يتجاوز عدد المهاجرين المغاربة في الخارج حاليا خمسة ملايين، ويزور أكثر من نصفهم تقريبا المغرب سنويا. وتعد تحويلاتهم المالية المصدر الثاني للعملة الأجنبية بالمغرب حيث بلغت في 2018 حوالي 7.4 مليار دولار أمريكي ، وهي أكثر من مداخيل السياحة. يضم المهاجرون المغاربة فئات مختلفة، وتتفاوت مساهمتهم في هذه التحويلات حسب وضعهم الاقتصادي في بلد الهجرة.
ونظرا لأن هذه التحويلات تمثل فقط جزءا من مدخرات المهاجرين المغاربة، الذين يفضل الكثير منهم الاحتفاظ بها في بلد المهجر، ويتجنبون تحويلها إلى بلدهم الأصلي بسبب الغموض حول مصير هذه التحويلات وطريقة استثمارها، فقد أصبح الأمر ملحا اليوم لإنشاء إطار مؤسساتي وآمن لإشراك مغاربة العالم في تنمية مجتمعاتهم المحلية. هناك قاعدة عامة عبر العالم والتي تتمثل في ارتباط المغتربين ببلادهم الأصلية، وخاصة المجتمعات المحلية التي ينحدرون منها. وهناك دول في آسيا وإفريقيا قطعت أشواطا مهمة في إشراك مغتربيها في مشاريع التنمية. ومغاربة العالم كغيرهم من المغتربين في العالم لهم رغبة كبيرة في المساهمة في تنمية بلادهم، ولاسيما مجتمعاتهم المحلية، لكنهم يفتقدون حتى الآن قنوات استثمارية آمنة.
ويمكن أن يتجسد هذا الإطار المؤسساتي في إنشاء صندوق للاستثمار والادخار لمغاربة العالم، يكون له بعد وطني، لكن يسمح للمساهمين الحق في اختيار الجهات والأقاليم التي تسثمر فيها أموالهم. سيساعد هذا الصندوق المهاجرين على الاستثمار الجيد لمدخراتهم، وجني أرباح مضمونة من أنشطة الصندوق، بدلا من الاحتفاظ بها في بلدان الإقامة أو صرفها ببعض الأنشطة غير التنموية، وسيفيدهم أيضا في تجنب العثرات التي يقع فيها الكثير منهم عندما يستثمرون أموالهم في مشاريع دون دراسة جدواها، وينتهي الأمر ببعضهم إلى الفشل أو الإفلاس. وسيشكل هذا الصندوق أيضا مصدر دخل قار لهؤلاء المهاجرين في مرحلة تقاعدهم، وقد يشجع بعضهم للعودة للإقامة في المغرب. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الصندوق سيساهم في حل مشاكل تمويل الكثير من المشاريع التنموية على المستوى المحلي، وعدم انتظار الدولة، لتمويلها وما قد يكتنف ذلك من بيروقراطية وربما فساد في صرفه.
ولن تكون العوائد والأرباح هي الحافز الوحيد للمهاجرين المغاربة للمساهمة في هذا الصندوق، بل سيكون دافعهم الأساسي المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتهم المحلية، نظرا لإخلاصهم لوطنهم ومجتمعاتهم المحلية.
إن توجيه استثمارات هذا الصندوق إلى المناطق المحلية التي ينحدر منها المهاجرون تستدعيه، بالإضافة إلى ارتباطهم بمجتمعاتهم المحلية، ما تعانيه هذه المناطق من ظروف اقتصادية صعبة والتي كانت السبب الرئيسي لهجرتهم. وعلى رأس هذه المناطق، مدن الشمال التي تفتقد إلى نموذج تنموي محلي يتناسب مع خصوصياتها الاقتصادية والديموغرافية. فإذا استثنينا مدينة طنجة، فإن جل المدن الشمالية من الناظور إلى العرائش تعاني من أزمة اقتصادية خانقة خلال السنوات الأخيرة، بسبب ارتباطها بشكل كبير بتحويلات المهاجرين والأنشطة الاقتصادية غير النظامية. وقد ظهر هذا بجلاء بعد إغلاق معبر سبتة حيث أصبحت هذه المدن تعيش كسادا تجاريا غير مسبوق، وقد يتفاقم الوضع مع مرور الوقت، مما قد تنجم عنه انعاكسات اجتماعية وأمنية خطيرة.
على هذا الصندوق أن يحدد القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تحظى بالاهتمام في كل إقليم أو جهة على حدة، مع الأخذ بعين الاعتبار رغبات المساهمين في الصندوق. وينبغي إيلاء الأولوية لتمويل المشاريع التي تهدف إلى تحسين وضعية المجتمعات المحلية مع إعطاء الأسبقية للقطاعات الحيوية وعلى رأسها التعليم والصحة والزراعة وتمويل المشاريع الصغيرة التي تشغل الشباب وتدر أرباحا مضمونة.
من العناصر التي ستضمن لهذا المشروع النجاح هو إشراك النخب المحلية والكفاءات المغتربة بفعالية سواء في وضع مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق ومتابعتها، أو تدبير مؤسسات هذا الصندوق وتحديد سياساته. ويمكن تنظيم منتديات للنقاش والتشاور خلال عطلة الصيف مع الكفاءات المغربية في الخارج التي تزخر بنخب راكمت تجارب عالمية ناجحة، وذلك قصد الاستفادة من خبراتها في ايجاد الحلول التخطيطية والمالية والتنفيذية لإنجاز هذه المشاريع داخل كل إقليم. وتجدر الإشارة أن وزارة الجالية تنظم كل سنة في 10 غشت اليوم الوطني للمهاجر تحت إشراف الولايات والعمالات، لكن هذا اللقاء يطغى عليه الطابع الاحتفالي، ولا يعدو أن يكون مناسبة للتواصل والعلاقات العامة، وتقديم الشكايات الشخصية والإدارية.
وطرحت أيضا خلال السنوات الأخيرة بعض المبادرات لإشراك مغاربة العالم في مجال الاستثمار والتنمية، لكن لم تنجح حتى الآن في إقناع عدد مهم منهم للقدوم إلى المغرب. فمثلا أطلق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتعاون مع الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج في 24 يوليوز 2017 الجهة رقم 13 قصد تشجيع المقاولين من مغاربة العالم للاستثمار في بلدهم، وأيضا لتنمية المبادلات الاقتصادية بين المغرب وباقي دول العالم. وهناك مقترح ثان لمجلس الجالية، والمتمثل في إنشاء وكالة لتدبير الكفاءات المغربية في الخارج. قد تستطيع هذه المبادرات جذب بعض المستثمرين الكبار وبعض الكفاءات، لكن لن تحفز كل فئات المهاجرين للمساهمات في مثل هذه المشاريع. كما تعتري هذه المبادرات بعض السلبيات، ولعل أهمها أنها مبادرات في اتجاه واحد، ويكون المهاجر موضوعها، وليس فاعلا أساسيا في بلورتها.
* أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
يجب أولا تأطير مغاربة الخارج وتوعيتهم بتلك الأهداف ثم إشراكهم في المهمة والمقاصد لإنجاح الفكرة … مع التحيات للأستاذ الصديقي ..
مبادرة وفكرة جد متميزة سيكون من الافضل وضع دراسة دقيقة وإحالتها كمذكرة اقتراحية للمؤسسات المعنية مع احتراماتي استاذ
فكرة جيدة لكن يجب اتخاد الأجراءات اللازمة لحماية الإستثمار: محاربة الفساد، الرشوة، الزبونية…
المغاربة المقيمون في الخارج مستعدون للإستثمار في وطنهم. مع الأسف بعض التجارب لا تحفزهم على ذلك.