Share
  • Link copied

القرصنة اليهودية ليوم عاشوراء.. هل عاشوراء يومٌ عبري يهودي أم عربي إسلامي؟!

هل يوم عاشوراء يومٌ عبري يهودي أم يوم عربي إسلامي؟

ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشريعُ ندبِ صيام اليوم العاشر من محرم، ووقع الاختلاف في سبب هذا التشريع، وذلك من خلال فرضيتين اثنتين:

الفرضية الأولى: صيام العاشر من محرم لأنه يوم نجاة نبي الله موسى عليه السلام من فرعون.

هذه الفرضية مذكورة في حديث ابن عباس المروي في الصحيحين، ونصه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم “قدم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم”. هذا لفظ البخاري، وفي صحيح مسلم: قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا فنحن نصومه”.

من خلال هذا النص، يتبين لنا الآتي:

أولا: يعد صيام وتعظيم عاشوراء من صميم الثقافة اليهودية.

ثانيا: لم يثبت عن اليهود أن اعتمدوا التقويم القمري، فكيف كانوا يصومون العاشر من محرم؟ وما علاقة تقويمهم بمحرم؟

ثالثا: لم يثبت في الثقافة اليهودية ما يدل على صيام اليهود يوم العاشر من محرم، لا نجد ذلك في كتبهم المقدسة، ولا نجده في كتب أحبارهم. ومن غير السائغ أن يكون ذلك ثقافة عامة عندهم ولا تُذكر في كتبهم.

رابعا: لنفرض أن اليهود كانوا يصومون يوم العاشر من محرم، ويربطون ذلك بنجاة بني إسرائيل وموسى من العدو الأبرز والأخطر، فإن هذا الصيام سيستمر في الثقافة المدنية، وسيتوارث أهل المدينة سببه، ومعلوم أن الإمام مالكا كان يهتبل بعمل أهل المدينة، ومع ذلك لم يرو هذا الحديث، وهذا مغمز في الحديث.

خامسا: وردت في نصوص الصيام المرتبط بيهوديةِ هذا اليوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى ذلك حين قدم المدينة وفوجئ بصيام اليهود، لكن هناك روايات أخرى تقول بأن الصحابة لم يستسيغوا هذا الصيام لأنه معظم عند اليهود، فحثهم على مخالفتهم وقال: لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر.

ولو كان هذا صحيحا لصام النبي صلى الله عليه وسلم تاسوعاء وعاشوراء منذ العام الأول، لأن مخالفة اليهود والنصارى والمشركين كانت حاضرة عنده بقوة في أفعال متعددة بلغت حد التواتر، ولو كان هذا صحيحا لذكّره الصحابة بذلك في العام الأول أو الثاني، أما أن يصوموا وفاقا لليهود تسع أو عشر سنوات ثم يتفطنوا لذلك في العام الحادي عشر فمستبعد جدا.

سادسا: من خلال الروايات التي تثبت الأصل اليهودي لهذه الشعيرة، نفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وعموم المسلمين لم يكن عندهم صيام عاشوراء، ولم يعرفوه إلا بعد الهجرة، وهذا خطأ محض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعموم المسلمين كانوا يصومون عاشوراء قبل الهجرة، وكان صومه واجبا. فكيف يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم إلا بعد التعرف على الثقافة اليهودية؟

سابعا: مما يدل على شذوذ هذا الحديث أن إحدى روايات الحديث في صحيح مسلم تنص على أن الصحابة قالوا: “يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى”، ومعلوم أن النصارى لا علاقة لهم بهذا اليوم، ولم يثبت تعظيمهم له، ولا علاقة لهم بشهر محرم، ولا يعرفون التقويم القمري.

لهذه الاعتبارات نرجح بطلان هذه الفرضية، ولا نربط بين صيام عاشوراء ونجاة موسى أو بني إسرائيل، ولا علاقة بتعظيم المسلمين لعاشوراء بتعظيم اليهود له، ولا نستبعد شذوذ هذا الحديث.

الفرضية الثانية: صيام العاشر من محرم من الثقافة العربية القرشية المرتبط بشعيرة الحج.

روى البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تُستَر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه”.

وروى البخاري عن عائشة قالت: “كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية”.

وروى البخاري ومسلم عنها أيضا أنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر”.

وروى البخاري ومسلم عنها أيضا أنها قالت: “كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه”.

وروى البخاري عن ابن عمر قال: “صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان تُرك”.

هذا الحديث برواياته المتعددة يفيدنا الآتي:

أولا: صوم عاشوراء ثابت في الثقافة القرشية قبل الإسلام.

ثانيا: يعضد هذا أن قريشا كانت تعتمد التقويم القمري، خلافا لليهود.

ثالثا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء على سبيل الوجوب، وكان يأمر به أصحابه، ولما نسخ بصوم رمضان صار مندوبا.

رابعا: تثبت هذه النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة كان يصوم عاشوراء، خلافا للرواية الأخرى التي تبين أنه لم يكن يصوم هذا اليوم إلا بعد أن فوجئ بصنيع اليهود.

خامسا: صوم عاشوراء كان عند قريش فرحا وطربا بانتهاء موسم الحج، لذلك ثبت في رواية عائشة أنهم كانوا يسترون الكعبة.

سادسا: حديث عائشة رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، ورواه أيضا الإمام مالك، وهنا نتساءل: لماذا لم يرو الإمام مالك حديث التأصيل اليهودي رغم ارتباطه بالمدينة التي كان متتبعا لكل صغيرة وكبيرة من آثارها، وفي المقابل روى حديث التأصيل القرشي لهذا الصيام؟

لهذه الاعتبارات، أرى أن صيام يوم عاشوراء يعد من صميم الثقافة العربية القرشية، وله ارتباط بشعيرة الحج، ولعله مما بقي من شريعة سيدنا إسماعيل عليه السلام، أما الادعاء بكونه من أيام اليهود فلا أراه إلا قرصنة لهذا اليوم ولهذه الشعيرة التي لم يثبت فيها سوى صوم العاشر من محرم، أما اليوم التاسع فيبقى على الإباحة كغيره من الأيام.

وهنا نثير تساؤلا آخر، لماذا اشتهر بين الوعاظ والشيوخ حديث صوم اليهود ولم يشتهر حديث صوم قريش؟ بل إن منهم من لا يعرف صوم قريش ولم يسمع به ولم يعرف أنه كان واجبا؟ مع العلم أن الأمرين واردان في الصحيحين. هل يعد هذا نجاحا لتغلغل الإسرائيليات في الثقافة الإسلامية؟ أم أن السياسة الأموية هي التي عملت على شهرة الحديث الأول لما فيه من مناقبية وخوارق للتغطية على الجرائم الفظيعة التي ارتكبها “الخليفة” الفاجر يزيد بن معاوية لعنه الله في هذا اليوم في حق سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟

Share
  • Link copied
المقال التالي