في تطور اقتصادي لافت، كشفت الصحافة الإسبانية عن ارتفاع غير مسبوق في واردات إسبانيا من الفواكه والخضروات الطازجة القادمة من المغرب خلال الربع الأول من سنة 2025، ما تسبب في حالة من القلق والاستياء في أوساط المزارعين الإسبان، الذين يرون في هذا التوسع تهديدًا مباشرا لإنتاجهم المحلي ولسيادة بلادهم الغذائية.
وبحسب بيانات الجمارك الإسبانية التي حللتها “فيدرالية منتجي ومصدري الفواكه والخضروات الإسبانية” (Fepex)، فقد بلغ حجم الواردات من المغرب أكثر من 188 ألف طن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة، بقيمة إجمالية ناهزت 481 مليون يورو، مسجلة بذلك زيادة بنسبة 24% في الحجم و23% في القيمة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن المنتج المغربي الأكثر استيرادًا كان الطماطم، التي عرفت قفزة كبيرة، حيث انتقلت الكميات المستوردة من 24 ألف طن إلى أكثر من 32 ألف طن، بينما ارتفعت قيمتها من 33 مليون يورو إلى 52 مليون يورو.
وتلتها في القائمة الفلفل بـ32 ألف طن، ثم الفاصولياء الخضراء بـ19 ألف طن، وإن كانت هذه الأخيرة قد سجلت تراجعًا طفيفًا في الكمية والقيمة.
ويرى المزارعون الإسبان أن هذا النمو الكبير في المنتجات المغربية لا يعكس فقط نجاحًا تجاريًا، بل يكشف أيضًا عن اختلالات كبيرة في المعاملة التنظيمية بين المغرب والدول الأوروبية.
فالمغرب لا يخضع لنفس الشروط الصارمة المفروضة على الفلاحين الأوروبيين من حيث المعايير الصحية، والبيئية، والشروط الاجتماعية والعمالية، ما يمنحه أفضلية تنافسية واضحة.
كما أشار مزارعو “Fepex” إلى أن الأسعار التفضيلية المعتمدة في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لم تعد تقوم بدورها في حماية السوق الأوروبية، معتبرين أنها أصبحت متجاوزة وغير فعالة في مواجهة زحف المنتجات القادمة من الجنوب.
وأمام هذا الواقع، تتعالى الأصوات في إسبانيا للمطالبة بإجراء مراجعة شاملة للاتفاقيات التجارية مع المغرب، تضمن فرض ما يسمى بـ”الشروط المتطابقة” (cláusulas espejo)، أي تطبيق نفس القواعد على المنتجات المستوردة كما هي مفروضة على المنتوجات الأوروبية.
ويرى المزارعون أن ذلك وحده من شأنه أن يحد من ما يصفونه بـ”المنافسة غير العادلة” ويحفظ توازن السوق.
ولا تتوقف طموحات المغرب عند السوق الإسبانية فقط. فرغبة الرباط في التحول إلى “حديقة العالم” باتت واضحة، إذ ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي بأكمله من الخضر والفواكه المغربية بنسبة 14% خلال الربع الأول من 2025، مع تسجيل قفزة مذهلة في استيراد الأفوكادو المغربي الذي تضاعف ليصل إلى 62 ألف طن، بحسب بيانات “يوروستات”.
وفي ظل هذا التوسع المتسارع للمنتجات المغربية، يشعر المزارعون الأوروبيون، والإسبان خصوصًا، بأنهم في مواجهة مصير غامض، حيث يهدد الزحف المغربي بترك الزراعة الأوروبية في الهامش، ما لم تتدخل السلطات لتعديل كفة الميزان، وضمان قواعد منافسة متكافئة تحمي المنتج المحلي وتحافظ على الأمن الغذائي الأوروبي.
المغرب، من جهته، يواصل بكل ثقة تنفيذ استراتيجيته الزراعية الطموحة، مدفوعًا بموقعه الجغرافي، ومناخه المناسب، وتكلفته الإنتاجية المنخفضة، وبدعم استثماري متزايد يرسّخ مكانته كلاعب رئيسي في السوق الزراعية العالمية.
تعليقات الزوار ( 0 )