يُعد الحق في الحياة أحد الحقوق الأساسية التي لا يمكن المساس بها، وقد كرسته مختلف المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، من بينها الدستور المغربي. غير أن ما تشهده بعض مراكز الاحتجاز ومخافر الشرطة من حالات وفاة في ظروف غامضة أو نتيجة استعمال مفرط للقوة من طرف رجال الأمن، يُثير تساؤلات جدية حول مدى احترام الدولة المغربية لالتزاماتها في مجال حماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في الحياة.
- الإطار القانوني الوطني
ينص الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل 20 على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق.” كما يؤكد الفصل 22 على أن “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أثناء الاعتقال أو الحجز أو الوضع تحت الحراسة النظرية.”
كما ينص قانون المسطرة الجنائية على عدة ضمانات للموقوفين، من بينها ضرورة إبلاغ الأسرة، والتواصل مع محام، والخضوع لفحص طبي بطلب من المعني بالأمر أو ذويه.
- الإطار القانوني الدولي
صادقت المملكة المغربية على عدد من المواثيق الدولية ذات الصلة، أبرزها:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 6): يضمن الحق في الحياة، ويحظر الحرمان التعسفي منه.
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة: تُلزم الدول باتخاذ تدابير فعالة لمنع أي أعمال تعذيب داخل أماكن الاحتجاز.
المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين: تشدد على أن استخدام القوة يجب أن يكون في الحدود الدنيا اللازمة، وأن استخدام القوة المميتة لا يكون مبررًا إلا لحماية الأرواح.
- مسؤولية الدولة والتزاماتها
بموجب هذه النصوص، فإن الدولة المغربية مُلزمة بضمان عدم وقوع حالات قتل تعسفي أو استعمال مفرط للقوة داخل أماكن الاحتجاز. كما أنها مسؤولة عن إجراء تحقيقات مستقلة وفورية في كل حالة وفاة غامضة أو مشبوهة تحدث أثناء الحجز، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتعويض الضحايا.
- هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها
في سياق العدالة الانتقالية، عملت هيئة الإنصاف والمصالحة على توثيق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من ضمنها حالات وفاة تحت التعذيب والاحتجاز التعسفي. وقد أوصت الهيئة، في تقريرها الختامي سنة 2005، بضرورة:
عدم تكرار الانتهاكات، عبر إصلاح المنظومة الأمنية والعدلية.
ضمان الرقابة القضائية والإدارية على أماكن الحجز.
تعزيز ثقافة حقوق الإنسان لدى المكلفين بإنفاذ القانون.
ضمان الحق في الإنصاف والتعويض للضحايا وذويهم.
- تحديات ينبغي مواجهتها
رغم الجهود المبذولة، من قبيل إحداث آلية الوقاية من التعذيب، وتكريس دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتضمين البعد الحقوقي في سياسة الدولة ذات الصلة بالمجال الأمني في إطار الحكامة الأمنية، لا تزال بعض الحوادث تثير الشكوك حول فعالية تلك التدابير على أهميتها.إن استمرار بعض حالات القتل التعسفي أو سوء المعاملة داخل مخافر الشرطة يُعدّ مؤشرًا على الحاجة إلى تعزيز آليات الرقابة، وضمان المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
احترام الحق في الحياة والكرامة داخل أماكن الاحتجاز يبقى اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الدولة المغربية بمبادئ دولة الحق والقانون. كما أن تحقيق العدالة والإنصاف في مثل هذه القضايا يشكل حجر الزاوية في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات الأمنية التي تبقى لها أهميتها في حفظ الأمن والاستقرار بغض النظر عن الأخطاء التي يمكن للموظفين المكلفين بانفاذ القانون الوقوع فيها أثناء ممارستهم لمهامهم لأسباب متعددة.
تعليقات الزوار ( 0 )