شارك المقال
  • تم النسخ

العقوبة العظمى.. الإعدام حتى الموت

تمهيد

ورد في الأناجيل  أن السيد المسيح قال  لحظة دق الرومانيون المسامير على يدييه وصلبه على الصليب كلماته الأخيرة ::

يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون  ماذا يفعلون”لوقا “

الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس”( لوقا)

يا إلهي إلهي، لماذا تركتني؟” (إنجيل متى)

أنا عطشان” يوحنا 19: 28).)

 يا أبتاه، في يديك أستودع روحي” لوقا 23: 46).)

مع ضرورة الإشاره :

إلى قول الله تعالى :.(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)  صدق الله العظيم

*****************************************

الحق في الحياة هو  الحق الأصيل الأول والأهم، ضمن حقوق الإنسان، الذي أقرته وحمته جميع الأديان، والشرائع والقوانين الإنسانية، لكن للتاريخ تشوهاته وتعرجاته وانحرافاته، فقد عرفت البشرية منذ فجر التاريخ جرائم القتل والفتك، فكانت أول جريمة كما قص علينا القرآن الكريم  هي جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل، طمعا وحقدا وجحودا، ومنذ ذلك الحين والإنسان يقتل أخاه الإنسان، دون شفقة أو رحمة، مخالفا بذلك الطبيعة التي فطر الله عليها البشر، ذلك أن كل إنسان يولد على الفطرة والبراءة، ولكن غالبا ما كان الجشع والطمع مولدا  للشر، ومكرسا له في السلوك الإنساني، فكان لابد للمجتمعات والدول، أن تواجه العنف بعنف أشد قسوة وأكثر فتكا، فانتج العنف عنفا مضادا ،والقتل  غير المشروع قتلا مشرعنا، وقد تنوعت العقوبات بتنوع الجرائم، ومن بين أقدم الشرائع التي أخذت بمبدأ القصاص  قوانين حمو رابي  التي أخذت  كنوع من العدالة الانتقامية  وارتباطاً بقاعدة العين بالعين؛ فإذا كسر رجل عظمة رجل آخر  تكسر رجله، كما كانت تُقابل الجرائم الكبيرة بعقوبات مخيفة، فإذا قبض على أم وابنها بارتكاب الزنا كان يتم حرقهما حتّى الموت، وإذا تواطأ زوجان من العشّاق لقتل شركائهما كانت العقوبة هي الموت بالخازوق لكلّ منهما، كما أنّ جزاء الابن الذي يضرب أباه هو قطع اليدّ، أمّا فيما يتعلّق بالجرائم التي لا يُمكن إثبات صحّتها أو نفيها مثل جرائم السحر، فأتاح القانون التحكيم الإلهيّ؛ وهي إحدى الممارسات غير العادية؛ حيث يوضع المتهم في موضع يحتمل أن يكون فيه القاتل لإثبات براءته، فإذا قفز المتهم إلى النهر وغرق ومات أخذ المدّعي حقّه، وإذا أنجّت الآلهة المتهم أُعدم المدّعي ليأخذ البريء حقّه. ومن تسبب في هدم بيت هدم عليه بيته،  من قتل يقتل بنفس الطريقة التي يقتل بها،

أن الإعدام لغة  من عدم يعدم عدما، بمعنى أفنى وقتل، والعدم ضد الوجود، فالأشياء بأضدادها تعرف، واصطلاحا عرفه الفقهاء القانونيون بكونه ازهاق نفس بشرية تنفيذا لقرار  قضائي صادر عن محكمة شرعية قانونية ، وتعتبر عقوبة الإعدام العقوبة الأشد من ضمن العقوبات الجسدية،، وقد شرعت كعقوبة رادعة ضد الجرائم البشعة، التي يركبها المجرمين  القساة العتاة،

فهل تحقق عقوبة الإعدام العدالة، ؟ إنه سؤال كبير مشروع يظل مشرعا،، لأنه في كثير من الأحيان استعملت هذه العقوبة لغايات  ومآرب للسلطة الحاكمة بقصد إسكات الأصوات المعارضة، فأعدم أناس باسم القانون ظلما وعدوانا، وخير مثال نستحضره في هذا المقام المحاكمة التي اوردها

أفلاطون في محاوراته في نهاية حوار فيدون فبعد الحكم على سقراط باعدامه، من طرف حكومة أثينا، بتهمة الهرطقة والإلحاد، وإفساد الشباب، وقبل تجرعه كأس السم قال :أنظروا إما أن يكون الموت غيبوبة، وإما أن يكون انتقال إلى عالم آخر، فلو فرضتم فيه انعدام الشعور وأنه كرقدة النائم لا تزعجه الأحلام، ففي الموت نفع كبير، أما إذا كان انتقالا إلى عالم آخر، حيث تستقر أرواح الأخيار، في طمأنينة  و سلام فأي خيار يكون أفضل لي أيها الأصدقاء والقضاة، ويحكي أفلاطون في المحاورة أن سقراط فظل الموت على الهروب احتراما للقوانين والشرف والمروءة ورفض ذرائع تلميذه كريتو للهرب، وفي الأخير تجرع كأس السم وأخذ يمشي حتى تنملت رجلاه، فاستلقى على السرير وفاضت روحه، وكذلك كان حال  أبو منصور الحلاج فقد أعدم بدوره لغايات سياسية ولانتمائه  للقرامطة، بتهمة الزندقة وادعاء الألوهية، وكان مشهد إعدامه مرعبا، حيث قطعت أطرافه، وترك  مصلوبا على أبواب بغداد، ثم تم إحراق جتثه ودر رمادها في نهر دجلة، وذلك من أجل جريمة رأي ومن أجل  أفكاره  وشطحاته.

في الغالب كانت عقوبة الإعدام عقوبة احتفالية كرنفالية، كان هدفها إبراز القتل، في أجواء استعراضية أمام العامة، وفي الساحات والتجمعات العمومية، وقد اتسمت  خلال التاريخ القديم والوسيط بالقوة، و الوحشية، والرغبة في الانتقام وقد تفنن البشر في اختراع آلات الأعدام من المقاليع، والكماشات، والسلاسل، والقيود الحديدية، والخازوقات، والصلبان والمسامير ،والمقاصل والسيوف والسكاكين للسلخ والتقطيع ،كما تعددت وسائل وطرق الإعدام من تمزيق الأجساد، وصلب على الصلبان، وقطع الرؤوس وحرق بالنار والنحاس والحديد الذائب، وشنق، وقتل بالرصاص، وأخيرا قتلا  بالكرسي الكهربائي، وقاعات الغاز، وحق الحقن، وشرب السم، وإلقاء بالمحكوم عليهم في الأقفاص لتأكلهم النمور والأسود، أو دفنهم أحياء ،

وبعد ظهور الأديان السماوية خففت العقوبات تدريجيا وأصبحت تأخد طابعا إنسانيا وفق  ما كانت تفرضه طبيعة الأعراف والعادات، والتقاليد المجتمعية، من مبدأ الثأر والانتقام، ففي هذه الديانات لم يعد ممكنا معاقبة الأبناء بجريمة الأبآء قال الله تعالى :(لا تزر وازرة وزر أخرى) صدق الله العظيم، ومع ذلك  فقد ظلت بعض العقوبات قاسية مثل رمي الشواذ واللواطيين من أماكن شاهقة، أو رشق الزناة بالحجارة وهي شريعة كان  معمولا بها في القوانين القديمة وفي الشريعة اليهودية والإسلامية.

أما بخصوص  الديانة الإسلامية فإنه بعد القيام  ببحث استقصائي، حول مفردة الإعدام تبين أن هذه الكلمة لم ترد ولا مرة، بالقرآن الكريم،  ولكن مع ذلك فقد أقرت الشريعة عقوبة الإعدام قال الله تعالى  :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ  وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ   لعلكم تَتَّقُونَ.

وقال أيضا :وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

و رغم إقرار القرآن عقوبة الإعدام، فقد نهى عن التمثيل والتشويه بالجتث ونهى عن القتل بالنار، واقتصرت فيه عقوبة الإعدام على الجرائم المعروفة بالحدود، مثل القتل والزنا وحد الحرابة، والكفر والارتداد، وللفقهاء في ذلك تفصيل على المذاهب الفقهية، ، ولبعض المجتهدين المعاصرين أراء حديثة تذهب إلى أن هذه هي حدود تاريخية زمنية، وليس حدودا أبدية سرمدية، وأنها كانت مرتبطة براهن زمانها، وراعت ظروف وقتها، وأنها ارتفعت ونسخت بتطور المجتمعات، كما نسخت  آية الرجم من القرآن لفظا، وكما جمد تطبيقها على أرض الواقع في سائر الدول الإسلامية، فهي حدود صالحة في راهنيتها لزمانها، وفق ما كان سائدا من باب المصلحة، كما صرح بذلك شحرور وطه محمود طه وغيرهم من بعض الفقهاء المجتهدين وهبة الزحيلي وطه جابر العلواني. والترابي رحمهم الله  وغيرهم من الأحياء. وقد قال الشيخ القرضاوي في مقابلة على الجزيرة حول موضوع الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر في برنامج الشريعة والحياة مع الصحفي عثمان عثمان يوسف : (…. على أن نحكم بالشريعة في ضوء اجتهاد جديد يراعي تغيرات الزمان والمكان والإنسان مش بنأخذ اللي في الكتب القديمة ونحكم، لا، في أشياء ما عادت تصلح، في اجتهادات قديمة ما عادت تصلح لزماننا، والشريعة صالحة لكل زمان ومكان ولكن في ضوء اجتهاد المجتهدين الذين يجمعون كما قيل بين الأصالة والمعاصرة ينتفعون بكل قديم نافع ويرحبون بكل جديد صالح فهذا هو..

أما بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، فقد كانت العصور الوسطى عصورا مظلمة، مليئة بالقتل والعنف الدموي الشيطاني،  عن طريق  محاكمات الساحرات، والهراطقة، والفلاسفة والعلماء فقد أعدم الفيلسوف الإيطالي برينو والعالم غاليليو حرقا لأن الأخير قال بكروية الأرض،وقد ذكر الفيلسوف البنيو ي الفرنسي ميشل فوكو في كتابه المراقبة والعقاب في الصفحة الأولى  أنه حكم 1797على دمايان  بالإعدام في الثاني من آذر، وفوق  منصة الإعدام، التي نصبت هناك، جرى قرصه بالقراصة، في حلمته و ذراعه وركبته، وشحمات أذنه وفخديه على أن يحمل في يده اليمنى السكين التي ارتكب بها جريمة قتل والده، ثم تحرق يده بنار الكبريت ويوضع فيها رصاص وزيت محمى  وقار حارق.. … وبعدها يمزق جسده ويقطع بأربعة أحصنة تربط بها أطرافه، ثم تتلف أوصاله ويحرق جسده ويذرى رماده في الهواء، وغالبا ما كانت عقوبة الإعدام تتم  بحضور الكاهن أو الفقيه الإمام أو القس من أجل قراءة الصلوات، وتذكير  المحكوم عليهم، بالعالم الذي سينتقلون إليه، وحثهم على الندم والتوبة، وطلب المغفرة، أو النطق بالشهادتين، وهم غالبا ما يستجيبون ويطلبون الغفران.

و خلال القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر كان العيد القصاص الكنسي المرعب، في طريقه إلى الاختفاء، وأخذ  الاحتفال العقابي، يدخل الظل وأقبية السجون ليتحول تدريجيا، إلى مجرد عمل روتيني إداري إجرائي، فألغي الاعتراف العلني والتشهير بالمجرمين، واتجه العقاب ليصبح الأكثر خفاء في العملية الجزائية، حيث أصبح ينفذ في غياب الجمهور، فتحول إلى مجرد القتل بيد جلاد محترف غالبا ما كان يتم في ساعات متأخرة من الليل والناس نيام، . وقد كانت أخر عملية إعدام علني .ََََقبل حوالي قرن  من الآن حيث  تجمع حشد من الناس أمام بوابة سجن سان بيير وسط فرساي. وأمام الجمع الغفير الذي حضر المشهد، وضعت المقصلة بشفرتها الحادة على عنق المتهم المدان بعقوبة الموت، وهو المجرم الألماني أوجين فايدمان. ،حدث ذلك في الـ 17 يونيو-حزيران من عام 1939، وشهدت الحادثة حضور جمع غفير من الناس، بعضهم جاء في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم على أمل أن يكونوا في الصفوف الأولى لمشاهدة عملية الإعدام، والبعض الآخر حضر للتنديد بالحكم الذي اعتبروه أنه لا يتماشى مع سلوك مجتمع متحضر. عملية الإعدام العلنية هذه، أثارت جدلا واسع النطاق في فرنسا، وهو ما جعل السلطات تُبعد المقصلة عن أعين الفضوليين وتحتفظ بها داخل السجون. المشرفون على تنفيذ عقوبة الإعدام وضعوا المقصلة على الرصيف، بينما وقف الحشد يراقب العملية على بعد أمتار قليلة من آلة الموت. ثم  بعد ذلك ألغيت عقوبة الإعدام في فرنسا بموجب القانون المؤرّخ في تشرين الأول/أكتوبر 1981 الذي ناضل من أجله وزير العدل في حينه روبير بادنتير وألقى بشأنه خطابا لا يزال شهيرا في الجمعية الوطنية. وعزّز هذا القانون المعركة التي خاضتها فرنسا منذ مدة طويلة من أجل النهوض بالكرامة الإنسانية. وثم أدرج إلغاء عقوبة الإعدام في دستور الجمهورية الخامسة بواسطة القانون الدستوري المؤرّخ في 23 شباط/فبراير 2007، فأصبحت المادة 66-1 من الدستور تنصّ على أنه “لا يجوز الحكم على أي شخص بعقوبة الإعدام”.

وقد صدرت عدد من المواثيق والالتزامات الدولية العالمية والإقليمية  الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام أو الحد منها بصورة نهائية وقد التزم بهذه القواعد أكثر من  نصف دول العالم  :

فقد حث البروتوكول الإختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1989، الدول الأطراف على إلغاء عقوبة الإعدام، مع جواز تطبيقها في وقت الحرب عند الإدانة بجريمة بالغة الخطورة وذات طبيعة عسكرية .

وقد أكدت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حماية حق كل إنسان في الحياة وعدم حرمانه منها تعسفاً. كما نصت على عدم جواز الحكم بعقوبة الإعدام في البلدان التى لم تلغها، إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة، وبمقتضى حكم نهائي صادر من محكمة مختصة، مع جواز طلب العفو ومنحه، وعدم تطبيق العقوبة على من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر.

كما أن القانون الجنائي الدولي لا يجيز عقوبة الإعدام، كما هو الحال في النظم الأساسية الخاصة بكل من محكمة يوغسلافيا السابقة، ومحكمة رواندا والمحكمة الجنائية الدولية (محكمة روما) ، وذلك مهما بلغت خطورة الجرائم المرتكبة.الاعدام وقد  نصت الاتفاقيات الإقليمية  على وجوب إلغاء عقوبة الإعدام، أو على الأقل الحد من تطبيقها. ومن هذه الإتفاقيات :

–   البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام.

–    البروتوكولان رقم 6 و13 الملحقان بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

–    اتفاقية حقوق الطفل (المادة 37 فقرة أ).

–   الميثاق الافريقي لحقوق الطفل ورعايته (المادة 5)

–    البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف (المادة 77 فقرة 5).

–    الميثاق العربي لحقوق الإنسان (المواد 5 و 6 و 7).

ورغم ذلك لا زالت أكثر من نصف دول العالم تقرر عقوبة الإعدام منها بعض الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا زالت تنفذ أحكام الإعدام في حق جرائم القتل والعصابات والمخدرات، بواسطة الكرسي الكهربائي وقاعات الغاز أو الحقن بالحقن، وكذلك أغلب دول أمريكا اللاتينية والدول العربية والأسيوية،

وكذلك لازال المغرب يقر عقوبة الأعدام في القانوني الجنائي وقد كانت آخر مرة نفذت فيها عقوبة الإعدام بتاريخ 1993  في حق العميد الممتاز الحاج ثابت ومن ذلك التاريخ والأحكام القضائية تصدر عن المحاكم المغربية بالأعدان في حق بعض الجرائم البشعة، لكنه ومع ذلك  لم يتم تنفيذ هذه الأحكام، ويبقى المحكوم ن بالأعدام في جناح الإعدام في سنوات طويلة في حالة ترقب، وغالبا ما يتم تحويل هذه العقوبة وتخفيفها إلى السجن المؤبد أ. المحدد، وقد جاءت التعديلات الأخيرة  للقانون الجنائي لتقلص عدد الجرائم المعلق عليها، وقد عرض القانون الجنائي المغربي الأفعال الرمية التي تستوجب الإعدام وهي :

-الاعتداء على حياة الملك أو ولي العهد أو أحد أعضاء الأسرة الحاكمة  الفصول 163/165/167

-جريمة خيانة الوطن  في وقت السلم او الحرب الفصلين 181/182

-جريمة التجسس الفصلان 185/186

-المس بسلامة الدولة الداخلية والخارجية الفصول 190/201/203

-جريمة الإرهاب  أذا ترتب عن الفعل  مرت شخص أو أكثر  الفصلات 218-3…/218-7

-القتل العمد  مع سبق الإصرار والترصد أو صاحبت جريمة القتل أو سبقتها أو أعقبته جناية أخرى الفصلان 392/393

-قتل الأصول عمدا – الفصل 396

-قتل  الطفل الوليد عمدا  الفصل 397

-التسميم  المؤدي للموت الفصل 398

-استعمال وسائل التعذيب لتنفيذ جناية الفصل 399

-الضرب بنية إحداث الموت عن قصد الفصلان 410/411

-اختطاف الأشخاص  وتعذيبهم  الفصل 438

-اختطاف القاصر الذي يعقبه الموت  الفصل 474

-تعريض الطفل للموت بنية إحداثه الفصل 463

-إضرام النار عمدا إذا تسبب في موت شخص أو أكثر  الفصل 584  من القانون الجنائي.

-التخريب بالمتفجرات الناتج عنه موت شخص أو أكثر فإن الجاني يعاقب بالإعدام  الفصل 588 من ق ج

وقد عرف موضوع عقوبة الإعدام بالمغرب نقاشا حادا بين تيارين مجتمعين هما  التيار المحافظ، المدافع عن الإبقاء على هذه العقوبة، كعقوبة رادعة لجرائم القتل الوحشة، وحجتهم في ذلك الحفاظ على التوازن، بين الفعل الجرمي والعقوبة فتكون هذه الأخيرة من جنس فعل الجاني، و من أجل الحفاظ على حقوق الضحايا، الذين عانوا الالام الشديدة أثناء وقوع الجريمة عليهم، ومثال ذلك جريمة القتل البشعة التي طالت امرأة  بمدينة استعمل فيه الجاني ابشع الوسائل للقتل دون رحمة أو شفقة رغم توسلات الضحية،  وتم  تصوير الجريمة ببرودة دم   وبثها عبر الواتساب، وكذلك جريمة قتل السائحتين بمراكش من طرف الإرهابيين وللأشارة فقد أصدرت محكمة سلا حكم بإعدام الجنة، ومن حجج  أنصار العقوبة، كبح جماع المجرمين،  والحفاظ على النظام العام وأمن المجتمع، وأن من العدل  أن يذوق المجرم ألم ومرارة الضحية،

إلا أن التيار الحداثي  ممثلا في جمعيات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان  ما فتئت تناظل وتطالب بإلغاء عقوبة الإعدام للاإنسانيتها،وبشاعتها ، ولوحشيتها، وسيطرة غريزة الانتقام فيها على إرادة تحقيق العدالة، وأنها جريمة قتل مشرعنة بالقانون، لا تختلف عن الجريمة الأصلية،  وبعدم جدواها في القضاء على الجريمة، فأغلب الدول التي تنفذ الإعدام، لا زالت جرائم القتل فيها، في تصاعد مطرد، ككلومبيا والسلفادور والإكوادور، والولايات المتحدةكفلوريداوتكساس  ،

وقد اعتبرت الجمعيات الحقوقية أن عدم تصويت المغرب على مقررات  الأمم المتحدة و القرار الأممي، من أجل إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام، هو امتناع لا دستوري وغير مسؤول سياسيا وأخلاقي  وحقوقيا.

وعلى العموم فإن عدد من وزراء العدل بالمغرب تحدثوا في مرات متعددة  عن توجه تدريجي نحو إلغاء عقوبة الإعدام وأكدوا جميعهم في عدد من المناسبات على  أن ذلك يتطلب مواصلة النقاش من أجل إنضاج وتعميق النظر في أفق بلورة موقف مجتمعي وسياسي موحد.

وعلى سبيل الختام يبقى السؤال حول عقوبة الإعدام مشروعها ، فهل تحقق هذه العقوبة العدالة،؟ المؤكد أن الموقف يختلف باختلاف وجهة النظر والزاوية المنظور بها، فإذا نظرنا  من من وجهة نظر الضحية ومدى  ما تعرضت  له من الآم، أثناء وقوع الاعتداء  عليها، تبدو ا العقوبة عادلة ومشروعة، وإذا ما تم النظر الى هذه العقوبة من زاوية المحكوم عليه، بدت العقوبة  لا إنسانية وغير مجدية.

لكن لا زال الكثير من المشرعين الجنائيين وعلماء علم الانحراف الجنائي من ينظرون  إليها كاستحقاق للقتل وكمنفعة وكحل  وسط  ولذلك أيدها  عدد من المفكرين والفلاسفة منهم  الفيلسوف الألماني كانط، وهيجل ،واعتبر ها ضرورة لتحقيق التجانس والتوازن في المجتمع مع الفعل المرتكب، وكذلك يراها بيكاريا وميل وبنتام كمنفعة للمجتمع  لكونها تحقق الردع العام عن ارتكاب جرائم مشابهة،

حقيقة إذا نظرنا لبشاعة الجرائم المرتكبة من طرف بعض المجرمين، في حق أطفال ونساء  وشيوخ  وأصول وفروع لا حول لهم ولا قوة، مرت عليهم الدقائق سنوات، وتلذذ المجرمون  بقتلهم ببرودة أعصاب، وبصفاقة مقززة، ومرعبة ووسائل وطرق همجية، يتلذذون وهم يقطعون أَوصالهم ويحرقونها أو يضعونها في ثلاجاتهم، دون أن يرف لهم جفن أو يؤنبهم ضمير، فهؤلاء  إذا تبثت عليهم الجريمة، بحجج دامغة وأدلة لا يتطرق لها  شك، أو غموض أو كأن بإقرار هم  بدون  عنف أو إكراه وتم تمثيل مشاهد الجريمة وخضعوا لمحكمة عادلة حضورية وعلنية ومكنوا من دفاعهم، فإن أمثال هؤلاء  لا بد  أن يذوقوا ما أذاقوا  من ألم لضحاياهم وأن يشربوا من نفس الكأس الذي شرب منه المعتدى عليهم وأمثلة هؤلاء  كثير،  منهم مجرم أكادير الذي كان يغتصب الأطفال ويخنقهم ويدفنهم ببراكتة، فأي ألم أذاقه لأطفال بريئين ،

أما من كان قتله صدفة أو فجأة أو قتل لدافع لا يرد أو  كأن القتل غير متسلسل وغير مقترن بتشويه أو تمثيل أو تقطيع للجثث، فإنه يكون من المناسب  معاملتهم على خلاف معاملة المجرمين  السابقين،

يبدو أن الحل الآني يتمثل في تقليص  أكبر عدد  من المواد التي تعاقب بالإعدام، إلى حين أن يتقبل المجتمع الإلغاء التام لعقوبة الإعدام. (انتهى) ذ سعيد الحاجي

المراجع والمصادر

 :المراقبة والعاقبة لميشيل فوكو – كتاب عقوبة الإعدام لمحمد السقا – تفسير القرآن للطبري- مفردات القرآن للراغب الاصبهاني – جمهورية أفلاطون ومصادر أخرى.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي