رتبهم ومسؤولياتهم أنفسهم أمام تحد يقضي بتوفير كافة الإمكانيات والوسائل الضرورية، من أجل العمل والحرص على أن تكون مغادرة سجين لزنزاته مغادرة بدون عودة؛ ولا نشير هنا إلى الموت طبعا.

وما الباعث إذن، في أن تكون أغلب المؤسسات السجنية بالمغرب تبتدأ أسماؤها بعبارة ” مركز الإصلاح”، في غياب أي إصلاح يهم ذات السجين، الذي يرى في السجن فضاءا للزجر والتعذيب بمفهوميهما الواسعين اللذين يتجاوزان الضرر المادي إلى شقه المعنوي، كما أن الإستمرار بالتقيد بالمفهوم التقليدي للسجن الذي لا يتعدي نطاق الجدران الأربعة يساهم من دون أدنى شك في ترسيخ الصورة القاتمة عن السجون وجعلها تنأى بعيدا عن الوظيفة الأصلية وهي وظيفة الٱصلاح.

ولعل من الإجراءات الواجب اتخاذها في هذا الباب، هو تفعيل مقاربة تشاركية فعلية بين المؤسسات السجنية والمجتمع المدني، لما أضحى لهذا الأخير من دور فعال وحقيقي، ليس كمتفرج من خارج الصندوق كما كان عليه قبلا بل كفاعل داخله.

ودور المجتمع المدني في هذه الحالة سيتركز في الجانب التكويني، وسيكون حريصا على تلقين المساجين مختلف المهن والحرف والتقنيات العملية المختلفة التي ستؤهلهم وتمكنهم عند نهاية فترة محكوميتهم من الولوج لسوق الشغل سواء بالقطاع المهيكل أو غير المهيكل.

وبدل أن يلاحظ المجتمع زيادة بعض كيلوغرامات أو خسارة بعض منها من سجين خرج لتوه من السجن، ستكون الأعين مصوبة في التغيير الجذري الذي طرأ عليه وعلى رغبته في الرجوع عضواً صالحا في المجتمع مستغلاً ما اكتسبه من مهارات أثناء وجوده بالسجن.

حينها فقط، سيكف المجتمع عن النظر إلى المؤسسات السجنية كدكة الٱحتياط التي يوضع فيها غير المرغوب فيهم فقط، لتتحول النظرة إلى المؤسسة على أنها فضاء يحاول تقويم كل فرد شذ عن الجماعة بسلوك غير مسؤول ولا يتماشى مع القانون.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي