شارك المقال
  • تم النسخ

الروبيو.. حطام الكائن في حطام الروح! في أوراق الخزامى للكاتب أمزيان

عندما دخل إلى الحانة “الاسبانية”، سأله النادل أي كأس يريد، فأجابه أعطني الدن كاملاً حتى يروي عطش لحظات هروبه من وطنه الأول، هذا كان قبل أن يغرق في حرب تفيض فيها سنون عمره التي مرقت كالسراب.

عندما تقدمت منه “أنثى” أعجبت، بلونه وقوامه والنطفة الغريبة التي انتثر منها، قال اتركي حطامي الآن، ما زلت لا أعي من أنا.

الروبيو الذي اعتقد على خطأ أن الحياة تعني العدل، لكنه لم ير عدلاً في سطور حياته المتدفقة، منذ غادر والديه على متن قارب غارق في الظلم.

الروبيو الذي غرق في تفاصيل الحرب التي رُسمت له، ولأمثاله، الحرب التي كان هدفها قتله وقتل أجيال تتاخمه، لكنه خرج منها بقدرة قادر “حيّاً” لكنه محطّم المسامات. خرج حيّاً من حرب مميتة، بعد أن خرج حيّاً من قارب كان يجب أن يغرق.

يقدّم  الكاتب الأمازيغي “محمد أمزيان” في روايته “أوراق الخزامى” بحثاً معقداً لمهاجر أمازيغي، هرب من والديه بخفة، وتركهما يعدّان الأيام والليالي بحسرة، والتحق بإسبانيا، عاشقة الشواطئ، وفاتنة الألباب، قبل أن يغرق في متاهات الحرب الأهلية، التي لا تعنيه، ومتاهات الحياة الغنية الموحشة، ومتاهات المرأة التائهة، قبل أن يعتنق أطراف حروبه الوطنية، التي كانت تعنيه، لكن ثراء حياته وغناها منعاه من فهم سلوك السياسيين.

يقدم أمزيان “أوراق الخزامى” بتفاصيل موجعة، لكنها متواصلة ومتدفقة، سرد يدفعك بقوة لتعرف نهاية تلك التفاصيل، فتغيب عنك تفاصيل.

سرد قوي، جمل متناسقة، توالي ساعات متتابعة، لا تحتاج معها إلى الكثير من التدقيق، زمن متواصل لا يخرقه تقافز الأفكار، أو القناعات التي تسوّق لنفسها عبر ألسنة القائمين على التفاصيل، أو عبر بطل الرواية.

“أوراق الخزامى” تختصر معاناة جيل كامل من الشعب الأمازيغي، عاش الهجرة بقسوتها في الخارج، وعاش ألم الحرب في الداخل، وخرج من الحياتين، متخماً بالفوضى. هي رواية بنهايات مفتوحة، رواية تتحدث عن فترة زمنية حافلة بالأحداث، توالدت بعدها أحداث وأحداث، هي مادة أولية لتفاعل انفجاري قادم، هي رواية كاملة، لكنها تحمل في ثناياها مشروع جزء آخر لو أراد الكاتب لبطله أن يستمر في البحث “الفوضوي” عن متاهات أخرى، في عالم يضيق بالعدل، ويتسع في كل مرة بالمتاهات.

عالم يحتاج فيه الروبيو إلى أكثر من كأس وأكثر من “دن” وأكثر من حانة.

* كاتب سوري

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي