بدأت بعض المدن المغربية وعلى رأسها مدينة الدارالبيضاء تعرف انتشار كنائس عشوائية خاصة بالمهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، تتم فيها إقامة الشعائر الدينية المسيحية مع ما ينجم عن ممارستها من ضوضاء وصخب أصبح يسبب إزعاجا وإقلاقا لراحة الجيران خاصة أيام الأحد التي تعتبر أيام عطلة وراحة.
.حرية المعتقد وممارسة الشعائر المسيحية
يتفرد المغرب عن الكثير من الدول الإسلامية بكونه يسمح لمعتنقي الديانات السماوية كاليهود والمسيحيون بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية. وهكذا يقوم السكان من ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب والمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء كل سبت أو أحد أو في مناسبات دينية من أعياد الفصح والميلاد وغيرها بممارسة صلواتهم و طقوسهم الدينية بكل حرية وفي إطار احترام القانون . فطبقا لمقتضيات الدستور المغربي بما فيه دستور فاتح يوليوز 2011 «يضمن للجميع ممارسة حرية المعتقدات» بما فيهم م المسيحيون الذين يقومون بممارسة شعائرهم بشكل علني. لكن على الرغم من هذا الوضع الدستوري و القانوني الذي يسمح بحرية المعتقد وضمان ممارسة الشعائر الدينية للجالية المسيحية المقيمة بالمملكة ، بدأت تعرف بعض الأحياء الشعبية، كحي سيدي الخدير والألفة بالحي الحسني، استغلال بعض المهاجرين غير الشرعيين أقبية العمارات السكنية وشقق من أجل إقامة طقوسهم. حيث أثارهذا الوضع غضبا في صفوف المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من تنامي بروز هذه الكنائس في الأحياء، مطالبين السلطات بالتدخل لوقف زحف هذه الكنائس العشوائية . وبهذا الصدد أوضح حسن السلاهمي، مستشار جماعي بمقاطعة الحي الحسني، أن بروز كنائس عشوائية تستغل من طرف المهاجرين صار يقلق راحة المواطنين بحيث أن هناك شكاوى من قبل مواطنين مغاربة حول ما يحدثه هؤلاء من فوضى وضوضاء أثناء قيامهم بشعائرهم، الأمر الذي يستلزم مواجهته. مشددا بأن هذه الساكنة ليست ضد القيام بهذه الشعائر، غير أنها مستاءة من الأجواء التي ترافقها وما تخلفه من فوضى مزعجة في حين أكد رئيس فرع الدار البيضاء للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، محمد أبو النصربأنه “من الناحية المبدئية، نحن مع حرية المعتقد ومن حق أي كان أن يقوم بمعتقداته، لكن في مكانها وفي جو عادي ومحترم. وبشكل لا يحدث الفوضى للجوار “مضيفا بأنه ” في المقابل، نحن أيضا ضد التهجم على هؤلاء في القيام بشعائرهم وطقوسهم الدينية. هذا أمر مرفوض “.
حرية المعتقد وانتشار الكنائس العشوائية
أصبحت ظاهرة الكنائس غير المرخصة منتشرة بشكل كبير في منطقة الحي الحسني التي تعتبر من بين الاحياء الشعبية المكتظة بالسكان والتي يقيم فيها العديد من المهاجرين من جنوب الصحراء من التوغو والكوت ديفوار ونيجيريا وغيرها .ولعل مما ساهم في تزايد هذه “الظاهرة التدينية العشوائية” هو إقدام ملاك المنازل على تأجير محلاتهم من مآرب وكراجات لبعض المنحدرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، بمبالغ مالية شهرية تتراوح بين 6000 و 9000 درهم الذين يقومون بتحويلها إلى مقرات رئيسية لممارسة شعائرهم الدينية بدون أي ترخيص قانوني أو إخبار للسلطات المحلية.
وقد أبدت ساكنة بعض أحياء منطقة الحي الحسني بمدينة الدار البيضاء استيائها من تحويل مرائب سكنية إلى كنائس غير مرخصة، تمارس فيها الشعائر الدينية للمنحدرين من بلدان إفريقيا، مما يتسبب في إزعاج وضجيج للقاطنين بالمنطقة وقد تحول هذا الاستياء إلى تذمر بعدما شهدت أحياء مقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء انتشارا متزايدا لهذه الكنائس العشوائية التي أقامها مهاجرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء داخل شقق وأقبية عمارات سكنية، في ظاهرة أصبحت تطرح عدة تساؤلات حول مدى احترام الضوابط القانونية المنظمة لممارسة الشعائر الدينية في المغرب . فحسب شهادات متطابقة من سكان أحياء سيدي الخدير والألفة، فإن هذه التجمعات الدينية تقام بشكل سري في أماكن غير مهيأة، حيث يتم استقبال العشرات من المصلين في فضاءات ضيقة، وسط أجواء تتسم بالصخب والضجيج الناجم عن الطقوس الدينية التي تجرى بشكل منتظم خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث أكد السكان أن هذه الأنشطة تخلف فوضى وازدحاما داخل الأحياء السكنية، بالإضافة إلى صدور أصوات مرتفعة من التراتيل والمواعظ الدينية، مما يحول حياة الجيران إلى معاناة حقيقية..في هذا السياق، عبر وقد عبرالعديد من المواطنين لمواقع إعلامية عن رفضهم تحويل الشقق السكنية إلى أماكن عبادة غير مرخصة، معتبرين أن الأمر يتعارض مع القوانين الجاري بها العمل، ويهدد السكينة العامة، حيث طالبوا السلطات المحلية بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه الممارسات، خاصة أن بعض هذه الكنائس العشوائية أصبحت تستقطب أعدادا متزايدة من الوافدين، مما يزيد من حدة الإزعاج ويثير مخاوف أمنية . وفي هذا السياق ، وجه عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، سؤالين كتابيين إلى كل من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، على خلفية ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن انتشار فضاءات تحت أرضية لاقامة كنائس بدون ترخيص. كما أوضح بأن هذا الموضوع أثار انشغال الرأي العام، خاصة في مدينة الدار البيضاء، حيث تم تداول معطيات غير مؤكدة بشأن استغلال بعض الفضاءات، خصوصاً في الأحياء الشعبية، لإقامة أنشطة دينية غير مرخصة، دون أن تتوفر معطيات دقيقة حول الجهات القائمة عليها أو طبيعة الأنشطة التي تُمارس فيها. وتساءل النائب البرلماني عن مدى قانونية هذه الفضاءات، وما إذا كان القائمون عليها يتوفرون على التراخيص اللازمة، محذراً من أن هذه الظواهر قد تساهم في إشاعة القلق وغياب الشعور بالأمان الروحي لدى المواطنين “.
وقد طالب النائب البرلماني من خلال سؤاليه الوزارتين المعنيتين بالكشف عن التدابير التي تعتزمان اتخاذها من أجل التصدي لهذه الظواهر، وضمان احترام القوانين المنظمة لممارسة الشعائر الدينية داخل المملكة.
حرية المعتقد و بناء كنائس مسيحية
على الرغم من بعض الإجراءات التي قامت بها السلطات المحلية استجابة لشكايات بعض ساكنة هذه الاحياء للحد من الفوضى التي يحدثها هؤلاء أثناء ممارستهم طقوسهم الدينية كالاتصال بهم وتحذيرهم بأن هذه الممارسات غير قانونية ، إلا هذه الإجراءات تبقى ظرفية ووقائية. إذ أن أن الامر يتطلب تدابير شمولية لا تهم فقط الادماج الإداري والتعليمي لوافدين الافارقة، بل يتعلق الأمر بإدماج شرائح مختلفة من مهاجري جنوب الصحراء تعتنق ديانات مسيحية بتقاليد وطقوس دينية افريقية خاصة المهاجرين غير الشرعيين الذين أصبحوا يعتبرون المغرب بلد استقبال وليس بلد عبور . فبعد تبني المملكة لسياسة رسمية تقوم على منح أوراق الإقامة والسماح بولوج بعض المرافق العمومية من مدارس ومستشفيات عمومية ، أصبح المغاربة يعانون من عدة مظاهر تنغص حياتهم خاصة في الأحياء الشعبية وبمدينة كالدارالبيضاء. إذ أن الكل يتذكر احتلال بعض المهاجرين لمحطة اولاد زيان وتحويل جنباتها إلى مراتع للفساد والرذيلة والتحرش بساكنة الأحياء المجاورة للمحطة بما فيها فتياتهم وزوجاتهم مما اضطر السلطات إلى اجلاءهم بعد مواجهات معهم مما دفعهم إلى احتلال جنبات خطوط الترمواي قبل تشغيلها إضافة إلى تعاطيهم للتسول أمام إشارات مرور شوارع كبرى بالدارالبيضاء. أما عندما يقوم بعضهم بكرا ء بيت لأحدهم في اقامات سكنية ، فعادة ما تتحول إلى مأوى لجماعات تتناوب على هذا البيت المكترى بما يسببه ذلك من اضرار للمصاعد وازعاج للسكان. وبالتالي فظاهرة تحويل مآرب ومحلات سكنية في بعض الأحياء الشعبية مؤخرا إلى كنائس فهو يندرج في إطار هذا الاكتساح الذي عرفته أحياء شعبية كالحي الحسني من طرف شرائح من المهاجرين تعتنق المسيحية بطقوسها الدينية الافريقية في الوقت الذي كان من الممكن أن يقوم هؤلاء المهاجرون بالذهاب إلى كنائس كبرى كتلك المتواجدة بشارع الزرقطوني على سبيل المثال وذلك على غرار ما يقوم به مقيمون أفارقة بالصلاة بشكل منظم إلى جنب باقي المقيمين المسيحيين من أوربا وغيرها . لكن يبدو أن التركيبة الاجتماعية لهؤلاء الأفارقة ووضعيتهم غير الشرعية والقانونية وربما الروح القبلية وعدم تشبعهم بمنطق قانون بلد الاقامة هو الذي يدفع بهؤلاء إلى التمادي في هذا السلوك مستغلين جشع بعض الساكنة وتغاضي السلطة مما قد تترتب عنه مستقبلا مواجهات قد تتخذ اشكالا عنصرية. فالعنصرية تتولد ليس فقط بسبب افكار ومعتقدات بل بالأساس بسبب الاصطدام القيمي والسلوكي حول المجال المشترك وبالتالي قد تعرف أحياء المدن المغربية مستقبلا ما تعيشه الأحياء السكنية في بعض الدول الأوربية كفرنسا وإيطاليا وغيرها.
وبالتالي، فقد حان الوقت للتفكير في بلورة إجراءات شمولية و عملية تتضمن بالأساس تشييد أمكنة مرخصة خاصة بالعبادة لهؤلاء، وفضاءات مجهزة تتوفر على شروط السلامة والوقاية لقيامهم بصلواتهم الاسبوعية. حيث ليس هناك ما يمنع من إقامة بناء كنائس جديدة تستوعب الاعداد المتزايدة من هؤلاء المقيمين الافارقة من ذوي الديانات المسيحية المختلفة . لكن في انتظار هذا المشروع ستظل هذه الكنائس العشوائية نقطة توتر بين المهاجرين الأفارقة الذين يستغلون هذه الفضاءات لممارسة شعائرهم الدينية، وبين ساكنة الأحياء خاصة الشعبية التي تؤكد أن هذه الأنشطة تعتبر مصدر إزعاج وتقويضا لراحة السكان، مما يجعل من الضروري إيجاد حلول متوازنة تراعي احترام القوانين وضمان السلم الاجتماعي وتوفير الامن الروحي.
تعليقات الزوار ( 0 )