وسط الأحياء الشعبية البعيدة عن وسط المدن.. يجتمع عشرات التجارٍ والباعة المتجولين، الذين يعرضون مختلف المنتوجات؛ الخضر والفواكه والأسماك.. يلتقون وسط شارع، مشكلين سوقاً مصغراً، يدعى في أوساط المغاربة بـ “السويقة”، ذلك التجمع التجاري الذي يُقرب البضائع من محلّ سكناهم.
“تختصر المسافات علينا، فبدل التوجه إلى السوق نشتري ما يلزمنا من الحي”، يقول عبد الله، أحد قاطني حي السلام بوجدة، الذي لا يكاد يتوجه ‘إلى السوق المركزي، إلا نادراً، باعتبار أن كل ما تحتاجه زوجته في المنزل من خضر وفواكه ولحوم متواجدٍ في السويقة، القريبة من بيته.
وأضاف المتحدث نفسه في حكيه لـ”بناصا” عن أدوار “السويقة”: “هي سوق قريبٌ منّا، مكانٌ نشتري منهُ ما يلزمنا، مفيدٌ لنا، ومفيدٌ للتجار والخضارة وبائعي السمك أيضا، لأنهم قريبون من المناطق السكنية، عكس الأسواق، التي تكون في الغالبِ بعيدةً جدّاً، ما يُقلص من احتمال توافدِ زبائن كُثُرٍ عليهم.
“التجارة هنا أفضل بكثير من السوق المركزي”، يوضح عبد القادر، بائع خضرٍ، قبل أن يواصل: “السوق لا نجني فيه شيئاً، ومن يذهبون إليه لا يربحون أيضا، هنا نكون قريبين من الزبناء، وتكون فرص بيعنا أكبر بكثير، كما أن أغلب الباعة لا يكترون”.
ونبه عبد القادر بتحسّرٍ، إلى أن “السلطات منذ بدء تحركها لإنهاء احتلال الملك العمومي، وشرعوها في إنشاء الأسواق النموذجية، تغيرت كثير من الأمور”، مردفاً: “بتنا مطاردين، وممنوعين، ونتمنى أن تتغاضى الدولة عنّاً، خصوصاً في هذه الفترة الصعبة التي نمرّ بها”.
بالرغم من الإيجابيات العديدة التي تحظى بها “السويقة”، إلا أن فئة من المواطنين لا يشاطرون أصحاب هذا الطرح الرأي، ويؤكدون أن هذا النوع من التجمعات التجارية العشوائية، تتسبب في اتساخ الأحياء الشعبية، وإزعاج الساكنة، التي فيها الصغير والمريض والطاعن في السنّ، على حدّ تعبير الشريحة الرافضة لـ”الأسواق غير المنظمة”.
ويقول مجموعة من المواطنين، المتضرّرين من السويقات العشوائية، إن الأخيرة، “رغم كونها تختصر المسافة، ولكنها تسبب الضجيج طوالَ النهار، وخلال الليل، يعود الباعة إلى منازلهم تاركين كمية كبيرة من الأوساخ وبقايا البضائع والمنتوجات التي عرضوها”، ما يزيد من أتعاب عمّال النظافة، وأحياناً تبقى المخلفات أمام البيوت ويضطر السكان لإبعادها.
ويرفض السكان القاطنون بالمدن الصغيرة نسبياً، مثل زايو، والحسيمة وإمزورن، وتارجيست، والتي لا تتواجد بها “السويقات”، هذا النوع من الأنشطة، بسبب أن أضرارها، حسبهم، التي تكون أكبر بكثير من فوائدها، لأنها تتسبب في الإزعاج والضجيج المستمر للمواطنين، إلى جانب نشر الأزبال وبقايا البضائع في الأزقة والشوارع.
وفي هذا الصدد، يشدد إلياس، وهو من سكان الحسيمة، على أن الوضع من دون سويقات أفضل بكثير، لأن المسافة في المدينة من أبعد الأحياء إلى سوق “الثلاثاء” الذي يعتبر السوق اليومي للمدينة، ليست بعيدة، ويمكن التبضع منه في ساعة ونصف على الأكثر، غير أن هناك سويقة في حي سيدي عابد.
وأوضح المتحدث نفسه أن “المدن الصغيرة لا تحتاج إلى السويقات، كما أن الساكنة لا تطالب بها، بل على العكس تماماً، هناك فئة واسعة تعلن صراحةً رفضها لهذا الأمر، مفضلةً لعب المحلات التجارية بالأحياء دور بيع الخضر والفواكه، وقد يكون الأمر مختلفاً في المدن الكبيرة، غير أن موضوع تسببها في الإزعاج والضجيج والأوساخ، موجود في كلّ مكانٍ، ولا يمكن إنكاره”.
وحاولت السلطات المغربية في مختلف المدن، خلال السنوات الأخيرة، محاربة ظاهرة الباعة الجائلين، الفئة التي تُسيطر على السويقات الشعبية، وذلك عبر إنشاء أسواق نموذجية، من أجل تسهيل مأمورية السكان، وتفادي الإزعاج إلى جانب الحد من اتساخ الشوارع والأزقة، غير أنها لم تكن حلاًّ مجدياً حسب كثير من التجار، الذي أكدوا لـ”بناصا”، بأن الأمور لا تسير كما خُطّط لها.
وأشار محمد، وهو بائع خضر في سوق امحند ابركان النموذجي بمدينة بركان، إلى أنه رغم كلّ المجهودات التي بذلتها السلطات لإنهاء ظاهرة الباعة المتجولين والسويقات العشوائية التي كانت متواجدة في عدد من شوارع الأحياء، إلا أنها لم تنجح في ذلك لحدّ الآن، نظرا لأن الباعة الجائلين مازالوا متواجدين.
وتابع المتحدث نفسه في تصريحٍ لجريدة “بناصا”، بأن ظاهرة الباعة الجائلين ما تزال مستمرةً، ونجد بأن الكثير من التّجار ما زالوا يبيعون في “كروسة”، قريباً من سوق امحند ابركان، أو “بايو”، الأمر الذي يُؤثر على مداخيل التجار الذين اختاروا الالتزام بالقانون، والبقاء في محلاتهم بالأسواق النموذجية.
واعتبر الشخص نفسه، بأن المواطنين يتحملون المسؤولية أيضا، “لأنهم يفضلون التبضع من الباعة الجائلين، باعتبار أنه، في الغالب تكون البضاعة التي يبيعونه أرخص بردهم أو نصف درهم، لأن أصحاب المحلات يدفعون مقابل ذلك، وهو ما يجعلهم يرفعون الثمنة بنسبة ضئيلة جداً، من أجل التمكن من دفع الضرائب المفروضة”.
تعليقات الزوار ( 0 )