أعادت الصحافة الإسبانية تسليط الضوء على ملف الرسوم الجمركية بين المغرب وإسبانيا، متحدثةً عن “تناقض صارخ” بين المعاملة التي يلقاها المنتج الإسباني في السوق المغربية، والمزايا الجمركية التي يتمتع بها المنتج المغربي داخل الاتحاد الأوروبي.
غير أن هذه الأرقام، وإن بدت صادمة للبعض في إسبانيا، فإنها تعكس واقعًا جديدًا فرضه تطور المغرب الاقتصادي وموقعه الاستراتيجي المتنامي في المعادلات الإقليمية والدولية.
فبحسب ما أوردته صحيفة El Independiente، فإن المغرب يفرض رسومًا جمركية تصل إلى 200% على بعض المنتجات الإسبانية، على رأسها لحم الماعز، بالإضافة إلى ضرائب بنسبة 100% أو أكثر على 13 منتجًا آخر.
في المقابل، لا يتجاوز الحد الأقصى للرسوم الجمركية الأوروبية المفروضة على المنتجات المغربية نسبة 81%، وهو إجراء محصور في عدد ضئيل من المواد المرتبطة بالسكريات.
تفوق تنافسي مغربي لا يخفي اختلالات أوروبية مزمنة
وهذه الأرقام، وإن كانت توحي بفجوة في المعاملة، إلا أنها تُظهر في العمق قدرة المغرب على استخدام أدواته السيادية لحماية اقتصاده الوطني، خصوصًا في القطاعات الزراعية والغذائية التي تمثل عصب التنمية القروية ومصدرًا رئيسيًا للتشغيل.
فالمغرب لا يفرض هذه الرسوم من باب المنافسة غير المتكافئة، بل من منطلق تقنين تدفق المنتجات الأجنبية بشكل يضمن توازن السوق الوطنية، ويحافظ على مصالح فئاته المنتجة.
ومن اللافت أن المغرب، رغم فرضه لرسوم على بعض المنتجات، يتيح دخول أكثر من 5,034 منتجًا إسبانيًا إلى أراضيه برسوم تتراوح بين 0% و10%، بينما يسمح الاتحاد الأوروبي بدخول 5,245 منتجًا مغربيًا دون رسوم. الفارق البسيط (211 منتجًا) لا يعكس، في جوهره، أي خلل هيكلي، بل هو تعبير عن طبيعة العلاقة التجارية التي تتسم بالتكامل أكثر من التنافس.
الزراعة الإسبانية في مأزق داخلي لا علاقة له بالمغرب
وربط بعض المحللين الإسبان تراجع صادرات الطماطم الإسبانية -التي انخفضت من 900 ألف طن إلى أقل من 500 ألف طن في العقدين الأخيرين- بارتفاع الصادرات المغربية إلى السوق الأوروبية، التي تضاعفت من 300 ألف طن سنة 2011 إلى أكثر من نصف مليون طن حاليًا.
غير أن هذا التراجع، وفق عدد من الخبراء، يرتبط في الواقع بارتفاع تكاليف الإنتاج في إسبانيا، وتراجع الدعم العمومي للقطاع الفلاحي، بالإضافة إلى القوانين البيئية الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على منتجيه المحليين، في مقابل تساهله مع الواردات. وهو ما يعني أن الإشكال بنيوي داخلي أكثر منه نتيجة لـ”منافسة غير عادلة” من طرف المغرب.
شريك اقتصادي موثوق وفاعل إفريقي صاعد
ومن منظور مغربي، تبقى العلاقة مع إسبانيا -شريك استراتيجي وجار أوروبي مهم– علاقة حيوية تقوم على أساس رابح-رابح. إلا أن تحقيق توازن في هذه الشراكة لا يعني الخضوع لضغوط اقتصادية أو إعلامية تمارسها بعض الأطراف المتضررة من النجاح المغربي في اختراق الأسواق الأوروبية.
فالمملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، انخرطت منذ عقدين في مسار تنموي طموح مكّنها من التحول إلى بوابة استثمارية وتجارية لإفريقيا، وجعل منها أحد أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي في الجنوب.
وهو ما يستدعي من الجانب الإسباني -والأوروبي عموماً– قراءة واقعية جديدة لخريطة المنافسة، تقوم على احترام السيادة الاقتصادية للدول، وتشجيع الشراكة المتوازنة بدل منطق الهيمنة.
من التوتر إلى التفاهم التجاري
وفي وقت تزداد فيه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية على ضفتي المتوسط، يبدو من الأجدر للأطراف المعنية –خاصة في مدريد– أن تشتغل على إعادة بناء سردية جديدة للتكامل الاقتصادي مع المغرب، تقوم على المصلحة المشتركة لا على خطاب الاتهام والتظلم.
فالمغرب لا “يعاقب” أحدًا، بل يمارس حقه المشروع في حماية اقتصاده، شأنه شأن أي دولة ذات سيادة تعرف كيف توظف أدواتها في التفاوض، وتفرض شروطها كشريك يحظى بالاحترام.
تعليقات الزوار ( 0 )