شارك المقال
  • تم النسخ

“العنف ضدّ الأطفال”.. إكراهات قانونية ونفسية في مواجهة سلوك متشنّج

بعد انتشار مقطع فيديو يوثق حادثة اعتداء أم على ابنتها داخل المنزل بمساعدة اخوتها عن طريق كيّها في أنفها، عاد الى الساحة الوطنية النقاش حول أساليب التربية الحديثة، وحدود العقوبات التي على الآباء والأمهات تنزيلها على أبنائهم في حالة ارتكابهم لفِعل يستدعي الجزر والعقوبة .

تقول المؤشرّات المتوفّرة إن نسبة العنف الأسري وبالاخص العنف الموجه اتجاه الاطفال في ارتفاع حيث أوردت اليونيسيف ان زهاء 90 في المائة من الاطفال بين سنتين وأربع سنوات في المغرب، سبق لهم ان تعرّضوا للعنف من طرف آبائهم وأمهاتهم تخت ذريعة ضبط السلوك والتربية .

وسبق ان صنّفت المنظمة الاممية المغرب في المرتبة العاشرة عالمياً من حيث نسبة تعنيف الاطفال داخل وحارج المحيط الاسري، في هذا التقرير ترصد بناصا شهادات حيّة لأمهات وأباء مارسوا العنف ضد ابنائهم، وآراء خبراء تربويين وحقوقيين في ظاهرة “العنف ضد الاطفال” .

“العنف ضد الأطفال” .. حلول صعبة

تحكي حياة وهي امرأة مطلّقة وأم لثلاثة اطفال، انها رفعت دعوى للخلع من طليقها بعد ان بدأت تلاحظ الآثار النفسية لممارساته العنيفة على ابنائه، لتكشف في حديثها مع بناصا انها فضّلت الانفصال عن زوجها عوض الاستمرار في علاقة زوجية قد تتفاقم مخلّفاتها على الحالة النفسية للأبناء .

تقول الباحثة في العلوم القانونية، ميلودة الرميتي، إن اللجوء للقانون في حالة العنف الاسري يعتبر ضرورة ملحّة خصوصا مع ممارسة أحد الوالدين للعنف في حق أبنائه، مضيفة في تصريح لبناصا ان المشرّع المغربي رغم عدم اعطائه لتعريف واضح للعنف ضد الأطفال الا انه حصر مجموعة من السلوكيات التي تدخل في اطار القانون الجنائي .

تضيف المتحدثة نفسها، في معرض تفسيرها لتبرير لجوء المصرّجة حياة الى الطلاق، ان العلّة تكمن في الاستمرار في علاقة قد يترتب عنها مخالفات اكبر في المستقبل من طرف الابناء او الوالد، مشدّدة ان على المواطنين التشبع بالثقافة القانونية كبديل انسب في حالة اخفاق الردع التربوي والثقافي .

وكشفت تقارير ان العنف الممارس على الاطفال تحت أي ذريعة غالباً ما يؤثر في شخصية الطفل، ويجعلها اما انقيادية لصالح الأقوى أو متمردّة لا تعطي اعتبارا للقواعد الاخلاقية والقانونية وتفرّغ شحنة من العنف المضاد في محيطها .

الآباء هم الاكثر عنفاً ضد الابناء

سبق وكشفت جمعية “ماتقيسش ولدي” عن أرقام مخيفة فيما يتعلّق بالعنف الممارس ضد الأطفال، حيث جاء في احصائيات الجمعية المعنيّة بحقوق الطفل، ان حوالي 26 ألف شخص قد توبعوا في قضايا العنف ضد الاطفال بين ينتي 2010 و 2012 .

وأضاف المصدر نفسه، ان الآباء هم اغلب ممارسي العنف ضد الاطفال في المغرب، من خلال عدد المتابعات القضائية التي عرفها المغرب في قضايا من هذا النوع في الفترة المذكورة، حيث كشف أحد المعلّقين على “واقعة العرائش” ان الآباء باعتبارهم رمزا مصغراً للسلطة الجزرية يسهل وقوعهم في فخ العنف ضد الابناء، خصوصا مع غياب ثقافة المتابعة النفسية لدى المغاربة .

وقالت حياة، في شهادتها لبناصا، انها بدأت تلاحظ تغيراً في سلوك ابنائها بفعل العنف المفرط الذي يعانون منه في المنزل ما دفعها لمصارحة الأب بتحفّظاتها، ما اعتبره الوالد تدخلاً في صلاحياته التربوية على ابنائه.

تقول المصرّحة وهي التي اختارت الطلاق بعد محاولات عدّة لتقويم سلوك الزوج مع ابنائه الا ان عقلية الأب المسيطر ظلّت تتحكم في علاقة الطرفين، ان التوتر القائم في المنزل حوّله الى بؤرة لممارسات العنيفة بين الأطفال فيما بينهم وهي التي وجدت نفسها أيضا ًوسط هذه الدوامة.

تعنيف طفل .. “اغتيال إنسان”

اعتبرت دلال منّي، الفاعلة حقوقية، ان العنف الممارس على الأطفال من طرف الوالدين مشكل حقيقي يعود لأسباب ترتبط بالنشأة والحالة العقلية والنفسية للاباء والامهات الى جانب المستوى التعليمي ومدى الانفتاح على العالم الخارجي، وكدت منّي في حديثها الى بناصا، ان “العنف الجسدي والمعنوي في مجمله ضعف فكريّ” .

“تعنيف طفل يعني أساساً اغتيال انسان في لحظة عجز، فمن الصعب ان نحصل على مواطن بالغ سويّ من طفل تعرّض للقسوة في المراحل الاولى من حياته” تضيف الخبيرة في مجال الحماية القانونية للمرأة والطفل، مشدّدة على الدور الذي قد تلعبه مؤسسات المساعدة الاجتماعية والمؤسسات التعليمية في التحقق والمواكبة وتقويم وضع الطفل في مراحله الاولى .

وقالت المتحدثّة نفسها، إن أغلب التدخلات التي تهدف لحماية الأطفال المعنّفين هي مبادرات للمجتمع المدني، مؤكدة على أن “الجهود والامكانات المتاحة يجب ان تركّز على التوعية والتحسيس لمحاربة هاته الآفة وتقوية الأسرة بآعتبارها النواة الصلبة التي تضمن تماسك المجتمع”.

السلامة النفسية للأطفال المعنّفين

“واقعة العرائش ليست هي الوحيدة ولا الاخيرة هناك عديد من حالات العنف ضد الاطفال تتوافد بشكل يومي على المستشفيات” بهذه العبارة الصادمة، استهلّ محمد البارودي، الأخصائي في علم النفس، تصريحه لبناصا، مضيفا ان “الحماية النفسية للاطفال المعنفين تستلزم الانصات والاستماع للمشاكل التي يتخبّط فيها الطفل وايجاد أجوبة لتساؤلاتهم بحضور” .

وأكد الأخصائي النفساني، أن تحقيق الحماية النفسية يستلزم توفير جوّ ملائم للانصات من اجل تحقيق التفريغ على المستوى النفسي للشحنات الانفعالية التي يعاني منها الأطفال. وكشف البارودي، ان العنف الجسدي قد يتسبب في تأثيرات نفسية تظهر على المستوى السلوكي والإدراكي من خلال الخوف المرضي والتبوّل اللارادي والفزع الليلي، وقد تصل لدرجة الاكتئاب والتفكير أو الشّروع في محاولة الانتحار لدى الأطفال المعنّفين، وهنا يظهر دور علم النفس الذي يخفّف من حدّة التوتر النفسي ويوفّر آليات الارشاد والدعم النفسي.

ويشدّد المتحدث، على أن الأطفال المعنّفين يجب أن يتبّعوا نظاماً خاصاً في العلاج النفسي من خلال جلسات التتبع من طرف اخصائي نفسي لتوفير الدعم والتتبع النفسي بخطوات علاجية معتمدة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي