في قلب المغرب، وتحديدًا عند سفوح جبال الأطلس، تنمو ثمرة تحمل في طياتها قصة تمتد عبر الأديان والثقافات، وتتشبث بجذورها في الأرض كما في الروح. إنها الرُمّان – الفاكهة التي لطالما كانت رمزًا للوفرة والبركة، والتي باتت اليوم مرشحة لتكون رافعة تنموية واقتصادية في مواجهة تحديات التغير المناخي والفقر الريفي.
ولم يكن ما بدا كرحلة ميدانية بسيطة إلى تلال بني ملال سوى بداية لاكتشاف أعمق لقيمة الرُمّان، ليس فقط كغذاء، بل كحكاية اجتماعية وثقافية وروحية.
فمع كل زهرة قرمزية وثمار ناضجة، كان المرشد المحلي عبد الجليل – من مؤسسة الأطلس الكبير – ينسج للزوار الأميركيين قصة الرُمّان في المغرب: من جذوره الدينية في القرآن والتوراة، إلى مكانته في المطبخ المغربي، وأخيرًا إلى إمكانياته الاقتصادية كـ”فاكهة مقاومة” للتغيرات المناخية والفقر.
وذكرت الرُمّان في الكتب السماوية كرمز للنعيم، إذ يُصوَّر في القرآن على أنه من ثمار الجنة، بينما يعتبر في التراث اليهودي تجسيدًا للوصايا الـ613. غير أن المغزى اليوم يتعدى الرمزية الدينية، ليصل إلى إمكانات ملموسة لإحداث تحول اقتصادي واجتماعي في المناطق القروية.
ويُنتج المغرب اليوم أكثر من 80,000 طن من الرُمّان سنويًا من حوالي 4,000 هكتار فقط، في حين تحتاج دول مثل الهند وإيران إلى أكثر من 100,000 هكتار لإنتاج ما يعادل مليون طن.
وتعكس هذه الكفاءة المغربية إمكانات غير مستغلة بعد، خصوصًا في ظل الطلب العالمي المتزايد على الرُمّان ومشتقاته كمنتج غذائي وطبي وتجميل.
وتُعد مدينة بني ملال نموذجًا يُحتذى به، حيث تنتج ما يقرب من ثلثي محصول المغرب من الرُمّان. بفضل مناخها المثالي، وقربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية، وسواعد فلاحيها، تمثل المنطقة فرصة استثمارية واعدة.
وقد التقطت مؤسسة الأطلس الكبير هذه الفرصة عبر شراكة مع تعاونية “أولاد عبد الله”، التي تساهم وحدها في 15% من الإنتاج الوطني.
والمشروع المشترك بين المؤسسة والتعاونية لا يهدف فقط إلى زيادة إنتاج الرُمّان، بل يسعى إلى ما هو أبعد من ذلك: تحويله إلى منتجات ذات قيمة مضافة مثل العصائر، والزيوت، والمساحيق، ما يخلق فرص عمل جديدة، ويزيد من العائدات، ويكسر الحلقة المفرغة للفقر المتوارث.
ومع تصاعد وتيرة الجفاف في شمال إفريقيا، برز الرُمّان كأحد المحاصيل المقاومة للعطش، ما يجعله خيارًا زراعيًا مستدامًا في ظل تغير المناخ. قدرته على الصمود تجعله شريكًا طبيعيًا في معركة المغرب ضد التصحر والاختلالات المناخية.
والرُمّان المغربي ليس فقط فاكهة، بل منظومة متكاملة يمكنها، إذا ما وُجهت الاستثمارات بشكل ذكي ومستدام، أن تخلق نموذجًا تنمويًا يعالج التفاوتات الجغرافية والاجتماعية.
فالمعنى العميق للرُمّان – كما فُهم في الماضي كرمز للفردوس – يمكن أن يُعاد تفسيره اليوم كرمز لفردوس اجتماعي واقتصادي طالما حلم به سكان القرى المغربية.
وبين ما هو رمزي وما هو واقعي، وبين الجذور الدينية والفرص الاقتصادية، يقف الرُمّان المغربي كجسر بين الماضي والمستقبل.
وإذا ما تحققت الرؤية القائمة على الاستثمار الذكي والعدالة المناخية والتنمية المستدامة، فقد تتحول هذه الثمرة القرمزية إلى مفتاح حقيقي للتغيير، ليس فقط في بني ملال، بل في كل ربوع المغرب.
تعليقات الزوار ( 0 )