شهدت القضية الوطنية المغربية مؤخرًا تطورًا دبلوماسيًا نوعيًا وغير مسبوق، تمثل في إعلان المملكة المتحدة دعمها الصريح والمباشر لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل “الأكثر مصداقية وواقعية وعملية” للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. هذا الإعلان، الذي جاء في بيان مشترك وقعه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ونظيره المغربي ناصر بوريطة خلال زيارة رسمية للرباط، يؤكد التزام لندن بدعم هذا الموقف على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية. يُعد هذا الدعم انتصارًا دبلوماسيًا جديدًا للمغرب، ويعزز الدينامية الإيجابية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، في وقت أعربت فيه الجزائر عن أسفها وتمسكها بخيار تقرير المصير الذي تروج له جبهة البوليساريو. يعكس الموقف البريطاني زخمًا دوليًا متزايدًا لصالح المبادرة المغربية، ويسلط الضوء على الدور الاستراتيجي للعلاقات المغربية-البريطانية في تعزيز السيادة الوطنية وتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة.
تضرب العلاقات بين المغرب وبريطانيا بجذورها في أعماق التاريخ، ممتدة لأكثر من ثمانية قرون، حيث بدأت أولى المحاولات الدبلوماسية الموثقة في عام 1213. حينها، أرسل الملك جون ملك إنجلترا بعثة إلى السلطان الموحدي محمد الناصر، وهو ما يُعد نقطة انطلاق لعلاقة دبلوماسية وتجارية متينة. في القرن السادس عشر، شهدت العلاقات تقاربًا استراتيجيًا بارزًا عبر تحالف تجاري وعسكري بين السلطان أحمد المنصور والملكة إليزابيث الأولى عام 1585. هذا التحالف كان استثنائيًا في سياقه التاريخي، إذ جمع بين دولة مسلمة ودولة أوروبية في فترة شهدت توترات دينية وسياسية.
على مر العصور، تعززت هذه الشراكة من خلال تبادل الزيارات الملكية والتعاون في مجالات متعددة شملت التجارة، الأمن، والثقافة. وقد أكدت بريطانيا باستمرار على احترام سيادة المغرب واستقلاله، كما تجسد ذلك في الاتفاقية المغربية-الإنجليزية عام 1856، التي نظمت العلاقات التجارية والأمنية بين البلدين. في العصر الحديث، تطورت العلاقات لتشمل مشاريع استراتيجية ضخمة مثل الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، وهو مشروع يعكس عمق التعاون في مجالات الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة، ويدعم التحول الطاقي لكلا البلدين.
يُعتبر المغرب شريكًا استراتيجيًا حيويًا لبريطانيا بفضل موقعه الجيواستراتيجي كبوابة لإفريقيا، حيث تسعى لندن لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة عبر دعم المغرب. كما تعكس هذه العلاقة تاريخًا غنيًا من الثقة المتبادلة والتعاون المستمر، مما مهد الطريق لقرارات بريطانية حديثة تدعم المبادرات المغربية على الصعيد الإقليمي والدولي. بالإضافة إلى ذلك، يربط البلدين روابط ثقافية واجتماعية قوية، مع وجود جالية مغربية كبيرة في بريطانيا وتزايد الاهتمام المتبادل باللغات والثقافات، مما يعزز التقارب الشعبي والدبلوماسي.
يُعد إعلان المملكة المتحدة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية لعام 2007 خطوة دبلوماسية استراتيجية ذات أبعاد عميقة، تعكس تقدمًا ملموسًا في مسار القضية الوطنية المغربية. يؤكد هذا القرار الاعتراف الدولي المتزايد بمصداقية ومشروعية المقترح المغربي، الذي يقدم حلاً واقعيًا وعمليًا للنزاع الإقليمي حول الصحراء، متوافقًا مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو إلى حل سياسي توافقي يحفظ سيادة المغرب ووحدته الترابية.
يدل هذا الدعم البريطاني على التزام واضح بدعم جهود الأمم المتحدة، وبالأخص عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، ستافان دي ميستورا، مما يعزز الزخم الإيجابي الذي تقوده المملكة المغربية تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس. هذا الموقف يعكس أيضًا ثقة لندن في قدرة المغرب على تحقيق استقرار إقليمي وتنمية اقتصادية في منطقة شمال إفريقيا، من خلال مشاريع اقتصادية استراتيجية ضخمة. ومن أمثلة ذلك، الاستثمارات البريطانية في المغرب،
والتي تُقدر بمليارات الجنيهات الإسترلينية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتنمية في الأقاليم الجنوبية ويعزز التكامل الإقليمي.
هذا القرار هو اعتراف صريح بدور المغرب كشريك استراتيجي في القارة الإفريقية وبوابتها نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما يعزز موقف المغرب الدولي ويضع حدًا لمحاولات التشويش التي تقوم بها أطراف أخرى، مثل الجزائر، التي أبدت أسفها لهذا الموقف البريطاني. في المجمل، يمثل هذا الإعلان انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا يعزز الثقة في المبادرة المغربية، ويؤكد جدواها كحل نهائي للنزاع، ويدفع نحو استقرار دائم في المنطقة يصب في مصلحة المغرب وشركائه الإقليميين والدوليين.
في رد فعل متوقع، وغير مستغرب، من النظام العسكري الجزائري على الدعم البريطاني الصريح للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، اكتفى هذا النظام بالتعبير عن “أسفه”، متمسكًا بخيار تقرير المصير الذي باتت ترفضه أغلب القوى الدولية. هذا الموقف يعكس بوضوح حالة الارتباك والضعف التي تعيشها أروقة الحكم العسكري في الجزائر. النظام الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية منذ الاستقلال، ويُدار من وراء الستار بواسطة جنرالات لا هم لهم إلا الحفاظ على مصالحهم الضيقة، يجد نفسه اليوم معزولًا دوليًا أكثر من أي وقت مضى، وسط تراجع حاد في شرعيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد استنزف هذا النظام العسكري ثروات الشعب الجزائري في سباق تسلح بلا جدوى، على حساب التنمية والرفاهية، ويعاني من أزمة داخلية عميقة تنعكس في تدهور اقتصادي واجتماعي متسارع، وتفشي الفساد، وقمع ممنهج للحريات، مما أدى إلى تفجر احتجاجات شعبية مستمرة تُقمع بعنف مفرط. في الوقت نفسه، يصر النظام على دعم جبهة البوليساريو، التي تُعتبر أداة من أدواته في لعبة إقليمية فاشلة، محاولًا استغلال ملف الصحراء لتشتيت الانتباه عن أزماته الداخلية المتفاقمة.
عقلية هذا النظام العسكري، المبنية على العداء المزمن للمغرب (المروكوفوبيا)، تحولت إلى عقدة مرضية تحكم سياسته الخارجية والدفاعية، وتغذي خطابًا عدائيًا متجاوزًا لا يجد له مكانًا في الواقع الدولي الجديد الذي يعترف بالمبادرة المغربية كحل عملي وواقعي. استمرار الجزائر في هذا المسار لا يعكس سوى عناد سياسي متهور يقود البلاد نحو مزيد من العزلة والتخبط، ويهدد استقرار المنطقة بأكملها. يعيش النظام العسكري الجزائري لحظة انهيار استراتيجي سياسي داخلي وخارجي، حيث فقد القدرة على التأثير والضغط، وأصبح عبئًا على شعبه وعلى استقرار شمال إفريقيا، فيما المغرب يحقق انتصارات دبلوماسية متتالية تعكس حكمة قيادته ورؤية استشرافية لمستقبل المنطقة.
تشهد قضية الصحراء المغربية تحولات دبلوماسية وجيوسياسية متسارعة تعكس نضجًا واستقرارًا في المسار نحو تسوية نهائية. مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الذي قدمه المغرب منذ عام 2007، أصبح اليوم الإطار السياسي الأبرز والوحيد القادر على ضمان استقرار المنطقة واحترام وحدة الأراضي المغربية. يحظى هذا المقترح بدعم دولي متزايد من قوى عالمية وإقليمية بارزة، من بينها الولايات المتحدة التي أكدت اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء في 2020، وفرنسا التي جددت دعمها الواضح في 2024، بالإضافة إلى إسبانيا التي اعتبرت المقترح المغربي الأساس الأكثر جدية للحل منذ 2022. يُضاف إلى ذلك، إعلان أكثر من 115 دولة من مختلف القارات تأييدها لهذا الحل، مما يعكس إجماعًا دوليًا متناميًا يدعم موقف المغرب ويعزز شرعية مقترح الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ومستدام.
في ظل القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تتكامل الجهود الدبلوماسية مع نموذج تنموي طموح يهدف إلى تحسين جودة الحياة في الأقاليم الجنوبية. يشمل هذا النموذج مشاريع استراتيجية ضخمة مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وتطوير قطاع الطاقة المتجددة، والتعليم، والصحة، مما يعكس التزام المغرب بتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تضمن الكرامة والرفاهية لسكان المنطقة. على الصعيد الدبلوماسي، نجح المغرب في تعزيز حضوره الدولي من خلال افتتاح أكثر من 30 قنصلية عامة في مدينتي العيون والداخلة، وهو إنجاز تاريخي يؤكد الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على الصحراء. كما أن الدعم المتواصل من مجلس الأمن، الذي يدعو إلى استئناف المفاوضات الجادة على أساس مقترح الحكم الذاتي، يعكس تفاؤلًا دوليًا واسعًا بإمكانية التوصل إلى حل نهائي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة.
يمثل قرار المملكة المتحدة دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية نقطة تحول حاسمة في مسار القضية الوطنية المغربية، مؤكدًا الزخم الدولي المتصاعد لصالح المغرب ووحدته الترابية. هذا الدعم الصادر عن دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن يعزز بشكل كبير مصداقية المقترح المغربي كحل واقعي وعملي، ويقرب القضية خطوة مهمة نحو تسوية نهائية ومستدامة تحت إشراف الأمم المتحدة.
في الوقت ذاته، يعكس هذا القرار نجاح الدبلوماسية المغربية المتفردة، التي بفضل الرؤية الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، استطاعت حشد تأييد دولي واسع ومتنامٍ، مما يعزز مكانة المغرب كشريك موثوق وقوة فاعلة في المنطقة. أما النظام العسكري الجزائري، فيواجه ضربة دبلوماسية موجعة تدفعه إلى إعادة تقييم استراتيجيته المتعنتة التي باتت تعزل بلاده على الساحة الدولية وتزيد من أزماتها الداخلية والخارجية.
المستقبل يبدو مشرقًا للصحراء المغربية، حيث يفتح هذا الدعم آفاقًا جديدة للتنمية الاقتصادية والسياسية، ويعزز الاستقرار الإقليمي، مما يؤكد قدرة المغرب على قيادة منطقة شمال إفريقيا نحو مزيد من السلام والازدهار.
تعليقات الزوار ( 0 )