في مقال أثار جدلاً واسعاً بالصحافة الإسبانية، وتحديداً عبر موقع “Onda Guanche”، تم تسليط الضوء على ما وصفه الكاتب بـ”إعادة التسلح المقلقة” للمغرب، في سياقٍ ربط فيه الارتفاع الكبير في الإنفاق الدفاعي المغربي بمخاوف استراتيجية لدى الجار الشمالي، إسبانيا، خاصة في ما يتعلق بمناطق ذات حساسية جغرافية وتاريخية كسبتة ومليلية، وأخيراً جزر الكناري ومياهها الإقليمية الغنية بالموارد.
وحسب المعطيات الإسبانية، فقد رفع المغرب ميزانيته الدفاعية بنسبة 7.25% لعام 2025، لتصل إلى 12.3 مليار يورو، وهو ما يمثل 3.34% من الناتج الداخلي الخام.
وتمثل هذه الزيادة مؤشراً على توجه استراتيجي نحو تطوير الصناعات الدفاعية، وبشكل خاص تصنيع الطائرات المُسيّرة، وتحسين البنية التحتية العسكرية.
ويرى مراقبون إسبان أن هذا التطور يُقرأ في ضوء ما يسمونه بـ”الطموحات الجيوسياسية المغربية”، لا سيما في ظل العلاقات المتوترة مع الجزائر والدعم الأميركي والإسرائيلي الذي يتلقاه المغرب.
من الدفاع إلى الردع: أي قراءة مغربية؟
ومن داخل المغرب، لا يُنظر إلى هذا التوجه باعتباره تهديداً، بل كخطوة سيادية مشروعة تهدف إلى ضمان التوازن في منطقة تعرف تقلبات إقليمية حادة، أبرزها التصعيد المستمر مع الجزائر، والدور المتنامي للجهات الفاعلة غير الحكومية، كجماعات الانفصال المسلح في منطقة الصحراء.
ويرتبط تعزيز القدرات الدفاعية المغربية أيضاً بتعهدات أمنية دولية، لا سيما ضمن الشراكات التي تربط الرباط بواشنطن وتل أبيب، حيث تأتي هذه الاستثمارات في سياق تحديث شامل للمنظومة الدفاعية، يواكب التحولات التكنولوجية في الحروب الحديثة، ويستجيب لتحديات مثل مراقبة الحدود، ومكافحة الإرهاب، وتأمين الممرات البحرية.
من مخاوف إسبانيا إلى أولويات المغرب الاجتماعية
ورغم التطمينات الرسمية، لا تُخفي وسائل الإعلام الإسبانية قلقها من أن يترافق هذا التسلّح مع تحوّل في السياسة الخارجية المغربية نحو مزيد من “الحزم”، في ملفات تعتبرها مدريد حساسة، كملف سبتة ومليلية، الذي لم يسقط من أدبيات الخطاب الرسمي المغربي، وملف المياه الإقليمية للجزر الكناري، التي دخلت بدورها دائرة النزاع البحري غير المعلن، خاصة بعد اكتشاف احتياطات محتملة من النفط والمعادن.
لكن من منظور مغربي، يبقى التساؤل المطروح داخلياً أكثر إلحاحاً: هل الإنفاق العسكري على هذا النحو يُعتبر أولوية ملحّة، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات في مجالات الصحة، والتعليم، والبنيات التحتية، ناهيك عن الفوارق المجالية والاجتماعية؟ وهو تساؤل مشروع في ظل ازدياد معدلات الهجرة غير النظامية، واحتقان اجتماعي متصاعد في بعض المناطق.
بين التوجّس الإقليمي والسياق الدولي
من جهة أخرى، فإن التوتر المغربي-الجزائري يُعيد تشكيل التوازنات في منطقة المغرب الكبير، في وقت وصلت فيه ميزانية الدفاع الجزائرية إلى 23 مليار يورو، ما يكرّس ما يشبه سباقاً تسلحياً بين الجارتين.
غير أن القراءة المغربية لهذا السياق تختلف؛ فالمغرب لا يسعى إلى حرب بقدر ما يعمل على منعها عبر “الردع الاستباقي”، وتأكيد جاهزيته لمواجهة أي تهديد، سواء كان مصدره تنظيمات مسلحة أو دولا جارة.
أما إسبانيا، فتجد نفسها في وضع جيوسياسي دقيق، فهي من جهة شريك اقتصادي وأمني رئيسي للمغرب، ومن جهة أخرى حليف تقليدي للجزائر في ملف الطاقة.
وبين هذا وذاك، يبدو أن مدريد تُدرك أن تجاهل تطور القدرات العسكرية المغربية قد تكون له كلفة استراتيجية، خصوصاً في ظل انسحاب تدريجي لدور أوروبا من ضفاف الجنوب، مقابل تمدد أميركي-إسرائيلي محسوب في العمق المغربي.
وفي المحصلة، فإن إعادة التسلّح المغربي لا ينبغي قراءتها فقط من منظور المقارنة مع الميزانية العسكرية الإسبانية أو الجزائرية، بل من زاوية التحديات الأمنية الحقيقية التي تواجه المملكة في محيطها الإقليمي المعقد.
كما أن الرهان الحقيقي يبقى في تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن والسيادة، من جهة، وحاجات التنمية والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية.
تعليقات الزوار ( 0 )