في خطوة لافتة تعكس تحركاً دبلوماسياً هادئاً ومدروساً من المملكة المغربية في المشرق العربي، بحث القائم بالأعمال بسفارة المغرب في دمشق، السيد عبد الله باباه، مع وزير الرياضة والشباب السوري، محمد سامح حامد، سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الرياضة والشباب، وذلك خلال لقاء رسمي عُقد بدمشق يوم الإثنين 16 يونيو 2025.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية (سانا)، شدد الطرفان على أهمية تفعيل التعاون المشترك في المجالين الرياضي والشبابي، وتبادل الخبرات والتجارب بما يسهم في تطوير قطاع الرياضة في سوريا، التي لا تزال تسعى إلى النهوض بمؤسساتها بعد سنوات طويلة من الحرب.
وأكد الوزير السوري أن المغرب، بما راكمه من خبرة في البنيات التحتية الرياضية وتنظيم الفعاليات الدولية – وخاصة في كرة القدم – يشكل نموذجاً يحتذى، معرباً عن أمله في أن ينعكس هذا التعاون إيجاباً على تطوير الرياضة السورية على مختلف المستويات.
من جهته، سلم الدبلوماسي المغربي دعوة رسمية لوزير الرياضة السوري لحضور مهرجان مراكش الثقافي الذي يُنظم في 30 يونيو الجاري، في دلالة واضحة على البعد الثقافي والإنساني الذي تراهن عليه الرباط في إعادة نسج علاقاتها الإقليمية من بوابة “القوة الناعمة”.
ويأتي هذا التحرك المغربي ضمن سياق أوسع تسلك فيه الرباط سياسة خارجية متزنة تقوم على الانفتاح دون التفريط في المبادئ.
فبينما لم تعلن المملكة استئنافاً رسمياً للعلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق، تُعدّ هذه اللقاءات إشارة واضحة إلى أن المغرب يفضّل إبقاء جسور التواصل قائمة، خاصة في ميادين غير حساسة مثل الرياضة والثقافة، والتي يمكن أن تمهد لتطبيع تدريجي غير صدامي مع النظام السوري.
كما أن هذه الخطوة تندرج ضمن ما يسمى بـ”الدبلوماسية الرياضية” التي باتت تلعب أدواراً مهمة في بناء العلاقات الثنائية، خاصة بعد النجاح الباهر الذي حققته الرياضة المغربية على المستوى القاري والدولي، وعلى رأسها الأداء البطولي للمنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، وتقدم البنية التحتية الرياضية الوطنية، التي باتت مرجعاً لدول كثيرة.
وتستفيد الرباط من هذا النوع من الانفتاح في تعزيز مكانتها الإقليمية كدولة وسيطة عاقلة في الأزمات العربية، كما يمكن أن تستثمره لاحقاً في القضايا السيادية مثل دعم مغربية الصحراء في المحافل الدولية، خاصة في حال ساهم هذا التعاون في تعديل مواقف أو تحييد دول مؤثرة مثل سوريا داخل المنظمات العربية أو القارية.
في المقابل، يستفيد النظام السوري من هذا الانفتاح المغربي لتعزيز صورته إقليمياً، وإضفاء شرعية دولية إضافية على حضوره، خصوصاً بعد عودته إلى الجامعة العربية، رغم استمرار تحفظ بعض الدول.
ورغم أن هذا اللقاء يبدو تقنياً وبسيطاً في ظاهره، إلا أنه يحمل دلالات استراتيجية عميقة في السياسة الإقليمية. فالمغرب، بسياسة “التدرج والتنوع”، يواصل تعزيز حضوره الدولي والإقليمي دون التصادم مع التوازنات الكبرى، واضعاً نصب عينيه مصالحه العليا، وعلى رأسها قضية الصحراء، وتعزيز صورته كفاعل تنموي وإنساني في عالم عربي متغير.
تعليقات الزوار ( 0 )